دعت الخارجية الصينية الفصائل الفلسطينية إلى اجتماع موسع لتدراس إمكانية الوصول إلى اتفاق فلسطيني موحد حول الأوضاع التي تشهدها الأراضي الفلسطينية والاتفاق على صيغ وبرامج سياسية لدعم العمل المشترك الذي يمثل الحد الأدنى من مواجهة المتغيرات القائمة الان في المنطقة العربية وتداعيات ونتائج الأحداث التي وصل إليها الشأن الفلسطيني بعد السابع من تشرين الأول 2023.
وأمام هذه المعطيات اجتمعت عدة فصائل فلسطينية (منظمات فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وحزب الشعب الفلسطيني وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني وحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية والجبهة الشعبية القيادة العامة والاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا) وجبهة التحرير الفلسطينية وجبهة التحرير العربية والجبهة العربية الفلسطينية، وطلائع حرب التحرير الشعبية (قوات الصاعقة)، في الحادي والعشرين من شهر تموز 2024 في العاصمة الصينية ( بكين)، وقدمت القيادة الصينية خلال الاجتماع الموسع مبادرة سياسية حول الصراع والمواجهة العسكرية الدائرة بين القوات الإسرائيلية ومقاتلي حركة حماس في قطاع غزة وتضمنت ثلاث محاور رئيسية تخص عمل وحركة الفصائل الفلسطينية والجهود الدرامية للوصول إلى اعتراف رسمي بعضوية كاملة لفلسطين في منظمة الأمم المتحدة، ثم وحدة جميع الفصائل في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، والانتهاء إلى تشكيل حكومة مصالحة وطنية مؤقتة حول إدارة غزة بعد إنتهاء الحرب وما ستؤول إليه المفاوضات الجارية بين الأطراف المعنية.
وناقش المجتمعون وضع أسس ومرتكزات لرؤية واضحة تحدد بموجبها مستقبل واعد لقطاع غزة وأهلها ورسم ملامح (اليوم التالي) وهو المصطلح السياسي الذي اُتبع في مناقشات وحوارات وقف القتال الذي ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية والوسيطين العربيين المصري والقطري وبحضور ممثلين عن الجانب الإسرائيلي وحركة حماس، وأوضحت الفصائل الفلسطينية المجتمعية أن أساس أي تغيير قادم لا يتم بصورة جدية إلا عبر توحيد الرؤية الفلسطينية وهو هدف مشترك للجميع للحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني ويتم ذلك عبر تشكيل حكومة وفاق فلسطيني واقرار حال المقاومة الشعبية ومرجعيتها القانون الدولي والالتزام بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس مع إلتزام حركة حماس بجميع القرارات الدولية المتعلقة الصراع العربي الإسرائيلي، وتحديد مهام الحكومة القادمة بإعادة الأعمار وتوحيد الوزارات ودمج الموظفين الحكوميين والتهيئة لانتخابات تتعلق بالسلطة التشريعية في الأراضي الفلسطينية ثم تحديد أولويات السلطة التنفيذية ومهامها المستقبلية.
وطُرح في المناقشات إمكانية قيام حكومة تكنوقراط بعد انتهاء الحرب، وتحديد اتفاق يتم فيه انضمام حركة حماس لمنظمة التحرير الفلسطينية مقابل السماح للسلطة الفلسطينية بالعودة لقطاع غزة والإشراف على توزيع المساعدات الإنسانية والإشراف على إعادة الأعمار.
جاء اعلان بكين ليوضح الموقف الذي اتخذته حركة حماس بحضور ممثلها موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي للحركة بضرورة وحدة الفصائل الفلسطينية وانهاء الانقسام والعمل على تشكيل حكومة وفاق وطني لإدارة الضفة الغربية وغزة، وهو الموقف الذي اهتمت به منظمة فتح واشادت به عبر المتحدث الرسمي أسامة القواسي بقوله ( أن حركة حماس نصجت بتفكيرها تجاه الوحدة الفلسطينية).
وجاء تأكيد وزير الخارجية الصيني ( وانغ بي) الذي أشرف على توقيع اتفاقية المصالحة بين جميع الفصائل الفلسطينية باشارته إلى ( حرص الصين على القيام بدور بناء في الحفاظ على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط)، ودعم مقررات الاتفاق السياسي بإقامة الدولة الفلسطينية وحق شعبها وأبنائها في مقاومة الاحتلال وانهائه وفق القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة بحق الشعوب في تقرير مصيرها ودعم تشكيل حكومة وفاق مؤقتة ورفض وافشال أي محاولات لتهجير الفلسطينين من أراضيهم ووقف عملية الاستيطان وبناء المستعمرات وتشديد الأمر لفك الحصار عن غزة وإيصال المساعدات الإنسانية والطبية لأهلها.
جاءت هذه المقررات وبيان الاتفاق أثناء الزيارة التي يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة الأمريكية وألقائه خطاب رسمي أمام أعضاء الكونغرس الأمريكي وسلسلة اللقاءات التي اجراها مع الرئيس جوبايدن والمرشح للرئاسة ترامب، وألقت هذه التطورات في المشهد السياسي الفلسطيني بظلالها على الموقف الإسرائيلي الذي أعلنت حكومته رفضها لجميع بنود الاتفاق بل هاجمت بصراحة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لتوقيع الاتفاق مع حماس واعتبرته خروج عن الاتفاق بينها وبين السلطة ويقوض مساعي وقف إطلاق النار ودعم واضح لقيادة حماس وتأييد لها ولمقاتليها.
وعلى مدى سنوات طويلة عقدت لقاءات عدة بين الفصائل الفلسطينية من أجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، منها اجتماعات الجزائر في تشرين الأول 2022، والاجتماع الذي عقد بمدينة العلمين المصرية في 30 تموز 2023، دون أن تُسفر عن خطوات عملية جادة تحقق هدفه.
ولهذا ينظر إلى (إعلان بكين) على أنه يشكل اتفاق آخر وقد لا يحمل أي تغيير فعلى في الميدان الفلسطيني، وأنه تضمن نفس المبادئ والأسس التي جاءت في البيانات والاتفاقات السابقة والتي لم تسعف عملية تحقيق الاتفاق الفلسطيني المنشود.
ولكن علينا أن نظر إلى ماهية أهداف القيادة الصينية ودورها في جمع الفصائل الفلسطينية وما الذي تريده أو تسعى لتحقيقه؟
والجواب الذي نراه أن المبادرة الصينية تأتي ضمن المشاريع السياسية والأهداف الصينية في معالجة الأزمات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط وما يشهده الصراع العربي الإسرائيلي، بعد نجاحها في تحقيق الاتفاق السعودي الإيراني في آذار 2023، وسعيها لتحقيق مصالحها الاقتصادية وتنفيذ مشاريعها التنموية والوصول إلى استقرار سياسي في المنطقة يضمن لها استمرار تصدير النفط والغاز إليها دون أي مشاكل أو متغيرات ميدانية وصراعات عسكرية توقف الزحف الاقتصادي الصيني، واعطاء دور دولي واقليمي لها باعتبارها دولة كبرى لها وزنها ومكانتها وتأثيرها في الأوساط السياسية وأرائها في النزاعات الدولية واستعراض قوتها الدبلوماسية بين باقي دول العالم، ومواجهة النفوذ الأمريكي في بقعة من الأرض يعتقد أنها لصالحه ولا يجوز للآخرين العمل ضمن نطاقها.
وخلة الدراسات الدولية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة