قرار الحرب في الشرق الأوسط .. ليس إيرانيًا

قرار الحرب في الشرق الأوسط .. ليس إيرانيًا

في 14 نيسان/أبريل، شنّت إيران هجومًا على إسرائيل ردًّا على قصف قنصليتها في دمشق، إلا أنه كان دراميًا ودون التوقعات. أما الحملة الترويجية للردّ الإيراني فكانت جديرةً بجائزة أوسكار، ولا سيما صور إطلاق الطائرات المسيّرة ثم الصواريخ من إيران باتّجاه إسرائيل. شكّلت هذه العملية إذًا خروجًا من حرب الظل الدائرة بين الجانبَين منذ عقود، نحو المواجهة العلنية والمباشرة.

يبدو أيضًا أن الهجوم فرض قواعد اشتباكٍ جديدة. فقد صرّح القائد العام للحرس الثوري، حسين سلامي، للتلفزيون الإيراني أن طهران كرّست “معادلة جديدة [مع إسرائيل]. من الآن فصاعدًا، إذا هاجم النظام الصهيوني مصالحنا أو أصولنا أو شخصياتنا أو مواطنينا في أي وقت، فسوف يُقابَل بهجوم مضادّ من الجمهورية الإسلامية الإيرانية”. في الواقع، دفعت التوترات بين إيران وإسرائيل منطقة الشرق الأوسط إلى شفير الهاوية، وأصبح خطر اندلاع حرب إقليمية أكبر من أي وقتٍ مضى.

خلال السنوات الماضية، بقي ردّ إيران على قصف إسرائيل مواقع تابعة لها في سورية محدودًا، بينما سعت إلى تعزيز شراكاتها الاستراتيجية في مختلف أنحاء المنطقة، بالتزامن مع حرصها على تفادي نزاعٍ إقليمي أوسع يستوجب تدخّل الولايات المتحدة ودول أخرى. لكن قصف القنصلية شكّل اعتداءً على أرضٍ إيرانية ذات سيادة، ما قد يشجّع إسرائيل على شنّ هجمات مباشرة على الداخل الإيراني إن لم يُقابَل بردّ.

أظهرت الديناميكيات المختلفة التي ارتبطت بتغيير قواعد الاشتباك بين إيران وإسرائيل عددًا من القواعد التي ستحكم الشرق الأوسط في قابل الأيام، وهي تضاف إلى توجهات أخرى أبرزتها عملية “طوفان الأقصى”.

حاليُا،تعيش إسرائيل وإيران ومعهما نحو 40 ألف جندي أمريكي في منطقة الشرق الأوسط، حالة من الترقب والقلق انتظاراً لرد طهران وحلفائها على اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، بالعاصمة طهران، في 31 يوليو الماضي، وقبلها بيوم واحد اغتيال القائد الميداني في حزب الله اللبناني، فؤاد شكر.

ولُوحظ تبرير إيران ووكلائها تأخر ردهم على إسرائيل بالتأكيد أن ذلك يأتي في إطار “الحرب النفسية”، مع الحرص على الترويج لهذه السردية بشكل مكثف؛ إذ طغى الحديث عن “الحرب النفسية” على خُطب الجمعة في مدن إيرانية مختلفة، وبما يعكس مواقف المرشد علي خامنئي. كما ذكرت صحيفة “كيهان”، المُقربة من خامنئي، أن “إيران تدير حرباً نفسية موازية لحرب قاسية بهدف تغيير حسابات الخصم، وإحداث فجوة في الرأي العام وجعله غير مستقر”.

تنتشر داخل إيران وبين حلفائها مقولة إن “الإيرانيين يذبحون بالقطنة”؛ وهو تعبير عن قدرة الإيرانيين على ممارسة “الحرب النفسية” ضد الآخرين، وتأكيد استراتيجية طهران القائمة على طول الانتظار والصبر حتى تحقيق الهدف. فبعد مرور ما يزيد على ثلاثة أسابيع على اغتيال كل من هنية في طهران، وفؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، لم ترد إيران أو حزب الله أو الحوثيين على إسرائيل؛ وهو ما تعتبره إيران وحلفاؤها في المنطقة “عذاباً نفسياً” و”ذبحاً بالقطنة” لإسرائيل. ويمكن قراءة ملامح وحسابات “الحرب النفسية” في المنطقة

 وتأسيسًا على كل ما تقدم ، أقول  إذا كان هناك من لا يزال يتصور ان صانع القرار السياسي في إيران سوف يدخل في حرب ضد الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ردا منه على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في اراضيه، فهو مخطئ في تصوره.. فدخوله في مثل هذه الحرب الكبيرة سوف ينطوي بالنسبة له علي عواقب وخيمة وتداعيات كارثية بلا حدود.

فصانع القرار يعي ذلك ويعرفه تماما ولهذا يتوخى اقصي درجات الحذر وضبط النفس في رده على ما تتعرض له من تحرش واستفزاز. وما صدر عنه من تصريحات نارية عندما حدثت واقعة الاغتيال كان لانقاذ ماء الوجه في مواجهة الضجة الاعلامية الدولية الهائلة التي رافقتها وكانت اسرائيل وراءها.

فصانع القرار السياسي في إيران لن يذهب إلى الحرب، لا الآن ولا في أي وقت،إلا إذا هوجم مباشرة في اراضيه من قبل الاسرائيليين والامريكيين. أما لغير ذلك من الاسباب، فأنه لن يحارب ولن يغير عقيدته الدفاعية التي تشكلت وتجذرت بفعل الدمار الهائل الذي احدثته حرب ثمان سنوات مع العراق عليه والتي احرقت له الاخضر واليابس وانتهت بهزيمته فيها.

وبتأثير تلك الهزيمة، جاء تحوله من نظرية الحرب المباشرة التي يخوضها بنفسه، إلى نظرية الحرب بالوكالة التي يخوضها من بعيد من خلال اذرعه وقواعده التي تعمل لحسابه في دول المشرق العربي ” لبنان والعراق وسوريا واليمن” الذي استطاع صانع القرار السياسي في إيران من الهيمنة عليها، وهو ما نقل الحروب التي كان يمكن ان يكون طرفا مباشرا فيها إلى أراضي تلك الدول العربية لتتحمل وحدها مخاطرها وتكاليفها ونتائجها، وليس ذلك صانع القرار في طهران.

لعل المبالغة في توقعات الرد الإيراني على إسرائيل كان سببها المرشد الاعلي علي خامئني الذي رفع سقف التوقعات الدولية حول طبيعة الرد الانتقامي الايراني من اسرائيل عندما طلب من كبار معاونيه ان يكون الرد علي اسرائيل مباشرا، أي بضربها في عمق اراضيها، وهو من لا يخفي عليه وهو يعطي لمعاونيه هذا الأمر أو التكليف بالرد، أن رد الاسرائيليين وحلفائهم الامريكيين عليه سوف يكون مدمرًا وأن الرد قد يتسع ليشمل ضرب المفاعلات النووية الايرانية وربما يضع مصير نظامه السياسي على المحك. وهو يرى ما فعلوه في غزة طيلة الأشهر السابقة بمساعدة حليفهم الامريكي الكبير، كل هذا لم يكن سرا خافيا على مرشد الثورة الإيراني. لكنه أراد ان يقطع الطريق عليهم بتراجعه الذي وصفه بالتراجع التكتيكي. هذه كلها حيل دبلوماسية لتبرير التراجع وليبدو دائما في نظر الايرانيين وأصدقائهم وكأنه هو وحده صاحب القرار، وهو كذلك بالفعل.

أقول وعن اقتناع تام، بانه مهما بلغت قوة الاستفزازات الامريكية والاسرائيلية لايران، فانها لن تذهب من نفسها الي حرب مباشرة معهم لتجنب نفسها دمارا شنيعا لن تقدر علي تحمل تبعاته وتداعياته عليها… واريد ان اقول ان اسماعيل هنية او غيره من قادة الفصائل الفلسطينية المسلحة الموالية لها، ليسو اغلى علي ايران من قاسم سليماني ولا من قنصليتها في دمشق التي دمرتها اسرائيل بكل من كانوا موجودين فيها من قادة حرسها الثوري الكبار، ولا من عالمها النووي الفذ محسن فخري زاده، ولا من قواعدها وقادة حرسها الثوري في سوريا ممن دابت اسرائيل علي مهاجمتهم بغاراتها المستمرة عليهم، ولا من ارشيفها النووي الذي سرقه الموساد الاسرائيلي منها.

ختاماً، وبعد ما يزيد على ثلاثة أسابيع من اغتيال كل من هنية وشكر، تدّعي كل من إسرائيل وإيران أنهما حققتا نصراً دون حرب من خلال شن “حرب نفسية” على الطرف الآخر. فإسرائيل تعتقد أن تهديداتها ورسائلها هي التي تجعل طهران وحلفاءها يترددون ويتخوفون حتى اليوم من الرد. وفي نفس الوقت، ترى إيران أنها انتصرت في “المرحلة الأولى” من الرد عبر “الحرب النفسية” التي أدارتها ضد إسرائيل منذ أواخر يوليو الماضي. كما يروج مسؤولوها في الأيام الماضية إلى سردية مفادها أن إرجاء الرد على تل أبيب سببه إعطاء الفرصة للمفاوضات الجارية من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. أن قرار الحرب في الشرق الاوسط يبقي كله بيد الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل، وليس بيد ايران وحزب الله، خلافا لما يحاولون ايهام العالم به للخداع والتمويه.

 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية