مع شرط “مواصلة نهج رئيسي” الصعب: طريق بزشكيان رئيسًا تاسعًا لإيران

مع شرط “مواصلة نهج رئيسي” الصعب: طريق بزشكيان رئيسًا تاسعًا لإيران

في رسالته حول الانتخابات الرئاسية الرابعة عشرة، هنَّأ آية الله علي خامنئي الرئيس الإيراني المنتخب، مسعود بزشكيان، ودعاه إلى مواصلة السير على طريق الرئيس الإيراني الراحل، إبراهيم رئيسي، وإن كانت الرسالة ليست الأولى التي يخاطب فيها خامنئي رئيس البلاد المنتخب إلا أنها المرة الأولى التي يدعوه فيها إلى مواصلة نهج الرئيس الذي سبقه.

یعلم بزشكيان أن طريقه إلى مبنى الرئاسة الإيرانية في شارع باستور وسط العاصمة طهران لن يكون سلسًا. ومن مرقد الإمام الخميني، حيث ألقى بزشكيان أول خطاب له، شكر فيه القائد الأعلى في إيران، آية الله علي خامنئي، وأشاد بحكمته، توقف عند التحديات التي تنتظره “أمامنا عدد كبير من التحديات والصعوبات لتحقيق حياة كريمة للشعب الإيراني، وأرجو أن يتناغم مجلس الشورى مع الحكومة القادمة لتخطي العقبات”. وفي الاتجاه ذاته ذهبت الرسالة التي خاطب بها الشعب من خلال تغريدة على منصة “إكس”: “أمامنا طريق صعب ولا يمكن تجاوزه إلا بتعاطفكم وثقتكم وتعاونكم”.

خلال حملته الانتخابية لاحقت بزشكيان مقولات كثيرة، بعضها رأى أن حكومته ستكون “حكومة خاتمي الثالثة”، والبعض الآخر وصفها بأنها “حكومة روحاني الثالثة”، والحقيقة أن المقولات التي تلاحقه لم تأت من فراغ، فقد جاء بدعم التيار الإصلاحي وزعيمه محمد خاتمي الذي كان بزشكيان واحدًا من وزرائه. وقد خاض حملته الانتخابية بجهود ثلاثة من وزراء روحاني، هم: وزير الخارجية الأسبق، جواد ظريف، ووزير الاتصالات الأسبق، محمد جواد آذري جهرمي، ووزير الاستخبارات الأسبق، محمود علوي.

كان أكثرهم تأثيرًا هو جواد ظريف الذي بدا وكأنه يخوض حربًا شخصية يصفِّي فيها حسابات مع خصومه، ويكيل لهم الاتهامات مقابل اتهاماتهم له. وظهر بزشكيان وكأنه ينفذ تعليمات ظريف. وقد نجح ظريف بالفعل في الحشد لبزشكيان وقد يكون واحدًا من أبرز الأسباب التي قادت لفوزه لكنه قامر بمستقبله السياسي إذ إن شكوكًا كثيرة تحيط بإمكانية عودته إلى وزارة الخارجية أو أن يكون من الطاقم الوزاري لبزشكيان لأنه من غير المرجح أن يحصل على ثقة مجلس الشورى ذي التركيبة الأصولية المحسوبة على طيف جبهة الثبات “پایداری” المؤيدة لسعيد جليلي.

ما تقوله النتائج
فاز مسعود بزشكيان بـ55% من أصوات الناخبين، وحصل على ما يزيد على 17 مليون صوت، فيما حصل منافسه، سعيد جليلي، على أكثر من 13 مليون صوت، وفق نتائج نشرتها وزارة الداخلية. في حين بلغت نسبة المشاركة في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الإيرانية 49.8%.. ويبلغ عدد من يحق لهم التصويت 61 مليون ناخب.

حُسمت المنافسة في الجولة الثانية، بعد أن تقدم بزشكيان على منافسيه دون أن يصل إلى النسبة المطلوبة في الجولة الأولى، التي جرت يوم 28 يونيو/حزيران الماضي، لاختيار خليفة الرئيس الراحل، إبراهيم رئيسي، الذي توفي في حادث تحطم مروحية في مايو/أيار الماضي. وتراجعت نسبة التصويت في الجولة الأولى لتسجل أدنى نسبة في تاريخ انتخابات الرئاسة الإيرانية إذ لم تتعدَّ 40%.

وقد حملت هذه النتائج رسائل عديدة فيما يتعلق بالمرشحين والتيارين المتنافسين وكذلك المجتمع الإيراني وما يشهده من تغييرات، ونضع ذلك في النقاط التالية:

كشفت العملية الانتخابية عن حالة واسعة من عدم الرضى عن الأداء الحكومي في إيران، وفقدان الثقة في قدرة العملية الانتخابية على إحداث التغيير المطلوب.
انتقل النقاش السياسي في إيران من شكله التقليدي في الشارع وأماكن التجمع إلى الفضاءات الافتراضية التي لعبت دورًا واضحًا في المناظرات السياسية، كما أنها كانت محورًا فيها؛ إذ حازت قضية حظر المواقع في إيران على جزء كبير من مناقشات المرشحين.
على الرغم من فوز المرشح الإصلاحي إلا أن نسبة الفوز تدل بوضوح على انحسار البيئة الحاضنة للتيار مقارنة مع الفترات السابقة حين كان قادرًا على الحصول على 20 مليون صوت.
التيار الأصولي أيضًا يواجه نفس المسألة وإضافة إلى الشرخ الذي حدث داخله وبين أطيافه فقد تراجعت نسبة مؤيديه، ولم يعد قادرًا على الحصول على الأصوات التي قاربت الـ18 مليونًا في السابق.
ظهر المجتمع الإيراني وكأنه يتحرك في مرحلة ما بعد التيارات السياسية القائمة وهو ما يؤشر إلى حالة سياسية كامنة ستظهر آثارها في المستقبل.
تشكِّل هذه الانتخابات فاتحة لمرحلة جديدة من عمر الجمهورية الإسلامية وتأتي في ظروف يحتدم فيها الصراع على مستقبل إيران وشكل نظامها السياسي في المستقبل.
كان من الواضح أن المحافظات ذات الأغلبية العرقية الأذرية هي التي قادت إلى فوز بزشكيان، وبدا ذلك جليًّا في نتائج محافظات أذربيجان الشرقية وأذربيجان الغربية وأردبيل وزنجان، ويبدو ذلك جليًّا في النتائج إذ إن الفرق بينه ومنافسه فيها وصل إلى 2.860.347 صوتًا، وكان الفرق الكلي في مجموع النتائج وهو 2.846.224 صوتًا، ولذلك فجليلي سجَّل نتائج كبيرة في مختلف المحافظات باستثناء المحافظات ذات الأغلبية التركية. ولعل استقبال خامنئي، وهي المرة الأولى التي يستقبل فيها المنافس الخاسر في الانتخابات، تقول بأن جليلي سيبقى في ساحة المسؤولية السياسية في الجمهورية الإسلامية.
وبناء على النتائج السابقة، فإن بزشكيان لم يفز بأصوات الكتلة الإصلاحية في المجتمع الإيراني، ولكن العرق كان العامل الأساسي في فوزه إذ إن بزشكيان أذري، ولعل نتائج مدينة يزد، وهي مسقط رأس خاتمي، مؤشر على ذلك حيث صوَّتت المدينة لصالح سعيد جليلي.
رسائل خامنئي
كان لخامنئي الدور الأكبر في إيصال بزشكيان إلى الرئاسة، وقد تدخل لدى مجلس صيانة الدستور في السابق للمصادقة على ترشحه بعد أن رفض المجلس تأييد أهليته للانتخابات البرلمانية. كما أن معلومات من مصادر مطلعة أكدت للباحثة أنه تدخل لصالحه مجددًا في الانتخابات الأخيرة، وأن مجلس صيانة الدستور كان أكثر ميلًا لمرشح إصلاحي آخر هو إسحق جهانغیري، ويبدو أن خامنئي قرأ فيه خيارًا أفضل فيما يتعلق بالمرحلة القادمة في إيران، من حيث حالة الاحتقان التي يشهدها المجتمع الإيراني خاصة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي.

