تتطلّع الأنظار نحو الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وينتظر العالم إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني المُقبل. ورغم أنّ الانتخابات الإيرانية آلت جولةَ إعادةٍ بين المُرشّحَيْن سعيد جليلي ومسعود بزشكيان، فإنّ التوقّعات ليست مرتفعةً بشأن مستقبل السياسات الإيرانية، الداخلية والخارجية. في المقابل، لم تتبلور بعد اتجاهات نهائية لتصويت الناخبين في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وإن أعطت المناظرة الانتخابية الأولى، بين المُرشّحَين جو بايدن ودونالد ترامب، مُؤشّرات أوليّة ستحسمها المناظرة الثانية، بالترجيح أو بالتعديل.
وعلى ما بين واشنطن وطهران من تناقضات واختلافات جذرية، بينهما تشابهات انتخابية كثيرة، إلا أن الديمقراطية الأميركية، التي تُعدّ في نظر كثيرين الأكثرَ ليبراليةً في العالم، لا تختلف في الواقع عن آليات التمثيل السياسي في إيران ذات الشمولية الدينية المُنغلِقة، فكلّ منهما تتبنَّى آليّةً خاصّةً ومُتفرّدةً للديمقراطية التمثيلية، وكلتاهما تتبع قواعد مُعيّنة للتصفية الانتخابية؛ في إيران تصفية للمُرشّحين وفي أميركا تصفية للناخبين. أي، في الحالين، تكون الاختيارات مُقيّدةً بالشريحة المسموح لها بالترشّح بواسطة مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، أو حسب ما يتراءى للمجمع الانتخابي الأميركي، الذي كثيراً ما يخالف أعضاؤه تفويض الناخبين لهم.
من المشتركات الانتخابية أيضاً، بين طهران وواشنطن، أنّه نادراً، في كلّ منهما، ما تختلف السياسات العامة أو تتبدّل بعد الانتخابات، خصوصاً في مستوى التوجّهات العامة، وبصفة أخصّ في نطاق السياسات الخارجية. والسبب الأساس في ذلك أنّ الانتخابات في الدولتَين تتعلّق بمنصب الرئيس، وهو منصبٌ ليس مطلقَ الصلاحيات، فهو في إيران ليس السلطة الأعلى في هيكل النظام. وفي ما يتعلّق بالعلاقات الخارجية والقضايا المُهمّة مثل الملف النووي واستراتيجية الوكلاء والحلفاء الإقليميين، فالكلمة العليا والقول الفصل فيها للمُرشد الأعلى حصراً. ومهما بلغت جُرأة من يشغل منصب الرئيس في إيران، يظلُّ محكوماً بهيراركية السلطة وتراتبية الصلاحيات. وليس أكثر ليبرالية من الرئيس الأسبق محمد خاتمي الذي دعا إلى التواصل بين الحضارات، وكان مُفكّراً إصلاحياً أكثر منه سياسياً. ورغم ذلك، لم يتمكّن من تغيير دفّة السياسة الإيرانية أو حلحلة عقدها المرتبطة كلّها بخيط واحد ينتهي في يد المُرشد. أما الرئيس الأميركي، فسلطته أساسية في السياسة الخارجية، لكنّه ليس الوحيد المعني بإدارة شؤون البلاد، لا داخلياً ولا خارجياً، بل تشاركه مؤسّساتٌ أخرى، بعضها في الدائرة القريبة من الرئيس، مثل مجلس الأمن القومي، وبعضها الآخر منفصل عن الرئاسة مثل الكونغرس، الذي يُنتخَبُ، بمجلسيه، بتصويت شعبي مباشر، وغالباً ما يهيمن على تركيبته الحزب الذي لا ينتمي إليه الرئيس.
ولكن، في التحليل الأخير، الاهتمام الأول والأساس للناخبين ليس القضايا الخارجية، فالأولويات كلّها تقريباً داخلية، غير أنّ مضمونها مُتباين. ففي إيران يحتلّ الاقتصاد والأوضاع المعيشية الأولوية القصوى للمواطنين، بينما الوضع مُختلف في الولايات المتّحدة، حيث جرى تجاوز المستوى الحياتي إلى قضايا أخرى مثل الإجهاض، والتأمين الصحي، والتغيّر المناخي. وكما تتشابه الدولتان في أولوية الاهتمام بالقضايا الداخلية، تشهدان أيضاً، وبشكل متزامن، تراجع نسب المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية. ففي الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الإيرانية لم تزد نسبة المشاركة التصويتية على 40% من الناخبين المُسجّلين، وهي نسبة قريبة من المُتوقّع في الانتخابات الرئاسية الأميركية المُقبلة.
وهكذا، لا تقدّم آليات المشاركة الأميركية نموذجاً فريداً أو مثالياً في الديمقراطية وحرّية الاختيار. وبالمثل، فإنّ آليات المشاركة الإيرانية لا تجسّد بصورة نموذجية أو كاملة مبادئ الشورى الإسلامية، خصوصاً في ظلّ الصيغة المُقيَّدة بالاثني عشرية. ففي كلتا الحالتَين، صارت معايير التصفية والسماح أدوات للانتقاء والاستبعاد، وفي المدى الأعمق مدخلاً للاستبداد.