تفاؤل تركي حذر حيال قرب موعد التيسير النقدي

تفاؤل تركي حذر حيال قرب موعد التيسير النقدي

أرسل صناع القرار النقدي في تركيا إشارات حذرة حيال قرب موعد البدء في خفض أسعار الفائدة بالنظر إلى التحديات الكثيرة، التي لا تزال جاثمة على المؤشرات الاقتصادية بفعل ضغوط التضخم، رغم أن الإبقاء على سياسة التشديد تظل مغرية للمستثمرين.

إسطنبول- وجه محافظ البنك المركزي التركي فاتح كاراهان رسالته الأكثر تأكيدا حتى الآن للمستثمرين الأجانب القلقين بشأن التيسير السابق لأوانه، مقرّا بأنه قادر على تحقيق أهداف التضخم بعد هذا العام قبل مناقشة تخفيضات أسعار الفائدة.

وقال كاراهان لوكالة بلومبيرغ في أول مقابلة يجريها منذ تعيينه قبل أكثر من خمسة أشهر “أي إجراءات نتخذها بشأن الفائدة يجب أن تتم معايرتها بحيث تصل إلى هدف التضخم في عام 2025 وما بعده”.

ومع تباطؤ التضخم في تركيا خلال يونيو للمرة الأولى منذ ثمانية أشهر، بدأت التكهنات بأن المحافظ قد يخفض قريبا نسبة الفائدة البالغة 50 في المئة مع بدء تباطؤ زيادات الأسعار من أكثر من 70 في المئة.

ويتعين على كاراهان، الخبير الاقتصادي والمستشار السابق في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي)، أن يؤخر الأفق لخفض محتمل تتوقعه بعض البنوك مثل مجموعة غولدمان ساكس في هذا الربع بالفعل.

وتوقفت أسعار الفائدة مؤقتا منذ أبريل الماضي، بعدما أدت جولة قوية من الارتفاعات إلى رفع المؤشر بأكثر من 40 نقطة مئوية في أقل من عام.

وفي حديثه مع بلومبيرغ من مقر المركزي في إسطنبول الخميس امتنع كاراهان عن التعليق على التوقيت المحتمل لخفض الفائدة، لكنه قال “نحن بحاجة إلى الحفاظ على موقفنا الحذر”.

وبعد أن أصبح تحت الأضواء، عقب الرحيل المفاجئ لسلفه حفيظة إركان، يقود كاراهان اقتصادا اختل توازنه بسبب حقبة الأموال الرخيصة في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، والتي تم إلقاء اللوم عليها في سلسلة من أزمات العملة وتضخم فوق 75 في المئة.

ومع تراجع التضخم أخيرا وبدء الطلب المحلي في التراجع، فإن العقبة الأكبر التي تقف الآن في طريق التيسير هي الفجوة الواسعة في توقعات الشركات والأسر وتوقعات البنك المركزي نفسه.

ويتوقع أن ينخفض التضخم إلى النصف تقريبا، أي إلى 38 في المئة، بحلول نهاية هذا العام قبل أن يتباطأ إلى 14 في المئة العام المقبل و9 في المئة خلال العام التالي.

وقال كاراهان إن “تحقيق هدف هذا العام أمر بالغ الأهمية لاكتساب المصداقية ونحن نفعل كل ما يلزم، لكن من المهم أن نلاحظ أن هذا ليس الهدف النهائي”.

وفي قلب التحدي الذي يواجهه، تكمن العادات الاستهلاكية التي شكلتها سنوات من العيش في ظل أحد أسرع معدلات التضخم في العالم.

وترك ذلك الاقتصاد البالغ قيمته 1.1 تريليون دولار محاصرا في دورة ذاتية التحقق تؤدي إلى استمرار الأسعار في الارتفاع بشكل أسرع مع زيادة توقعات التضخم المرتفعة للطلب.

وتظهر الدراسات الاستقصائية التي أجراها المركزي أن الأسر لا تزال ترى معدل تضخم أعلى من 70 في المئة بعد عام من الآن.

وهذا تقييم يتعارض بشكل حاد مع وجهات النظر في السوق بأن نمو الأسعار في نهاية 2024 سيقترب كثيرا من النطاق الأعلى البالغ 42 في المئة لتوقعات البنك المركزي.

وقال كاراهان “نريد أن نرى تحسينات أوضح في توقعات الأسر والشركات حتى نتمكن من الشعور بالارتياح لأن توقعات التضخم ستدعم عملية تباطؤ التضخم”.

ولفت إلى أنه رغم تباطؤ التضخم بشكل أسرع من المتوقع في يونيو، إلا أنه “من السابق لأوانه” استنتاج أن انخفاضه كبير بما فيه الكفاية ويمكن استمراره.

وفي يوليو الحالي يتوقع المحافظ أن تضيف الكهرباء والزيادات في الأسعار 1.5 نقطة مئوية إلى التضخم الشهري. وقال إن “هذا لا ينبغي أن يغير التوقعات لأن المركزي أخذ في الاعتبار بالفعل الزيادة في توقعاته”.

وبينما يحدد كاراهان خطواته التالية ينصب التركيز على تهدئة الطلب المحلي والاستمرار في تضييق العجز في الحساب الجاري الذي أعاق الموارد المالية لتركيا لفترة طويلة.

وكانت إحدى نتائج السياسة المتشددة هي الارتفاع الحقيقي في قيمة الليرة، وفقا لكاراهان الذي قال إنه “نتيجة مباشرة” للفائدة المرتفعة التي تجعل الأصول التركية أكثر جاذبية.

وحذر الاقتصاديون والشركات من أن العملة باهظة الثمن قد تضر بالقدرة التنافسية للصادرات المحلية وتؤدي في النهاية إلى زيادة الطلب على المنتجات الأجنبية.

لكن كاراهان يتوقع بدلا من ذلك أن تؤدي السياسة النقدية التقييدية إلى كبح الطلب المحلي، وبالتالي خفض الواردات وتضييق العجز في الحساب الجاري.

ومع ذلك لا تزال السلطات في حالة تأهب لتجنب ما تعتبره مكاسب مفرطة في الليرة نتيجة للتدفقات التي تهدد بإغراق النظام المالي بالسيولة.

وظلت القيود المفروضة على مقايضات العملات الخارجية المصممة في الأصل لردع البائعين على المكشوف سارية، ما أدى إلى تقييد تدفق الأموال الأجنبية إلى الأصول المقومة بالليرة.

وكان تسهيل الوصول إلى الليرة في الخارج مطلبا رئيسيا من المستثمرين الدوليين، الذين يحتاجون إلى التحوط من تعرضهم للعملة المحلية. ويشعر المسؤولون بالقلق من أن رفع السقف قد يؤدي إلى تقلبات أكبر في الليرة.

وحتى الآن ساعدت القواعد في جعل مشكلة السيولة أكثر قابلية للإدارة، ووفقا لكاراهان فإن “هيئة الرقابة المصرفية لديها السلطة على اللوائح، على الرغم من أنها تناقش مستقبلها بالتنسيق مع مسؤولين آخرين”.

وشهدت تركيا ما يزيد عن 8 مليارات دولار من تدفقات السندات في الربع الثاني من 2024، وهو ما ساعد المركزي على بناء احتياطياته التي بلغت في نهاية العام الماضي 142 مليار دولار، بوتيرة هي الأكبر منذ أربعة عقود، وفقا لبلومبيرغ إيكونوميكس.

وقال كاراهان “علينا أن نوازن بين الحاجة إلى تحسين وضع الاحتياطي لدينا وهدفنا الرئيسي المتمثل في تحقيق تباطؤ التضخم، الأمر الذي يتطلب تجنب السيولة الزائدة ومنع نقاط الضعف الناجمة عن تدفقات رأس المال”.

وأضاف “حتى الآن تمكنا من إدارة هذه المقايضات بشكل جيد، وقد ساعدنا عدم تخفيف اللوائح ويرغب المركزي في أن يَتم مستقبلا خفْض التزاماته من النقد الأجنبي ومراجعة اتفاقيات الودائع مع الأطراف الدولية المقابلة”.

وأكد أنه في حين أن الاحتياطيات بحاجة إلى المزيد من التعزيز، فإن الهدف الأساسي هو تحقيق تباطؤ التضخم بما يتماشى مع الأهداف. وقال “سنواصل دائمًا إعطاء الأولوية لاستقرار الأسعار وتجميع الاحتياطيات عندما تسمح ظروف السوق بذلك”.

العرب