معمر فيصل خولي
لا يمل ولا يتواني الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في تعزيز مكانة تركيا الإقليمية والدولية عبر الانضمام إلى تكتلات دولية، وفي هذا السياق تحدّث عمر جيليك، الناطق باسم الحزب ” “رئيسنا أعلن بوضوح عن رغبة تركيا في المشاركة بكل المنصات الهامة، بما في ذلك بريكس”. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق.. ما مجموعة البريكس، ولماذا تركيا تسعى إلى الانضمام إليها؟
مجموعة بريكس تجمع دولي يضم دول الاقتصاديات الناشئة في الجماعة الدولية كالبرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. واشتقت هذه التسمية استنادًا إلى الحروف الأولى للدول المؤسسة. بدأ التجمع في عام 2006م، واجتمعت الهند والبرازيل وروسيا والصين في قمة بريكس الأولى في عام 2009. وانضمت إليها جنوب أفريقيا بعد عام. يهدف هذا التجمع إلى منافسة النفوذ الاقتصادي والسياسي الغربي بشقيه الأطلسي والأوروبي. ولأهمية هذا التجمع عالميا فقد انضمت إليه لاحقًا كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية والجمهورية الإيرانية وإثيوبيا، وقد تنضم إليه دولًا اخرى في وقت لاحق.
تركيا كجغرافية دولة جميلة جدا، ومع مجيء حزب العدالة والتنمية وتطبيق رؤيته لحكم الدولة التركية، ازدادت تركيا قوة ومناعة، فعلى المستوى الخارجي، تبنت الدولة التركية سياسة خارجية متعددة الأبعاد حيث تقاربت مع الصين وروسيا وإيران، واستعادة من جديد سياسة تصفير المشكلات مع دول الجوار بعد تعرضها إلى هزة قوية جراء تداعيات ما اصطلح عليه “الربيع العربي” وما رافقه من تداعيات.
القول أن دوافع انضمام تركيا إلى تجمع بريكس لمواجهة التحديات الاقتصادية الحالية فقط، هذا قول غير دقيق لإن الانضمام إلى هذا التجمع من قبل دولة كتركيا لا يكون قرارًا تكتيكيًا وإنما قرارًا يحمل في طياته أبعادًا استراتييجة سياسية واقتصادية تتجاوز الأزمة الاقتصادية التركية الحالية. فإذا نظرنا إلى الثقل الاقتصادي لبعض الدول المؤسسة لهذا التجمع ندرك لماذا ترغب تركيا في الانضمام إليه.
تحتل الصين المرتبة الثانية في قائمة أكبر اقتصادات في الجماعة الدولية، أما روسيا فهي تحتوي على احتياطات كبيرة من النفط والغاز، يكفي أن نشير هنا، أنه في عام 2023م، استوردت تركيا ما نسبة 42% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي منها.
أما الهند وهي المؤسس الثالث لبريكس، فبناءً على معدلات النمو التي حققتها فهي في طريقها أن تصبح ثالث أقوى اقتصاد في الجماعة الدولية، وأن يتجاوز حجم اقتصادها نحو 6 تريليونات دولار بحلول 2028، وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي. أما الناتج المحلي الإجمالي العالمي لبريكس فقد بلغ 37.4% في عام 2023م، متجاوز المجنوعة السبع. وهذا سبب كاف كي تبدي تركيا رغبتها في في الانضمام إلى التجمع والسوق الدولي الواعد اقتصديًا، أما عن الدافع الحقيقي عن رغبة تركيا في الانضمام إلى بريكس؟
تركيا منذ عقود من الزمن، وقبل مجييء حزب العدالة والتنمية إلى حكم وبعد مجيئه، وهي تطرق أبواب الاتحاد الأوروبي من أجل الانضمام إليه، فمنذ عام 1973م قبل الاتحاد الأوروبي العديد من الدول الأوروبية كالدانمارك وإيرلندا وبريطانيا -قبل انسحاب منه عام 2020م- وإيرلندا، وفي ثمانينيات القرن الماضي انضمت كل من إسبانيا واليونان والبرتغال إلى الاتحاد الأوروبي.
لكن المثير والغريب في أمر الاتحاد الأوروبي أن يقبل في عضويته دولًا كانت ذات يوم جزءًا أصيلًا في المنظومة الشيوعية التي كانت يقودها الاتحاد السوفييتي كبولندا وبلغاريا ورومانيا والمجر وغيرها من الدول، وكانت هذه الدول أيضًا من الدول الأعضاء في حلف وارسو الذي تأسس في عام 1955م لمواجهة الغرب الأوروبي والأطلسي!!، بينما تضع عراقيل الانضمام أمام تركيا متذرعة بأسباب شتى بعيدة عن السبب الحقيقي من وراء هذا الرفض، وتمنح تركيا فقط صفة الشريك الاستراتيجي!
وعلى الرغم من تبني الدولة التركية ومنذ تأسيسها في عام 1924م، العلمانية كنهج حياة ومثّلت هذه العلمانية إحدى مبادىء الجمهورية التركية الحديثة لكن ذلك لم يشفع لها في الانضمام ويأتي هنا المستشار الألماني الأسبق هيلموت كول ” 1982م- 1998م” ليحسم مسألة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي غير آبهاً بعلمانيتها حينما قال ” لا يمكن لتركيا أن تدخل الإتحاد الأوروبي لأنه نادي مسيحي”. هنا ميّز ” كول” بين الأفكار كالعلمانية التي تفرض بقانون القوة على الشعب وبين المعتقدات الراسخة كالدين والثقافة منذ قرون في هوية الشعوب.
إذن ما المطلوب من تركيا إزاء ذلك؟ أن تقف مكتوفة الأيدي والدول في الجماعة الدولية تنضم إلى اتحادات وتكتلات وتجمعات دولية في سبيل الحفاظ وتعزيز مصالحها. هذا الأمر غير منطقي وغير مقبول في العلاقات الدولية قائمة على التشابك والاعتمادية، والاستقلالية في صنع السياسة الخارجية. فتركيا حق لها في تنويع شراكاتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية.
خلاصة القول أن انضمام تركيا إلى ” بريكس” قد تكون سهلة من حيث الهُوية لكون “بريكس” تجمع متعدد الهويات على عكس الاتحاد الأوروبي أحادي الهُوية، لكن ربما تواجه صعوبات من نوع آخر كعدم رغبة بعض دول الأعضاء في بريكس أن ترى تركيا عضوا فيه وتحتل مقعدا فيه، يحقق لها المزيد من المكانة والنفوذ الدوليين.
وفي حال قبول عضوية تركيا – مستقبلا- في تجمع بريكس ستكون أول دولة في حلف شمال الأطلسي” الناتو” والاتحاد الأوروبي تنضم إلى تجمع منافس للمنظومة الغربية. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل سيستوعب الغرب الأوروبي والأمريكي هذا الانضمام وتعطي تركيا فرصة لترى نتائجه؟، أم إنها ستتعجل في فرض إجراءات قد تكون قاسية ضد الدولة التركية ردًا على ذلك؟
وحدة الدراسات التركية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية