لأكثر من أربعة عقود، كان القائد العسكري والإرهابي الراحل فؤاد شكر في طليعة اأنشطة “حزب الله” الأكثر زعزعة للاستقرار في المنطقة، بدءاً من قتل الجنود الأمريكيين والأوروبيين والإسرائيليين إلى شراء أسلحة متطورة من إيران.
رداً على الهجوم الصاروخي لـ “حزب الله” في 27 تموز/يوليو الذي أدى إلى مقتل 12 طفلاً في مجدل شمس، نفذت إسرائيل غارة جوية دقيقة على مبنى سكني في حي “حارة حريك” في بيروت، أحد معاقل الحزب. وكان هدف العملية فؤاد شكر، الذي هو أحد كبار قادة الحزب الذي اتهمه المسؤولون الإسرائيليون بتنفيذ هجوم مجدل شمس ووصفوه بأنه “اليد اليمنى” للأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله. وعلى المدى القريب، سيؤدي مقتله إلى إزاحة إحدى أكثر الشخصيات العسكرية كفاءة في الحزب، والتي كانت تحظى بآذان كل من نصر الله وكبار قادة “فيلق القدس” التابع “للحرس الثوري الإيراني”. كما أنه يبعث برسالة صارخة مفادها: إذا قتل “حزب الله” إسرائيليين، فلن تتردد إسرائيل بعد الآن في تنفيذ عمليات حساسة في عمق لبنان، حتى ضد قادة الحزب في بيروت.
في البداية
ولد فؤاد شكر (المعروف أيضاً باسم الحاج محسن شكر) في عام 1961 أو 1962، وقضى حياته البالغة كلها وهو يرتقي في صفوف “حزب الله” كعنصر إرهابي وجندي وقائد. وكان أحد الأعضاء المؤسسين لـ”منظمة الجهاد الإسلامي”، عنصر العمليات الخارجية للحزب، وانضم إلى أمثال عماد مغنية، ومصطفى بدر الدين، وطلال حمية.
وبهذه الصفة، لعب شكر دوراً مركزياً في الهجمات الإرهابية المبكرة، بما في ذلك ضد الأمريكيين. ففي تشرين الأول/أكتوبر 1983 – قبل عامين من إعلان “حزب الله” رسمياً عن وجوده في “رسالة مفتوحة” تعهد فيها بدعم المرشد الأعلى الإيراني وهدد بالعنف ضد الغرب – ساعد شكر في تخطيط وإطلاق تفجيرات انتحارية بالشاحنات المفخخة استهدفت قوات حفظ السلام الأمريكية والفرنسية والإيطالية، مما أسفر عن مقتل 241 فرداً في ثكنات “مشاة البحرية الأمريكية” في بيروت، إلى جانب 58 فرداً فرنسياً و6 مدنيين (بينما فشل الهجوم على الإيطاليين).
من العمليات الخارجية إلى جنوب لبنان
مع مرور الوقت، انتقل شكر إلى مناصب عسكرية رفيعة المستوى بشكل متزايد، حيث تولى قيادة عمليات “حزب الله” ضد جيش الدفاع الإسرائيلي قبل انسحاب الجيش من جنوب لبنان في عام 2000. ووفقاً لمسؤولين إسرائيليين، شارك شكر في الهجوم عبر الحدود في تشرين الأول/أكتوبر 2000 وقتل ثلاثة جنود من الجيش الإسرائيلي (في عام 2004، أعاد “حزب الله” رفاتهم في إطار عملية تبادل أسرى). وعندما أكمل الجيش الإسرائيلي انسحابه في كانون الأول/ديسمبر من ذلك العام، كان شكر قائداً للقوات البرية لـ “حزب الله” في المنطقة، واعتبرته إسرائيل أحد أخطر العقول المدبرة التكتيكية للحزب.
ويبدو أن شكر استمر في قيادة قوات “حزب الله” في الجنوب لسنوات بعد ذلك، من بينها عندما تم اختطاف جنود من جيش الدفاع الإسرائيلي عبر الحدود في صيف عام 2006، مما أدى إلى اندلاع حرب دمرت أجزاء كبيرة من لبنان. وفي السنوات اللاحقة، نشر “حزب الله” لقطات فيديو تشيد بدور عماد مغنية في عملية الاختطاف، وهو مؤشر واضح على تورط شكر أيضاً نظراً لعلاقة العمل الوثيقة بينهما. وبحلول الوقت الذي تم فيه نشر الفيديو، كان مغنية قد “استشهد” قبل فترة طويلة في انفجار سيارة مفخخة. والآن بعد وفاة شكر، من المرجح أن يصدر “حزب الله” لقطات جديدة تُمجّد إنجازاته العسكرية أيضاً.
الحرب الأهلية السورية
منذ عام 2012، بدأ “حزب الله” بنشر أفضل مقاتليه وكبار قادته لمساعدة إيران وغيرها من وكلاء الميليشيات الشيعية في الدفاع عن نظام الأسد في مواجهة انتفاضة شعبية. وفي عام 2015، صنفت وزارة الخزانة الأمريكية شكر إرهابياً على خلفية دعمه لهذا الانتشار، مشيرةً إلى أنه “لعب دوراً حيوياً في الحملة العسكرية لـ «حزب الله» في سوريا من خلال مساعدة مقاتلي «حزب الله» والقوات الموالية للنظام السوري ضد قوات المعارضة السورية في معارك حاسمة”.
وخلال الحرب، كان شكر يعمل تحت قيادة مصطفى بدر الدين، الذي تم تعيينه رئيساً للعمليات الإرهابية والعسكرية لـ “حزب الله” بعد وفاة مغنية في عام 2008. وفي عام 2016، قُتل بدر الدين أيضاً على يد عناصر إيرانية، وفقاً لبعض التقارير، حيث اعتبرت تلك العناصر أنه لا يمتثل بما يكفي لأوامر “فيلق القدس” التابع “للحرس الثوري الإيراني”. وبعد ذلك، أصبحت العمليات العسكرية لـ “حزب الله” أكثر إذعاناً لطهران، حيث أشرف شكر وغيره من القادة رفيعي المستوى (مثل إبراهيم عقيل وطلال حمية) على سير الأمور من خلال لجنة، ولكن مع بروز شكر كالقائد الأول بين أقرانه. وقد شكلوا معاً حلقة الوصل الأساسية بين القائد السابق لـ”فيلق القدس” التابع “للحرس الثوري الإيراني” قاسم سليماني والجهاز العسكري لـ”حزب الله”. وتم تسليط الضوء على أهمية شكر في التسلسل الهرمي في عام 2017، عندما أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن مكان تواجده.
المسؤول عن الذخائر الموجهة بدقة
مع تقليص “حزب الله” لوجوده في سوريا، تولى شكر مهمته الرئيسية التالية كمسؤول عن جهود “حزب الله” الرامية إلى تجميع ترسانة من الذخائر الموجهة بدقة. فعلى الرغم من أن معظم صواريخ “حزب الله” التي يزيد عددها عن 150,000 صاروخ لم تكن مصممة في الأصل كأسلحة دقيقة، إلا أن إيران تُرسل بشكل مطرد ذخائر ومعدات توجيه أكثر تطوراً تمنح الصواريخ القديمة دقة أكبر بكثير. وعلى عكس النتائج التي تحققها الصواريخ الأبسط في الاستهداف العشوائي، فإن الذخائر الموجهة بدقة هي أسلحة استراتيجية قادرة على ضرب البنية التحتية الحيوية والمنشآت العسكرية والقيادة المدنية وغيرها من الأهداف الرئيسية بدقة.
وفي عام 2019، حددت إسرائيل شكر كقائد “حزب الله” الرئيسي الذي يعمل مع مسؤولي “فيلق القدس” التابع “للحرس الثوري الإيراني” على تسهيل توفير إيران لهذه الأسلحة (للاطلاع على المزيد من المعلومات حول دوره، راجع هذا البند في الخريطة التفاعلية والجدول الزمني لمعهد واشنطن اللذين يغطيان عمليات “حزب الله” في جميع أنحاء العالم). وقبل ذلك بست سنوات، بدأت إيران، وفقاً لبعض التقارير، بنقل ذخائر موجهة بدقة جاهزة للاستخدام إلى لبنان عبر سوريا. وفي عام 2016، تحوّلت إلى نقل مكونات الصواريخ فقط، الأمر الذي مكّن “حزب الله” وجماعات أخرى من تحويل الصواريخ العادية إلى ذخائر موجهة بدقة في سوريا ولبنان.
عندما أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية شكر على قائمة الإرهابيين العالميين المصنفين تصنيفاً خاصاً في عام 2019، أشارت إلى أنه وعقيل كانا عضوين في “مجلس الجهاد” التابع لـ”حزب الله”، وهو أعلى هيئة عسكرية في الحزب. وعند وفاة شكر، كان المسؤولون الإسرائيليون قد حملوه مسؤولية الإشراف على جميع برامج الأسلحة المتطورة لـ”حزب الله” تقريباً، بما في ذلك الصواريخ المضادة للسفن وصواريخ كروز، والصواريخ بعيدة المدى، والطائرات بدون طيار.
التداعيات العملياتية
ليست هناك نقطة فشل واحدة داخل “حزب الله”. فعلى الرغم من وفاة شكر، لا يزال الحزب تنظيماً إرهابياً وعسكرياً يتمتع بقدرات عالية وخطيرة للغاية. ومع ذلك، من المرجح أن تؤدي خسارة شكر إلى إضعاف الحزب من الناحية العملياتية إلى حد ما، خاصةً بالنظر إلى أن حوالي 400 من عناصر “حزب الله” قد قتلوا في الضربات الإسرائيلية خلال الأشهر التسعة الماضية، بما في ذلك كبار القادة الإقليميين. ويُحدث هذا الكم من الثقوب الصغيرة فجوة كبيرة نوعاً ما، وسيؤدي مقتل شكر إلى اتساع الشرخ من رأس الهرم إلى أسفله.