إيران بين الوهم والحقيقة

إيران بين الوهم والحقيقة

منحت الأحداث السياسية التي شهدها الميدان السوري منذ اليوم الثامن من كانون الأول 2024 صورة بليغة ذات أبعاد ميدانية دقيقة، لما يعيشه أقطاب النظام الإيراني والخلافات والصراعات السياسية بينهم، وانعكاساتها على الأسس والركائز التي يحتكم إليها القرار السياسي الإيراني.
فبعد عملية الانهيار الواسع والخيبة والخذلان الذي سببه سقوط النظام السوري، والانكسار النفسي الذي استوطن في قلوب حلفائه من الإيرانيين وأدواتهم وشركائهم من الفصائل والمليشيات المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، أخذت الأصوات بالتحدث عاليًا في أروقة النظام الحاكم في طهران، وعلى جميع المستويات السياسية والعسكرية والأمنية، محملة القيادات الميدانية لفيلق القدس والحرس الثوري مسؤولية ما حدث لمشروعهم السياسي الإقليمي من تداعيات وتقهقر ميداني في قطر عربي كان من أهم الأدوات والجسور الأمنية التي مثلت المربع الذهبي للطموحات والغايات الإيرانية في التمدد والنفوذ بمنطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، معتبرة أن الزلزال السوري أصاب بآثاره الهيكلية التنظيمية والتعبوبة الإيرانية في أعمق محطات تأثيراتها وواجهاتها الفعلية.
وبدأت الأصوات بصداها الفاعل في الهجوم على النظام الأسدي وحليفه الروسي وتحميلهما مسؤولية الفشل في سوريا، ووصفت الانسحاب الإيراني بـ(الإذلال المهين) بل زاد على ذلك القيادي البارز في الحرس الثوري الإيراني (بهروز اتباني) بقوله إن النظام السوري (فاسد وفاسق) وأن إيران تعرضت لخديعة روسية.
إن هذه الأحاديث تعبر عن حقيقة الإحباط الذي تعيشه القيادات العليا الإيرانية بعد انفلات عقد سلسلة أذرعها وحلفائها في لبنان وسوريا، وموقفها من الأحداث التي شهدتها الأراضي الفلسطينية والتضحيات البشرية والمادية التي أصابت أهلها دون أي مشاركة فعلية أو رد حاسم كما كانت تدعي القيادة الإيرانية في أقوالها وأحاديثها عن تحرير الأرض والمقدسات الفلسطينية، وانكشاف حقيقتها وأبعاد مشروعها السياسي، وانتهاء استغلالها للقضية الفلسطينية الذي وضفته لخدمة غايات عقيدتها الأمنية في التوسع داخل عواصم الأقطار العربية، وهي تعيش وترى التوصل إلى هدنة لإنهاء القتال في غزة وعموم المدن والمناطق الفلسطينية.
ومهما حاولت الأوساط الدبلوماسية التعبير عن مواقف وزارة الخارجية الإيرانية بأن ما حدث في سوريا إنما يعبر عن اختيارات شعبها وتحديد مصير مستقبلها، إلا أن هذا الموقف يصطدم بل ويبتعد كثيرًا عن الخطاب السياسي الذي تلتزم به وتدافع عنه القيادات العسكرية، فهذا (قاسم قريشي) نائب القائد الأعلى للباسيج الإيراني، يشير إلى انتفاضة قادمة للشعب السوري وأن ما جرى في دمشق (يمثل سيطرة لمجموعة انفصالية إرهابية)، في حين يشير النائب السابق (هشمت الله فلاحت بيشة) وعبر تغريدة له على وسائل التواصل الاجتماعي إلى (أن الإيرانيين يجب أن يحتفلوا بسقوط حليف إيران الطويل الأمد، الرئيس بشار الأسد) داعيا للحفاظ على مقدرات الشعب المادية وعدم تبديد ثرواته بعد النزيف الكبير الذي صرف على شبكات عنكبوتية كان الآخرون يرون فيها ويعتقدون بأنها حامية لمشروعهم السياسي.
كشفت الأحداث السورية عن ضعف في الفهم العميق والإدراك السياسي لما يحيط بالمنطقة العربية من قبل الساسة الإيرانيين، وسبب ذلك إما المبالغة في القوة والهيمنة وما أصاب القيادات الميدانية من غرور وتجبر وقناعة ترسخت في نفوسهم، أو أنهم كانوا يعيشون في وهج من الوهم، وأن ما وضعوه من برامج وأقروه من سياسات كانت عبر استراتيجية مضللة بنيت على أسس ضعيفة.
ومهما حاول المسؤولون الإيرانيون من إيجاد الحجج وتفسير لمواقفهم، فإنهم سوف لا يفلحون بخطابهم الداخلي لأبناء الشعوب الإيرانية الذين أصبحوا يدركون حقيقة الأهداف الميدانية للسياسة الخارجية لبلادهم، والقائمة على مبدأ التمدد والتدخل بالشؤون الداخلية لبلدان أخرى تستنزف فيها أموالهم وثرواتهم وتعرضهم لأزمات اقتصادية واجتماعية وسوء في الأوضاع المعيشية وزيادة في نسب الفقر والبطالة، وأن فساد النظام واستبداده كان عاملًا رئيسيًا في فشل السياسة الإيرانية داخلياً وخارجياً.
ويحاول (محمد رضا نقدي) نائب الحرس الثوري الإيراني التلاعب بعواطف الناس ومشاعرهم الدينية، عندما يشير إلى أن وجود المستشارين الإيرانيين والقيادات الميدانية والفصائل والميليشيات المسلحة في سوريا إنما يمثل (وجودا ودفاعيا عن الضريح وليس الأسد)، وهذه هي إحدى السمات الأساسية التي يعتمدها النظام وأعوانه بخطابهم وإيجاد المبررات والحجج الواهية لفشلهم وعدم تمكنهم من المواجهة المباشرة وقولهم للحقيقة التي أرهقتهم نفسيًا وأتعبتهم جسديًا وأضاعتهم ميدانيًا.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة