صفقة الصواريخ الإيرانية لروسيا… الأهداف والنتائج

صفقة الصواريخ الإيرانية لروسيا… الأهداف والنتائج


إتسمت العلاقات الروسية الإيرانية منذ عقد من الزمن بتوافق واضح في المصالح والأهداف في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وتحديدًا في الميدان السوري بعد وصول القوات الروسية الى المدن السورية ومشاركتها في القتال حماية للنظام السوري من قوى المعارضة السورية.

وأصبحت العلاقة بين موسكو وطهران أكثر عمقًا وتماسكًا خلال العامين الماضيين، بعد قيام إيران بتزويد روسيا بالطائرات المسيرة والصواريخ والتي استخدمتها الأخيرة في حرب أوكرانيا، والتعاون في مجال الالتفاف على العقوبات المفروضة على البلدين من قبل العواصم الغربية.

ومع تقدم القوات الأوكرانية في 6 آب 2024 الي منطقة كورسك واجتياحها التحصينات الدفاعية الميدانية لحرس الحدود ووحدات المشاة الروسية بهدف نقل الحرب إلى داخل الأراضي الروسية وإجبارها للانسحاب من الأراضي الأوكرانية، فقد فرضت الظروف الميدانية حالة من المواجهة الصعبة التي استخدمت فيها جميع الأسلحة والمعدات والطائرات المسيرة المقاتلة الروسية لاخراج للأوكرانيين من كورسك، وهذا ما أعاد للاذهان الدور الإيراني في دعم القوات الروسية قبل سنوات عندما ساهمت بتزويدها بالطائرات المسيرة التي حدثت تغييرًا واضحًا في طبيعة العمليات العسكرية لصالح الجيش الروسي، وهو ما آثارحفيظة الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي، وسارعت إلى تفعيل العقوبات الاقتصادية وزيادة زخم فعاليتها وايقاف جلسات الحوار حول البرنامج النووي الإيراني.

وتسعى القيادة الروسية لتوقيع اتفاقية شاملة مع إيران في الأشهر القادمة، وتعزيز علاقتها مع الصين وكوريا الشمالية، وهي السياسة التي اتبعها الرئيس فلاديمير بوتين بعقد التحالفات الاستراتيجية مع القوى المناهضة للولايات المتحدة والمزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، وعلى مر السنين، وابتدات روسيا بدعم الحليف الأول لإيران (حزب الله اللبناني) حيث يتواجد مقاتلي في الساحة السورية ويشارك المليشيات الإيرانية والقوات الروسية في حماية النظام السوري، وتعززت علاقته مع جماعة الحوثيين عبر تزويدها بصواريخ متطورة مضادة للسفن مما شكل تصعيداً اقليميًا وتوترًا في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن.

تحاول موسكو تمتين علاقتها مع حزب الله والحوثيين كونهما إحدى الأوراق المهمة الرئيسية في مواجهة المصالح الأمريكية في المنطقة عبر استخدام مبدأ القتال بالوكالة ويبعدها عن التكلفة السياسية والمادية.
وأمام هذه التطورات الميدانية تتناقل الاخبار عن قيام إيران بتسليم صواريخ باليستية قصيرة المدى إلى روسيا تشمل عدة مئات من الصواريخ يصل مداها إلى حوالي 500 ميل، رغم التحذيرات الأمريكية الأوربية بإيقاف التعاون العسكري الإيراني والذي من شأنه أن يدعم الجهد العسكري الروسي في أوكرانيا.

يرى مركز الروابط في هذه الصفقة العسكرية عدد من الاهداف الرئيسية، منها رغبة إيران في الحصول على طائرات مقاتلة نوع ( سوخوي 35) طائرات مروحية طراز ( أم أس 28 أتش) و(ياك – 130) لتحسين قواتها الجوية واستعدادها لأي مواجهات قادمة في منطقة الشرق الأوسط، كما وأن وصول شحنة الصواريخ سيتؤثر على طبيعة البرنامج السياسي لحكومة الرئيس مسعود بزشكيان في فتح صفحة جديدة مع واشنطن وتهدئة الأوضاع مع الدول الأوربية الغرب، وايقاف الخطوات الساعية إلى تحسين الاقتصاد الإيراني عبر تخفيف العقوبات الدولية المفروضة على إيران والبدأ بحوار جديد حول البرنامج النووي الإيراني، وأن روسيا باتفاقها مع إيران حول الصواريخ البالستية ستوقف أي جهود سياسية إيرانية لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وهذا هدف استراتيجي تسعى إليه.

ان السياسة التي تتبعها إيران في علاقتها مع روسيا ستجعلها تحترق بنيران المواجهة مع القيادة السياسية والعسكرية الأوكرانية إيران، عبر قيام القوات الخاصة التابعة للجيش الأوكراني بتقديم الدعم والاسناد لقوى المعارضة السورية وتنشيط فعاليتها القتالية ضد المواقع والاماكن العسكرية والأمنية التابعة لللأذرع الإيرانية من المليشيات والفصائل المسلحة المتواجدة على الأرض السورية، ونرى أن أهم المناطق التي يمكن استهدافها من قبل الأوكرانيين هي منطقة دير الزور التي تحوي أكبر تشكيل عسكري مرتبط مع إيران من حيث عدد المواقع والمقاتلين، وتمثل جهتها الشرقية نقطة حساسة لتأمين الطريق الاستراتيجي الذي اختارته طهران للوصول إلى الجنوب اللبناني لدعم تواجد حزب الله وتحقيق أهداف إقتصادية في سواحل البحر الأبيض المتوسط.

ومن أشهر الفصائل الموالية لإيران (الفاطميون) وتتمركز مقاتلي ها في مركز مدينة دير الزور، بينما تتحصن مجموعة (زينبيون) في المطار العسكري ومحيطه، كما ينتشر (حزب الله اللبناني) في مواقع عديدة داخل المدينة، مع مجاميع أخرى لمليشيات (أبو فضل العباس، والحسين) وقواعد عسكرية ومقرات للطائرات المسيرة، السلاح الأبرز الذي يعتمد عليه الحرس الثوري الإيراني في سوريا.

وهناك التحرك الروسي المتقدم الذي بدأ بالموضع خلف المليشيات الإيرانية بمنطقة القنيطرة وبالقرب من هضبة الجولان لمنع وصد أي تحرك أو مواجهة للقوات الإسرائيلية ضد المواقع والأهداف الإيرانية، وهذا ما سيؤدي إلى إيجاد نوع من التعاون الأمني الاستراتيجي بين إسرائيل واوكرانيا يتبادل المعلومات الميدانية وتنسيق العمل بتنفيذ العمليات الخاصة ضد المصالح الإيراني في سوريا ردًا على قيام إيران بالتعاون العسكري مع روسيا واخرها صفقة الصواريخ الموجهة، والتي قال عنها المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض شون سافيت بأننا (حذرنا من تعميق الشراكة الأمنية بين روسيا وإيران منذ بداية الغزو الروسي الكامل لأوكرانيا ونحن منزعجون من هذه الأنباء).

احتمالية التعاون الإسرائيلي —الأوكراني قائمة بسبب الأهداف المشتركة ضد إيران، وهذا ما يمكن أن يثير الروس الذي يسعون لضبط التصعيد وايقاف أي رد إيراني ضد إسرائيل في محاولة لهندسة الأوضاع في الميدان وتأكيدها على عدم اتساع رقعة المواجهة لأنها ترغب في الحفاظ على مصالحها وخشيتها من تعرض قاعدتها العسكرية الجوية في حميميم والقاعدة البحرية في طرطوس من أي اعتداء في أي مواجهة قادمة.
ان روسيا تعلم أن حرب قادمة بين إيران وإسرائيل ستهدد حالة التوازن العسكري بالمنطقة وتخرج إيران من الميدان وهذا يعني خسارة روسيا لحليف استراتيجي لها وايقاف امدادها بالطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة لصد القوات الأوكرانية وهو يدفعها لتزويد إيران منظومات الدفاع الجوي ( أس 400) وطائرات سوخوي 35.

أن سياسة ( التوازن الحذر) الذي التزمت به إسرائيل في القتال القائم بين روسيا واوكرانيا سيكون خارج نطاق الفعل الميداني بعد صفقة الصواريخ الإيرانية وسيشكل دعم إسرائيلي لأوكرانيا وهذا ما كانت تخشاه روسيا.

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية