ألقى الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله مساء يوم الخامس والعشرين من آب 2024، خطابًا متلفزًا وعبر جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموع، تحدث فيه عن التطورات الميدانية والمستجدات العسكرية والأمنية التي تمخضت عنها الهجمات التي قامت بها كتائب الحزب باستهدف العمق الإسرائيلي في عدد من المواقع والاماكن الاستخبارية في منطقتي الجولان والجبيل والتي كان من أهمها ( قاعدة غليلوت) التابعة لجهاز الموساد الإسرائيلي والتي تضم الوحدة (8200) ردًا على عملية الاغتيال التي نفذت في 30 تموز 2024 على القائد العسكري للحزب فؤاد شكر.
وأوضح حسن نصرالله أنه تم إطلاق ( 340) صاروخ كاتيوشا وبمساندة عدد من الطائرات المسيرة والتي مثلت المسار الأول في عملية الرد المقابل لحزب الله اللبناني.
إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار النقاط الرئيسية التي أكد عليها أمين عام حزب الله في رؤيته للأحداث وطبيعة ومستلزمات الرد العسكري لأتضح لدينا أن هناك العديد من النقاط المهمة التي يمكن ملاحظتها وجاءت في سياق الخطاب الرسمي، ومنها أن الرد كان محددًا بأهداف معينة ولم تكن ضمن الرؤية السياسية التي سبق وأن تحدث بها قادة الحزب باستهداف العمق الإسرائيلي في تل أبيب والاماكن الاستراتيجية التي تتعلق بالاقتصاد والمال الإسرائيلي، وإنما كانت صواريخ نوع كاتيوشا تصيب أهداف قريبة ونوعية خاصة دون الحاق خسائر كبيرة واستبعدت العملية اطلاق الصواريخ الباليستية، وهذا هدف تكتيكي ومرحلي سعى إليه حزب الله في الحفاظ على إمكانياته وقدرته القتالية واستبعاد الرد المقابل من قبل إسرائيل والذي من الممكن أن يصيب البنى التحتية الأمنية والاستخبارية والعسكرية لكتائب ومقاتلي حزب الله، وهذا ما أشار إليه حسن نصرالله بأنه ( راضٍ عن نتائج الرد على إسرائيل والذي أدى إلى مقتل جندي واحد).
هذه هي استراتيجية حزب الله بأن يحافظ على قواعد الاشتباك وعدم التقدم باتجاه عبور الخطوط الحمراء في أي مواجهة حقيقة مع القوات الإسرائيلية والتمسك بضوابط الرد بمنع توسع المواجهة واحتمالية وصولها إلى حرب شاملة .
ورغم جميع التصريحات واللقاءات السابقة للقيادات السياسية والعسكرية لحزب الله حول تدمير الآلية العسكرية وتحطيم الغطرسة الإسرائيلية و توسيع دائرة الرد، إلا أن الخطاب جاء بمفاهيم سياسية ميدانية ابتعدت كثيراً عن الخطاب الشعبوي الذي يثير عواطف المواطنين عندما كان الحديث عن شهداء غزة والأراضي الفلسطينية والتي وصلت تضحياتها إلى (40،405) شهيد و(93،468) جريح، وفي يوم الردالمقابل لحزب الله كان عدد الاصابات في غزة (71) شهيد و(112) جريح، بأن حزب الله حرص على عدم إصابة المدنيين والبنى التحتية في العمق الإسرائيلي.
وضمن المفهوم الأمني والتنسيق العسكري فإن خطاب الأمين العام لحزب الله قد اخرج إيران من معادلة الردع المقابل بل منحها حق عدم الرد لأنها لديها مصالحها وأهدافها في الحفاظ على نظامها وتمتين جبهتها الداخلية ومنها حق انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات المتعلقة بوقف القتال في قطاع غزة والبدأ بعملية تبادل الأسرى وتحديد أولويات تتعلق بعمليات الاعمار والبناء وإعادة الاهالي إلى مناطقهم، وهذه هي احدى المنافع والمكاسب الإيرانية التي يعمل عليها النظام في طهران لاستغلال الفرص السياسية لتحقيق التوازن الأمني والعسكري في منطقة الشرق الأوسط عبر حواراته مع ممثلي الإدارة الأمريكية وبصورة غير مباشرة وتحقيق غاياته في إيصال رسائل مهمة لإدارة الرئيس بايدن بأنه مع عدم توسيع دائرة الحرب وانتشارها وأن إيران مستعدة للحوار في جميع الأمور التي تهم الأطراف الدولية والإقليمية عبر حكومة الرئيس مسعود بزشيكان والتعامل في إطار سياسة الانفتاح وإعادة العلاقات مع واشنطن والغرب.
أشار أمين عام حزب الله إلى تأخير الرد الهجومي بسبب الاستنفار الأمريكي الإسرائيلي ولعطاء فرصة للمفاوضات الجارية حول وقف إطلاق النار في غزة، وهذا ما يتوافق والأهداف الإيرانية التي تمثلها قيادة حزب الله اللبناني، فالرؤية السياسية الإيرانية نراها تذهب إلى دعم مبادرة الرئيس بايدن وتعتبر العرض السياسي الذي قدمته المبادرة كفيل بالوصول إلى حالة السلام التي تدعمها لكي تساهم في إنجاح خطوات الحزب الديمقراطي الأمريكي في الفوز بالانتخابات القادمة واستخدام عملية إيقاف العمليات العسكرية في الأراضي الفلسطينية ورقة انتخابية رابحة وابعاد احتمالية فوز مرشح الحزب الجمهوري الرئيس السابق رونالد ترامب، وهو الذي يخدم أهداف وطموحات إيران في التعامل مع الإدارة الأمريكية التي يمثلها أعضاء الحزب الديمقراطي.
تبقى المصالح والغايات الميدانية والطموحات السياسية في صراعات حزبية وحروب عسكرية ومواجهات استخبارية أهم من أي تضحيات تقدمها شعوب العالم، وهذا ما نراه ونلمسه في هذه الأيام.
وحدة الدراسات الاقليمية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية