توسعت دائرة المواجهة بين جماعة الحوثيين وإسرائيل وأخذت مسارًا واسعًا في طبيعة المواقع المستهدفة من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية من قبل القوات الجوية الإسرائيلية ردًا على الصواريخ بعيدة المدى ( فرط صوت) التي تنطلق من القواعد العسكرية للحوثيين باتجاه العمق الإسرائيلي.
سبق وان قامت في الأشهر الماضية عدد من المقاتلات الإسرائيلية بالانطلاق من قاعدة (كيريا) في تل أبيب وبطول مسافة 1700 كيلومتر، استهدفت مدينة الحديدة الساحلية غرب اليمن بعدد من الصواريخ في عملية أطلق عليها ( اليد الطولى)، وقبل أيام عاودت عملية القصف الجوي بين الطرفين، فأصابت صواريخ الحوثيين مدينة تل أبيب وميناء ايلات وأحدثت اضرارًا بالغة فيه، الأمر الذي جعل القيادة العسكرية الإسرائيلية ترفع من وتيرة الخطورة التي تشكلها الضربات الحوثية واتخذت قرارًا استراتيجيًا بمهاجمة الأهداف الحيوية في اليمن واعتبرتها جزءًا مهمًا من المشروع الإيراني في المنطقة معتبرة الحوثيين أحد الأذرع الرئيسية للحرس الثوري الإيراني.
أصابت الضربات الإسرائيلية الأخيرة مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة وكهوف تستخدم لاخفاء منظومات إطلاق الصواريخ ومخازن للاسلحة والمعدات الثقيلة، وهي جزء من الأماكن التي سبق وأن استهدفتها القوات الإسرائيلية في تموز 2024، حيث أصابت ميناء رأس عيسى وهو واحد من ثلاثة موانئ في محافظة الحديدة تضم الميناء التجاري لعاصمة المحافظة إلى جانب ميناء الصليف و (محطتي كهرباء الحالي ورأس كتنيب) وخزانات نفطية في ميناء رأس عيسى، وأدت إلى خسائر مادية قدرت بخمسة ملايين دولار.
أن الأهداف الحقيقية والاستراتيجية وراء استمرار العمليات العسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن من قبل إسرائيل تتحدد في تقويض القدرة القتالية لجماعة الحوثيين واختبار مقدرة القوة الإسرائيلية في الوصول إلى أهداف بعيدة وتعزيز دورها في أي محاولة قادمة لاصابة أهداف عسكرية واقتصادية في العمق الإيراني، مع استمرار النهج الميداني في إضعاف القوة الإيرانية وضرب مرتكزاتها وادواتها وتمددها في المنطقة.
أن تحديد الأهداف داخل المنظومة السياسية للحوثيين باضعاف دورها وضرب قيادتها ووسائل دفاعاتها وكوادرها الأمنية والعسكرية إنما يأتي ضمن الخطة الميدانية التي اعدتها هيئة الأركان الإسرائيلية وبموافقة صريحة معلنة من قبل بنيامين نتنياهو، عبر تضيق الخناق على حركتهم وأساليب قيادتهم وطبيعة ادارتهم للضربات الصاروخية داخل العمق الإسرائيلي، وفرض حصار جوي واقتصادي لمنع وصول الإمدادات والمساعدات العسكرية الإيرانية للحوثيين والتمكن من ضرب المراكز الحيوية ذات التأثير على البنية التحتية للاقتصاد اليمني الذي يدار من قبل الحوثيين.
أن المكانة التي يتمتع بها القطر اليمني من الناحية الجغرافية والحدود البحرية باعتباره يشكل أحد الطرق الرئيسية للملاحة الدولية والتجارة العالمية والنقل العام للبضائع والسلع والمنتجات النفطية، يعطي دلالة واضحة للأهمية التي توليها الدول الكبرى في الدفاع عن مصالحها عند أي استهداف لها يتعارض مع الأهمية الاقتصادية والمنفعة المادية التي تتعلق بها، ولهذه الأسباب ستبقى اليمن تشكل ساحة الاشتباك الدولي والإقليمي في المرحلة الحالية، وستتسع حالة التوافق في المصالح والأهداف بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل في توسيع دائرة الاستهداف والاستمرار بضرب المواقع الحيوية داخل الأراضي اليمنية التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، ويبقى المتضرر الوحيد من جميع النتائج المترتبة عن طبيعة الحملات العسكرية هو الشعب اليمني الذي يعاني ويكابد السلوك والمنهج العدواني والمستبد في مصادرة املاكهم وتعرض حياتهم للقتل والخطف والتغييب القسري والنزوح، الذي تتعامل به المليشيات الحوثية مع جميع اطياف المجتمع اليمني.
لا يوجد ما يجعل إيران أن تترك ساحة مواجهة الحوثيين مع إسرائيل دون أي دعم أو مساندة اذا ما رأت أن هذا الفعل يتعارض ونهجها في سياسة قبض النظام والحفاظ على وجودها وهيمنتها على السلطة في إيران وخسارة مواقعها ومكتسباتها في الشرق الأوسط بعد أن منيت بخسارة كبيرة لمساحة نفوذها ومشروعها السياسي في الجنوب اللبناني والقطر العربي السوري.
أن استمرار التصعيد الحوثي يعتبر حالة خطرة يستهدف مستقبل الدولة اليمنية وشعبها وأمنها الداخلي بعد خروج النظام الإيراني من المعادلة السياسية والعسكرية في سوريا ولبنان وخسارته للممر الاستراتيجي وجسر الإمدادات الذي كان يعتمده في تمدد ونفوذ مشروعه السياسي وانعدام الأوراق السياسية التي كان يعتمدها في أي مناورات ومتغيرات في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، وهذا ما يجعل الحوثيين في مواجهة دولية قادمة، رغم اعتقادهم بأنهم لا يزالون يمثلون ركيزة مهمة من أسس وأدوات المشروع الإيراني.
رغم التصعيد العسكري، إلا أن هناك بعض القيادات السياسية الحوثية تبحث عن مسلك دبلوماسي سياسي تستقبل به الإدارة الأمريكية القادمة عبر زيارات إلى العاصمة السعودية ( الرياض) لإحياء مسار المحادثات الثنائية بين الحوثيين والقيادة السعودية بعد الخسارة الإيرانية في لبنان وسوريا.
أن الولايات المتحدة الأمريكية حريصة على دور سعودي عربي إقليمي في قادم الأيام بعد المتغيرات التي حدثت في المنطقة، ولطبيعة العلاقة الاستراتيجية التي تربط بين واشنطن والرياض التي تتابع عملية الانتقال القادم للإدارة الأمريكية.
ورغم اعتبار أن الحوثيين يعتبرون ( رأس الحربة) للمشروع السياسي الإيراني في التمدد والنفوذ وأنهم أمام مستقبل سياسي خطير وعمليات عسكرية كبيرة قادمة ومواجهات مباشرة ، إلا أن ثوابت السياسة الإيرانية تعتمد قياسات محددة المكاسب والمنافع لأي موقف ورأي سياسي تتخذه القيادة الإيرانية وبما يحافظ على المصالح العليا لنظامها السياسي بعيداً عن مستقبل وحياة حلفائها الاستراتيجين والتنكر لوكلائه في الميدان.
هذه الأحداث الميدانية والمتغيرات السياسية، يمكن لها أن تعمق حالة الخلاف السياسي لدى قيادات الحوثيين باختلاف وجهات ارائهم حول استمرار المواجهات مع إسرائيل أو ضرورة دعم أواصر العلاقة مع المملكة العربية السعودية، وتفتح أبواب لحالة الانهيار الداخلي الذي يخشاه الحوثيين ولمعرفتهم بعدم امتلاكهم الإسناد التام من قبل القاعدة الجماهيرية لأبناء الشعب اليمني.