دأبت السياسية الإيرانية على أن تكون خطواتها وتوجهاتها ضمن المسار الفكري والسياسي للمشروع الإيراني في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، ومن هنا فإن الثوابت الرئيسية والأهداف المعلنة التي أتت بها زيارة وزير خارجية إيران ( عباس عراقجي) إلى بعض الأقطار العربية وتركيا، عبرت بشكل واضح وصريح على الرؤية الميدانية التي تسعى إليها القيادة الإيرانية والتي جاءت ضمن البرنامج السياسي الذي قدمه الرئيس مسعود بزشيكان أثناء لقاء حكومته مع المرشد الأعلى علي خامنئي والذي حظي بموافقته ودعم تصورات وآفاق السياسية الخارجية التي تضمنها خطاب بزشكيان، الأمر الذي أدى إلى تفويض حكومته من قبل المرشد الأعلى بإعادة تقويم العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب وفتح قنوات عديدة للاتصالات واللقاءات الثنائية والتي جعلت من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن يصف الامريكان بالاخوان وأنه على استعداد لفتح جميع الملفات السياسية والاقتصادية والبدأ بمسار جديد حول العلاقة بين الطرفين.
جاءت الزيارة الميدانية لوزير خارجية إيران ضمن عدة محاور أهمها تأكيد موقف إيران من الأوضاع القائمة في المنطقة العربية وبيان وجهة النظر الإيرانية التي تسعى إلى التهدئة وعدم التصعيد والالتزام بمبدأ الحفاظ على حالة التوازن السياسي وترجيح العقلانية وعدم الانجرار وراء العواطف وهي من الأسس الرئيسية التي تحملها حكومة بزشكيان ويعمل وزير خارجيتها على تنفيذها عبر أدامة العلاقات الثنائية مع الدول التي استقبلته وتطويرها وتوضيح المواقف الإيرانية من جميع المخاطر التي تعصف بالمنطقة.
الثوابت والأهداف الإيرانية تؤكد على سياسية ضبط النفس ومحاولة إيجاد مخارج حقيقية لعودة الهدوء للمنطقة مع إعطاء زخم لإيقاف جميع العمليات الميدانية للفصائل المسلحة التي ترتبط بإيران وبقيادات الحرس الثوري واحتواء أي ردود أفعال تحصل منهم عبر جبهة الإسناد التي تضم فصائل الحوثيين والمجاميع المسلحة في العراق.
بدأت إيران تنظر لمصالحها ومكاسبها السياسي وفق إطار مبدأ الكلفة والفاعلية والتي ترى فيها عدم الاستدراج الفعلي الميداني في مواجهة إسرائيل والدفاع عن حلفائها وشركائها في المنطقة وتحديدًا حزب الله اللبناني في عملياته العسكرية والتزام توجيه المرشد علي خامنئي بأن الفصائل هي التي تقاوم وتدافع عن نفسها، وأنها تمتلك القدرة على أدامة زخم المواجهة والاستمرار بالقتال.
تعتبر السياسة الإيرانية هي نتاج وتفاعل لمصالحها مع معرفتها بحقيقة المخاطر والشدائد التي تهددها والفرص السياسية التي تحيط بها وتعمل على استغلالها ومواكبة حركتها وتسخيرها لمشروعها في التمدد والنفوذ، وهي لا تعمل على عدم الانزلاق وتحقيق والمواجهة المباشرة مع إسرائيل، بل تسعى للحفاظ على مصالحها وأمنها القومي ونظامها السياسي وقدرتها العسكرية التي تحتفظ بها في برنامجي الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، ولهذا فهي تنفذ السياسية الواقعية التي يمسك بها المرشد الأعلى خامنئي في المزاوجة بين التوجه الواقعي والتوجه المثالي، وهي المضامين التي حرص وزير الخارجية الإيراني (عباس عراقجي) على توصيلها الي جميع المسؤولين الذين التقى معهم في زيارته العربية الإقليمية.
تبقى الثوابت الإيرانية قائمة في إيجاد مفاعيل لاتفاق جديد للبرنامج النووي الإيراني ورفع العقوبات الاقتصادية وإطلاق الأموال المجمدة وايقاف جميع الحملات السياسية ضد النظام والدعوة لاسقاطه أو تحجيم دوره الإقليمي.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية