روسيا وإيران… مخاض في الميدان السوري

روسيا وإيران… مخاض في الميدان السوري

ألقت الأحداث الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي بظلالها على العلاقات الإقليمية بين إيران وسوريا التي تتميز بأبعاد ومديات استراتيجية كبيرة، بعد الدور الكبير الذي قامت به إيران في دعم وإسناد النظام السوري في مواجهته للعمليات العسكرية والمواجهات الميدانية مع فصائل المعارضة السورية المسلحة التي ابتدأت منذ الخامس عشر من آذار 2011، وبعد اشتداد المعارك وسيطرة فصائل الجيش الحر السوري وبقية الفصائل على العديد من المدن والقصبات السورية، تدخلت القوات الروسية في أيلول 2015 لحماية النظام السوري وتحقيق التوافق الاستراتيجي في العلاقة العسكرية والأمنية مع إيران في الميدان السوري الذي كانت تحيط به قوات تركية في الشمال والشمال الشرقي وتواجد أمريكي بعديد من القوات تبلغ 900 جندي في شرق الفرات.
تطور الأوضاع السياسية واختلاف المصالح الدولية والإقليمية أدت إلى تمكن الروس بمساعدة الفصائل المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني من استعادة المدن السورية الكبرى من المعارضة السورية رافقتها انفتاح عربي خليجي بعودة العلاقات مع النظام السوري وحضور الرئيس بشار الأسد لاجتماعات القمة العربية في الرياض وتفعيل الاستثمارات المالية الخليجية في إعادة الاعمار في سوريا.
كانت إيران تنظر لهذا التحول الميداني وتعمل على تعزيز دورها وتأثيرها وابقاء وجودها على الأراضي السورية، خاصة بعد الحرب الروسيه الأوكرانية والتي أدت إلى سحب بعض القوات الروسية من بعض أطراف المدن السورية في حلب واللاذقية ودرعا وحماة، وتم سيطرة الفصائل المسلحة الإيرانية على القواعد والمواقع العسكرية التي كانت تتموضع فيها القوات الروسية.
حرصت إيران على وصف علاقتها مع الروس بالعلاقة الاستراتيجية إلا أن واقع الحال لم يكن قائمًا ولم توقع أي معاهدة لاتفاق سياسي وعسكري،وبدأت المخاوف الروسية تتضح من تغيير السياسة الخارجية الإيرانية وطلبت تفسيرًا واضحًا من دعوة الرئيس مسعود بزشكيان لإعادة العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب.
أحست القيادة الروسية ان لإيران أهداف توسعية شاملة لإضعاف الدور الروسي في سوريا مستغلة انشغالها في حربها مع أوكرانيا بتمددها وانتشارها، وهذا ما آثار حفيظة القيادات الروسية والتي رأت من مصلحتها إعادة التوازن السياسي في الميدان السوري عبر عودة العلاقات التركية السورية، وتدخل الرئيس بوتين في الاتصال بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحكم العلاقات الوثيقة بين الطرفين وطرح عليه بدأ المباحات مع سوريا والتي لاقت أيصًا قبولًا من القيادة السورية، وبدأت عدة لقاءات على المستوى الأمني والعسكري بين أنقرة َدمشق وتناقلت الأوساط السياسية تصريحات الرئيسين التركي والسوري الإيجابية حول إيجاد مرتكزات عملية لعودة العلاقات بين البلدين.
طلبت موسكو من المسؤولين السوريين عدم التدخل والمشاركة أو حتى اصدار أي بيانات تأييد بخصوص الأحداث التي جرت في السابع من تشرين الأول 2023 داخل الأراضي الفلسطينية وما تلاها من مواجهات في الجنوب اللبناني، وهي السياسة التي أتبعتها موسكو في تحقيق التوازن الحذر مع الأحداث التي جرت في المنطقة، واقنعت القيادة السورية أن موقفها سيؤدي إلى تحسين علاقتها مع الدولية والإقليمية والعربية، وهذا ما رأيناه من عدم تداول أي أراء تتعلق بما يجري في المنطقة من قبل السوريين وآخرها عدم إذاعة خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الاخير كما كان يحدث في سابق الأيام.
يسعى الروس إلى إعادة التوازن السياسي بتحديد التأثير الإيراني ودعم التعاون التركي السوري بعودة العلاقات وأحداث حالة من التسوية السياسية التي يمكن لموسكو أن تحافظ على مكانتها ومصالحها في سوريا واطلالتها على البحر الأبيض المتوسط عبر قواعدها العسكرية والبحرية في مدينة طرطوس الساحلية، ولهذا فهي تعمل على أبعاد دمشق عن المحور الإيراني بالقدر الذي يحافظ على وجودها ويساهم في تعزيز العلاقات السورية العربية بدعم خليجي ومصري.
تمر العلاقات الروسية الإيرانية بمخاص عسير بعد دعم الرئيس الروسي بوتين لإقامة (ممر زنغزور) الممتد بين جمهورية أذربيجان ونخجوان وتركيا، وهو ما يعتبر حرمان لإيران من طريق حيوي إلى أوروبا عبر جمهورية أرمينيا، واعتبرته طهران طعنة روسية في خاصرتها الشمالية لانه يأتي في مرحلة مهمة تعتبرها طهران انتقال لتوقيع اتفاق شامل ثنائي بين البلدين، أعلنت إيران انها سوف لا تتساهل في أي محاولة لتغيير الخرائط الجيوسياسية في منطقة القوقاز الجنوبي وهي الممرات التي تربط أرمينيا بأوروبا،والمحافظة على ممر (لاتشين) الذي استحدثته إيران داخل أراضيها للربط بين باكو ونخجوان.
شعرت إيران أن الجانب الروسي يحاول استغلالها في منطقة أوراسيا والقوقاز الجنوبي وأخذ جانب مهم من حصتها باستعادة علاقته مع أذربيجان على حساب العلاقة بين أرمينيا وإيران، وهو ما يحقق الأهداف السياسية التركية التي تتمتع بعلاقات استراتيجية مع أذربيجان ، وانعكس على الموافقة التركية للمبادرة الروسية في بدأ إعادة العلاقة بين سوريا وتركيا.
وبدأ الروس أولى محاولات تحجيم الدور الإيراني بإيقاف تسليم دفعة طائرات سو 35 والاكتفاء بإرسال رادارات ( أس 400) دون الصواريخ مما يجعلها دون فائدة، بعد أن استشعر الروس حقيقة التوجه الإيراني نحو الولايات المتحدة الأمريكية، وأعطوا انطباع سياسي واضح لإيران بأنه كلما حصل تقارب بين واشنطن وطهران سيقابله تقارب روسي مع أذربيجان على حساب المصالح الإيرانية مع أرمينيا، ودعم التوافق السوري التركي لإعادة توزيع الأدوار على الساحة السورية وتقويض الدور الإيراني فيها.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية