الباحثة شذى خليل*
شهد النصف الأول من عام 2024 نشاطًا ملحوظًا في علاقات العراق التجارية مع مجموعة مختارة من 11 اقتصادًا متقدمًا وناشئًا، بما في ذلك الصين، الهند، تركيا، كوريا الجنوبية، الولايات المتحدة، ألمانيا، الأردن، البرازيل، اليابان، السعودية، وأستراليا. بلغ حجم التبادل التجاري بين العراق وهذه الدول 65 مليار دولار أمريكي، بزيادة قدرها 10٪ مقارنة بنفس الفترة من عام 2023. يسلط هذا الارتفاع الضوء على الأهمية المتزايدة للتجارة الدولية في المشهد الاقتصادي للعراق، خاصة في تعاملاته مع هذه الدول الرئيسية.
تاريخيًا، تأثرت الأنشطة التجارية للعراق بشكل كبير بصادراته من النفط، والتي لا تزال المحرك الرئيسي لاقتصاده. في النصف الأول من عام 2024، صدّر العراق بضائع بقيمة 45 مليار دولار إلى الدول المذكورة، حيث شكل النفط الخام غالبية هذه الصادرات. يمثل هذا زيادة بنسبة 11.6٪ في الصادرات مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. على جانب الاستيراد، استورد العراق بضائع بقيمة 19.6 مليار دولار، بزيادة قدرها 8.1٪ عن عام 2023. وبلغ الميزان التجاري لصالح العراق 26 مليار دولار، مما يعكس تحسنًا بنسبة 14.4٪ مقارنة بالعام السابق.
تحليل الشركاء التجاريين
من بين شركاء العراق التجاريين، برزت الصين كأهمهم، سواء من حيث الواردات أو الصادرات. تعد الصين أكبر مستورد للسلع العراقية، وخاصة النفط الخام، كما أنها أكبر مصدر للعراق. تلي الصين في الأهمية كل من الهند، كوريا الجنوبية، والولايات المتحدة كمستوردين رئيسيين للسلع العراقية، حيث يعتمدون بشكل كبير على صادرات العراق من النفط الخام.
على جانب الاستيراد، تبرز تركيا كثاني أكبر مورد للسلع للعراق بعد الصين، وهي أيضًا الدولة التي يمتلك معها العراق أكبر عجز تجاري، والذي يبلغ 5.2 مليار دولار لصالح تركيا. يعزى هذا العجز إلى الحجم الكبير للسلع التركية التي تدخل السوق العراقية، والتي تتراوح من المنتجات الاستهلاكية إلى الآلات الصناعية.
الآثار الاقتصادية على العراق
تكشف البيانات عن فائض تجاري قوي لصالح العراق، يعود بشكل رئيسي إلى صادراته الكبيرة من النفط. يعتبر هذا الفائض حيويًا لاقتصاد العراق، حيث يوفر احتياطيات نقد أجنبي ضرورية ويدعم الاستقرار المالي للبلاد. ومع ذلك، فإن الاعتماد على عدد قليل من الشركاء الرئيسيين وهيمنة النفط في التجارة يمكن أن يعرض العراق لمخاطر اقتصادية. قد تؤثر تقلبات أسعار النفط العالمية أو التغيرات في الطلب من المستوردين الرئيسيين مثل الصين والهند بشكل كبير على صحة الاقتصاد العراقي.
يسلط العجز التجاري الكبير مع تركيا الضوء على التحديات التي يواجهها العراق في تنويع اقتصاده. بينما تجلب صادرات النفط إيرادات كبيرة، فإن اعتماد العراق على السلع المستوردة للاستهلاك المحلي وتطوير البنية التحتية يخلق اختلالات. يؤكد هذا على الحاجة إلى أن يطور العراق قطاعاته غير النفطية مثل الزراعة، والصناعة، والتكنولوجيا، لتقليل الاعتماد على الواردات وخلق هيكل تجاري أكثر توازنًا.
التوقعات المستقبلية والاعتبارات الاستراتيجية
بالنظر إلى المستقبل، من المتوقع أن يصل حجم التبادل التجاري بين العراق وهذه الدول إلى 130 مليار دولار بحلول نهاية عام 2024. وعند إضافة التجارة مع الإمارات العربية المتحدة وإيران، وكلاهما مهم ولكنهما غير محسوبين بالكامل في النصف الأول من العام، يمكن أن يرتفع حجم التجارة بين العراق وجميع هذه الدول إلى 160 مليار دولار. يقدم هذا النمو المستمر فرصًا وتحديات للعراق.
يؤكد الارتفاع المتوقع في التجارة على أهمية التخطيط الاقتصادي الاستراتيجي للعراق. للحفاظ على فائضه التجاري وتخفيف المخاطر المرتبطة بتقلبات السوق العالمية، يجب على العراق التركيز على تنويع اقتصاده. يمكن أن يساعد تعزيز الإنتاج الصناعي، وتحسين الإنتاجية الزراعية، والاستثمار في الطاقة المتجددة العراق في تقليل اعتماده على صادرات النفط وخلق اقتصاد أكثر مرونة.
في الختام، بينما توفر العلاقات التجارية للعراق مع الاقتصادات المتقدمة والناشئة فوائد اقتصادية كبيرة، فإنها تسلط الضوء أيضًا على الحاجة إلى التنويع الاستراتيجي. من خلال استغلال الفائض التجاري للاستثمار في القطاعات غير النفطية، يمكن للعراق بناء اقتصاد أكثر توازنًا واستدامة، يكون أفضل تجهيزًا لمواجهة التحديات المستقبلية في السوق العالمية.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية