اصطفت مجموعة من أبرز المسؤولين في وادي السيليكون مركز عمالقة التكنولوجيا علناً خلف المرشح الجمهوري دونالد ترامب، منذ تعرضه لمحاولة اغتيال في 13 يوليو/ تموز الحالي، وبينهم من هاجموه سابقاً أو دعموا منافسيه، وتحديداً بعد هجوم أنصاره على مبنى الكابيتول عام 2021، مما يعكس تحولاً سياسياً بارزاً في قطاع التكنولوجيا.
خلال الشهور الأخيرة، ساندت الكثير من الشخصيات البارزة في وادي السيليكون ترامب، إنما بهدوء، إذ جذبتهم وعوده باعتماد سياسات صديقة للصناعة في ما يتعلق بالعملات المشفرة والذكاء الاصطناعي، وابتعدت عن الرئيس جو بايدن، قبل انسحابه من السباق، بسبب التدقيق في عمل القطاع الذي يعتبرونه ضرباً للابتكار.
ولكن منذ محاولة اغتيال ترامب في ولاية بنسلفانيا، أصبح هذا الدعم علنياً؛ لم يستغرق الأمر سوى نصف ساعة حتى غرّد الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، إيلون ماسك، معلناً تأييده لترامب، علماً أنه صوت سابقاً لصالح بايدن، وقال في مارس/ آذار الماضي إنه لن يتبرع لأي من المرشحين للرئاسة الأميركية هذا العام. وفي 15 يوليو، أفادت لجنة العمل السياسي الكبرى المتحالفة مع ترامب بأنها جمعت 8.5 ملايين دولار من قادة التكنولوجيا البارزين، وبينهم المستثمر ديفيد ساكس، وصاحب رأس المال المغامر داغ ليوني الذي هاجم ترامب بعد هجوم أنصاره على مبنى الكابيتول في السادس من يناير/ كانون الثاني 2021. وفي 16 يوليو، أعلن مارك أندرسون وبِن هورويتز، مؤسسا واحدة من أبرز شركات رأس المال الاستثماري في وادي السيليكون، دعمهما لترامب في معركة الوصول إلى البيت الأبيض، وذلك خلال بودكاست مدته ساعة ونصف. وحاججا بأن ازدهار قطاع التكنولوجيا ضروري للحفاظ على الهيمنة الأميركية على العالم، وانتقدا إدارة بايدن لتقييد قطاع العملات المشفرة. كما أن اختيار ترامب للسيناتور جي دي فانس، صاحب رأس المال الاستثماري السابق، ليكون نائباً له، سرّ الملياردير بيتر تيل وبعض المستثمرين الآخرين في وادي السيليكون الذين يرون فانس واحداً منهم وحليفاً محتملاً في البيت الأبيض. عمل فانس سابقاً لصالح تيل ــ وهو من مؤيدي ترامب منذ فترة وشارك في تأسيس شركة استخراج البيانات بالانتير ــ قبل الترشح لمجلس الشيوخ في ولاية أوهايو. وعلى الرغم من أن تيل لا يخطط للتبرع بالمال لأي مرشح، فإن ترشيح فانس حسم تصويته لصالح ترامب، وفقاً لما كشفه شخص مقرب منه تحدث لصحيفة واشنطن بوست أخيراً شرط عدم الكشف عن هويته.
ما يخيف عمالقة وادي السيليكون
عبر زعماء وادي السيليكون عن قلقهم بشأن حملة إدارة بايدن على العملات المشفرة، والنهج الحذر تجاه الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، يتطلب الأمر التنفيذي الأخير الذي أصدرته الإدارة الأميركية من الشركات الالتزام بمعايير السلامة الحكومية الخاصة بالذكاء الاصطناعي.
وكتب مارك أندرسون وبِن هورويتز مقالاً مشتركاً أخيراً، قالا فيه إن “السياسات الحكومية السيئة تشكل حالياً التهديد الأول لشركات التكنولوجيا الصغيرة”. وأضافا: “حان وقت اتخاذ موقف”.
كما أن قرار ماسك بدعم ترامب يشكل تحولاً لافتاً لرجل تجنب تاريخياً المعارك السياسية. يقال مثلاً إنه انتظر ذات مرة في الطابور لمدة ست ساعات لمصافحة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وعام 2018 وصف نفسه بأنه “معتدل” سياسياً. عام 2017، كان من بين أوائل الأعضاء الذين تركوا مجلس الأعمال في البيت الأبيض، وعارض سياسات ترامب بشأن تغير المناخ. وشركته تسلا مصنعة للسيارات الكهربائية التي لطالما انتقدها ترامب ووصفها بأنها باهظة الثمن وغير عملية. مع ذلك، فإن غضب ماسك ازداد خلال السنوات بسبب الرقابة التي فرضها المنظمون الماليون. وتصاعدت انتقاداته لبايدن قبل عامين، حين لم يتلق دعوة لحضور اجتماع عمل في البيت الأبيض، وهو ازدراء دفعه إلى التصريح لشبكة “سي إن بي سي” بأنه يشعر “بالتجاهل” و”الظلم”. وعلى منصات التواصل الاجتماعي، شارك بشكل متزايد في مناقشات حول عمليات الإغلاق بسبب تفشي فيروس كورونا، والحرب في أوكرانيا، وسياسة الصين، وقضايا العابرين جنسياً. ولدى ماسك، الذي تقوم شركته الصاروخية سبيس إكس بأعمال حكومية بمليارات الدولارات، علاقة مع إدارة ترامب المحتملة التي يجب أخذها في الاعتبار أيضاً.
المصالح الخاصة أولاً
رأى الديمقراطيون أن التحول السياسي في عالم التكنولوجيا مدفوع أولاً بالمصلحة الخاصة، مدللين على أن بايدن اقترح فرض ضرائب جديدة على أصحاب الملايين. ونفر البعض منه لتبنيه العمل المنظم، وملاحقة إدارته لشركات التكنولوجيا في مكافحة الاحتكار وغيرها من القضايا.
وقال رجل الأعمال مارك كوبان الذي يدعم الديمقراطيين، لـ”بي بي سي”، إن الانجذاب نحو ترامب هو “لعبة بيتكوين”، أي أنه رهان على أن قيمة العملة المشفرة يمكن تعزيزها من خلال التضخم المرتفع والفوضى السياسية التي يقول الديمقراطيون إنها ستنتج في ظل إدارة ترامب.
وفي السياق، أوضح الأستاذ في كلية إدارة الأعمال في جامعة ستانفورد الذي درس وجهات النظر السياسية لمؤسسي التكنولوجيا، نيل مالهوترا، أنه سيكون من الخطأ الخلط بين “الأشخاص الأكثر صراحة على تويتر (إكس)” والقطاع بشكل عام – أو حتى نخبه.
ترامب يصفق لمؤسس “سبايس إكس” إيلون ماسك بعد إطلاق صاروخ فالكون 9 من كيب كانافيرال في فلوريدا، 30 مايو 2020 (جوي رايدلي/ Getty)
سوشيال ميديا
إيلون ماسك ودونالد ترامب… علاقة متقلبة بين شخصيتين جدليتين
ووجد استطلاع أجراه هو وزملاؤه عام 2017 أن قادة التكنولوجيا، بما هم مجموعة، كانوا متحالفين مع الديمقراطيين بشأن قضايا مثل زواج المثليين والإجهاض، وحتى الضرائب. ومع ذلك، فقد تحولوا إلى الجمهوريين في معارضتهم الشديد لتنظيم القطاع. وأشار، متحدثاً لـ”بي بي سي”، إلى أنه منذ إجراء الاستطلاع، برزت قضايا اجتماعية جديدة مثل الشرطة والتعليم وحقوق العابرين جنسياً. وكانت سان فرانسيسكو، مقر وادي السيليكون ساحة معركة رئيسية في تلك المناقشات، مما أدى إلى بعض ردود الفعل العنيفة في عالم التكنولوجيا. وقال مالهوترا: “الشك هو أن معظم الأشخاص العاملين في رأس المال الاستثماري ما زالوا من يسار الوسط”. لكنه أضاف: “هناك بالتأكيد جنوح نحو الحزب الجمهوري”.
ماذا عن كامالا هاريس؟
على مدى السنوات الثلاث الماضية، تولت نائبة الرئيس كامالا هاريس دوراً رائداً داخل البيت الأبيض في ما يخص الذكاء الاصطناعي مع الانطلاقة الصاروخية لهذه التقنية. فقد جلبت رؤساء شركات أوبن إيه آي ومايكروسوفت وغوغل وأنثروبيك إلى البيت الأبيض، للاتفاق على معايير السلامة الطوعية لهذه التكنولوجيا. وقادت أمراً تنفيذياً للبيت الأبيض يفرض كيفية استخدام الحكومة الفيدرالية لهذه التقنية وكيفية تطويرها. ودفعت الكونغرس إلى اعتماد لوائح لحماية الأفراد من الذكاء الاصطناعي. وقالت هاريس في خطاب ألقته في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي: “إننا نرفض الاختيار المضلل بين إما حماية العامة أو تعزيز الابتكار، ودعت إلى تنظيم عالمي للقطاع وفرض المزيد من المساءلة على الشركات. وأضافت مؤكدة: “يمكننا ويجب علينا القيام بالأمرين معاً”.
والآن، باعتبارها المرشحة الرئاسية المفترضة للحزب الديمقراطي، فإن فوزها يعني فرض المزيد من الإجراءات التنظيمية على قطاع الذكاء الاصطناعي. كما أنها اتخذت في السابق مواقف أكثر صرامة تجاه شركات التكنولوجيا الكبرى. بصفتها المدعية العامة السابقة لمقاطعة سان فرانسيسكو، ثم المدعية العامة لولاية كاليفورنيا، فقد ضغطت من أجل سن قوانين ضد التنمر عبر الإنترنت وتعزيز خصوصية الأطفال عبر الشبكة. وعملت على وضع حد لانتشار الصور الحميمة التي التقطت من دون موافقة أصحابها على منصات التواصل.