الطريق الصعب لبزشكيان
عودة إلى رسالة خامنئي التي بدأنا هذا التحليل بالإشارة لها، فقد وضعت ما يشبه الشرط أمام بزشكيان، وسيكون هذا الشرط ماثلًا أمامه وهو يختار التركيبة الوزارية لحكومته التي سيقدمها لمجلس الشورى للحصول على الثقة؛ إذ عليه مواصلة نهج الرئيس الراحل رئيسي، وهذا يعني:

ضرورة الحفاظ على النفوذ الإقليمي لإيران، والالتزام بمحور المقاومة.
الحفاظ على أولوية الجوار والتوجه شرقًا، وهذا سيكون نقطة إشكالية إذا ما عرفنا أن الفريق الذي قاد حملته لديه تحفظات كبيرة على طبيعة العلاقة مع الصين وروسيا، ويدعو إلى إعادة تعريف العلاقة، كما أن الإصلاحيين لديهم قراءة سلبية للعلاقة مع تركيا إذ يعتقدون أنها تتكسب سياسيًّا واقتصاديًّا من توتر علاقة إيران مع الغرب.
بالنسبة للعلاقة مع السعودية، يميل التيار الداعم لبزشكيان إلى العودة إلى السياسة التي قادت إلى تحسين العلاقة في فترة الرئيس محمد خاتمي.
كان نهج رئيسي يقوم على تحييد العقوبات حتى مع استمرار الأزمة مع الولايات المتحدة الأميركية، لكن الرئيس المنتخب يرى ضرورة تحسين العلاقة مع واشنطن لحل مشكلات إيران وهو بذلك يعود إلى مربع سياسة روحاني الذي راهن على العلاقة مع الغرب شرطًا لحل مشكلات إيران. كما أن بزشكيان يعتقد بأن التفاوض على الملف النووي الإيراني فقط قد لا يقود إلى الحل المطلوب بل يجب أن يشمل قضايا أخرى، والسؤال هنا: ما القضايا الأخرى إن لم تكن النفوذ الإقليمي لإيران ودعم محور المقاومة والبرنامج الصاروخي الإيراني، وهو ما يتعارض بصورة جوهرية ليس فقط مع نهج رئيسي بل مع الخطوط الحمراء التي سبق لخامنئي أن وضعها بصراحة وكذلك الحال بالنسبة لمؤسسة الحرس الثوري التي أعلنت في عهد روحاني أن “لا أحد لديه صلاحية التفاوض بشأن برنامج إيران الصاروخي وأن إيران لن تفاوض بشأنه”؟
كانت فلسطين قضية محورية في سياسة الراحل رئيسي، وقد اختلفت بصورة جذرية عن سياسة روحاني الذي كان يحجم عن مقابلة قادة المقاومة الفلسطينية، وأوقف الدعم المالي الذي كان يُدفع من رئاسة الجمهورية، ورغم أن بزشكيان يوصف بأنه ليس سياسيًّا ساذجًّا وداعم للشعب الفلسطيني لكنه يبدي ميلًا للدعم السياسي في الأمم المتحدة ومن خلال العلاقات الدولية. وقد يكون علينا أن نراقب مكان جلوس قادة المقاومة الفلسطينية في حفل تنصيب بزشكيان لنعرف إلى أين تتجه البوصلة؛ إذ سبق وأُجلسوا في الصفوق الأولى متقدمين على الضيوف الغربيين في حفل تنصيب رئيسي.
خاتمة
يعد جواد ظريف وحلقته “غرفة الفكر” التي رافقت بزشكيان خلال رحلة التنافس للفوز بمنصب رئيس الجمهورية، وصاغت طروحاته ومقارباته المتعلقة بالتفاوض والعقوبات والملف النووي والعلاقات مع الخارج، ولعل هذا الفريق الذي أسهم بصورة كبيرة في فوز بزشكيان هو ذاته الذي سيكون سببًا في وضع العصا في دولاب حكومته. يحتاج بزشكيان إلى صناعة مستوى من التوازن السياسي يمكِّنه من الوفاء بالتزاماته كرئيس إصلاحي، وفي الوقت ذاته يجعل من علاقته مع مجلس الشورى والمؤسسات القوية الأخرى سلسة ومثمرة. وقد يلجأ في تشكيلة حكومة إلى الدفع بأسماء لا تتصادم مع هذه المؤسسات وفي مقدمتها عباس عراقجي الذي يُتداول اسمه وزيرًا للخارجية.

وتبقى الإشكالية الكبرى في الشرط الذي وُضِع أمام عينه دون مواربة، فهل ينجح بزشكيان في حل المعادلة الصعبة، أم إنه سيدفع نحو سياسة تعيد إلى الذاكرة مصير بني صدر الذي تم عزله بعد أن خرجت سياسته عن الإطار الذي رسمه الإمام الخميني وتصادم مع بؤر الجمهورية الإسلامية القوية؟