نشرت مجلة “تايم” مقالا لتريتا باريسي، مدير معهد كوينسي للحكم المسؤول، قال فيه إن إسرائيل تريد جر الولايات المتحدة لحرب مع إيران.
وأشار إلى أن إسرائيل تقف بدون شك وراء اغتيال المسؤول السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران يوم الأربعاء، فمن خلال إحراج إيران بشكل كبير، حيث قتل هنية بعد ساعات من حضوره حفل تنصيب الرئيس الجديد، مسعود بزشكيان، فإن إسرائيل في الوقت نفسه تزيد من مدى الانتقام الإيراني.
وهذا هو على الأقل رأي الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي في إسرائيل، لأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو راغب بإشعال حرب واسعة في المنطقة وجر الولايات المتحدة إليها. ومع أن إسرائيل نفسها ستدفع الثمن الباهظ في ذلك، إلا أن الحرب ستدعم أهداف نتنياهو وبطرق متعددة.
أولا: أنهى مقتل هنية أي منظور لاتفاق وقف إطلاق النار، فقد عارض نتنياهو وبشكل ثابت صفقة تنهي الحرب. وكشفت “هآرتس” الإسرائيلية أن نتنياهو قام قبل جولات المفاوضات بتسريت معلومات حساسة من أجل تخريبها.
وكما تحدث الرئيس بايدن للمجلة عندما سئل عن محاولة نتنياهو إطالة أمد البقاء في الحكم، حيث قال: “هناك كل الأسباب التي تجعلنا نتوصل لتلك النتيجة”. ويعرف نتنياهو أن هذه الصفقة ستؤدي إلى انهيار تحالفه وتنهي حكمه. كما أنها ستسرع من محاكمات الفساد التي يواجهها، وتعني أنه قد يدخل السجن. ولا شيء ينهي المفاوضات فعليا أكثر من قتل المفاوض على الطرف الآخر.
ثانيا: يضع مقتل هنية الرئيسةَ الأمريكية المقبلة كامالا هاريس في الزاوية، ذلك أن إدارة بايدن ظلت تلوم حماس على تعطيل المفاوضات والتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.
وهناك دلائل تظهر أن هاريس قد تتبنى موقفا مختلفا عن ذلك الذي اتخذه بايدن والقائم على الميل الشديد لإسرائيل. و”كما أخبرت رئيس الوزراء الإسرائيلي، فقد حان الوقت للتوصل لصفقة”، وذلك بعد مقابلته الأسبوع الماضي في واشنطن. ووضعت اللوم عليه في عدم حدوث تقدم. وكان من الصعب على نتنياهو تجاهل لغتها الباردة وحركة جسمها وتعاطفها مع الفلسطينيين، واستعدادها للوم إسرائيل على خنق المفاوضات.
ثالثا: قتل هنية يعني قتلَ خط آخر للمفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران. فقد جاء الانتخاب المفاجئ للإصلاحي مسعود بزشكيان واستعداده للنظر في المفاوضات مع الولايات المتحدة بمثابة نافذة صغيرة للدبلوماسية. وهذا صحيح؛ لأن إيران تعتقد أن إسرائيل تحركت بمباركة من إدارة بايدن. وفي رسالة لمجلس الأمن الدولي، كتب ممثل إيران في الأمم المتحدة أن الهجمات “لم تكن لتحدث بدون مصادقة ودعم استخباراتي من الولايات المتحدة”.
وفي ضوء المعارضة الإسرائيلية الطويلة للعلاقات الأمريكية- الإيرانية، فإن قرار اغتيال هنية أثناء مشاركته في حفل تنصيب بزشكيان لم يكن مصادفة على الأرجح.
وقضى نتنياهو العقدين الماضيين وهو يحرض الأمريكيين ضد إيران ويحاول إقناعهم بضربها. وقد تعرض الرؤساء الأمريكيون الأربعة السابقون لضغوط إسرائيلية من أجل مهاجمة إيران. ورغم أن التركيز ظل على المشروع النووي الإيراني، إلا أن الرغبة بالحرب مع طهران تذهب أبعد من مجرد تخصيب اليورانيوم.
وترى إسرائيل في إيران تهديدا للترتيبات الإقليمية، ولقدرتها على التحرك لضرب سوريا ولبنان بحرية بدون خوف من العقاب. ويعتقد الإسرائيليون أن صفقة نووية مع إيران لن تؤدي إلى تغيير ميزان القوة في الشرق الأوسط.
وفي الحقيقة، فتخفيف العقوبات على إيران، كما في معاهدة 2015 التي وقّعتها إدارة أوباما ودول أخرى مع طهران، أصبح لدى الأخيرة التفوق النوعي في ميزان القوة بالمنطقة التي تمتد من الخليج الفارسي إلى إسرائيل. ولا يمكن الحفاظ على التفوق الإسرائيلي من خلال العمل العسكري فقط، بل هو بحاجة إلى عقوبات اقتصادية وتدخل عسكري أمريكي.
ومن هنا ترغب إسرائيل من خلال عملية الاغتيال إلى دفع إيران لكي ترد بطريقة يمكن أن تتسبب بحرب واسعة تجر أمريكا إليها.
ففي نيسان/ أبريل، منعت إدارة بايدن توسع الحرب من خلال المساعدة في ترتيب رد إيراني مضبوط ضد إسرائيل انتقاما لضرب القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان/ أبريل. وتستطيع إدارة بايدن اليوم منع المنطقة من الانزلاق للفوضى، ولكنها لن تنجح بدون وضع خطوط حمر واضحة وعامة لنتنياهو.