مبادئ الاستراتيجية الأمنية الإيرانية.. الأهداف والحقائق

مبادئ الاستراتيجية الأمنية الإيرانية.. الأهداف والحقائق

اياد العناز

تطور  الأحداث وتسارع المتغيرات السياسية يقتضي قراءة متأنية ودراسة واضحة للأهداف والمبادئ الاستراتيجية الإيرانية في الشرق الأوسط والوطن العربي، وما هي أبعادها المستقبلية، وكيف ستكون آليات العمل السياسي والأمني الإيراني في مراحله الحالية، وماهي الوسائل التي ستتبعها القيادات العسكرية والأمنية لفيلق القدس والحرس الثوري الإيراني، وما هي المنطلقات والأسس التي سيكون عليها الخطاب السياسي الإيراني في هذه المرحلة المهمة التي تمر بها المنطقة، أسئلة متنوعة ورؤى ميدانية لآفاق مستقبلية، تحتاج إلى أجوبة وتحليلات ميدانية ذات أبعاد استراتيجية، وصولاً إلى تحديد مديات للتعامل الفعال والمنهج والسلوك الإيراني بعد العديد من المتغيرات التي شهدها الميدان العربي في سوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية.
إن الإستراتيجية العسكرية الإيرانية واضحة المعالم من خلال الأدوار التي أنيطت مهامها إلى فيلق القدس والحرس الثوري في عديد من العواصم العربية، وطبيعة التعامل الميداني القائم على تثبيت أسس وركائز المشروع السياسي الإقليمي لإيران، والتي يمكن تحديد أدواتها ووسائلها في اعتمادها الأولي على فصائل وميليشيات تقاتل نيابة عنها في الميدان، وتأتمر بتوجيهاتها وتنفيذها لأهداف وغايات مشروعها في التمدد والنفوذ وتنفيذ العمليات العسكرية بعيدًا عن المساحة الجغرافية للأراضي والحدود الإيرانية، وثاني أهم مبادئ العقيدة الأمنية العسكرية أنها تستخدم الصواريخ البالستية طويلة المدى، والطائرات المسيرة في تنفيذ ضربات جوية إلى عمق أراضي دول أخرى، وخاصية ثالثة تتمثل في مهامها البحرية عبر تهديد المضايق والممرات المائية الإقليمية والدولية في خليج عدن والبحر الأحمر ومضيق هرمز والبحر العربي، والجانب الأكبر الذي تمثله العقيدة العسكرية الإيرانية أنها تعتمد سياسة التحوط الاستراتيجي باعتمادها الردع النووي ركن أساسي في أي تهديد خارجي لها.
ولكن هناك عوائق أمام تنفيذ مبادئ وأهداف النظام الإيراني في حالة استخدامه مبدأ إغلاق الممرات الدولية المائية، لأنه سيكون أمام مواجهة مباشرة مع المصالح والمنافع الاقتصادية للدول الكبرى، وتحديدًا إذا ما فكر في محاولته استخدام عملية إغلاق مضيق هرمز لتحقيق بعضًا من أهدافه التي ستتعارض والمصالح الصينية، وتؤثر على طبيعة استثماراتها وتبادلاتها التجارية، باعتبار الصين أكبر مستهلك للنفط في المنطقة، كما ويصيب اقتصاد إيران بكبوات كبيرة، ويعرضها لأزمات اجتماعية ومالية لا يمكن لها أن تجد الحلول المناسبة لمعالجتها، حيث أن جميع الواردات والصادرات الإيرانية تمر عبر مضيق هرمز.
ورغم اعتماد إيران على عمليات التطور الذي انتهجته في برنامجي الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، إلا أن بعض المسؤولين الإيرانيين أقروا بضعف قدرات إيران العسكرية، وهو ما تحدث به عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني إسماعيل كوثري بقوله (إن الموازنة الدفاعية الأميركية لسنة 2025 تبلغ 291 مليار دولار، بينما لا تتجاوز ميزانية إيران 30 مليارا) فقط. ولو كانت إمكانياتنا متاحة وأيدينا مفتوحة لنفذنا وعودنا المتعلقة بعمليات الردع المقابل مع إسرائيل، وهي إشارة دالة من مسؤول إيراني تعيد النظر في الخسائر التي تعرضت إليها الأنظمة الدفاعية الإيرانية من طراز (إس-300) في الهجوم الثاني الذي شنته القوات الإسرائيلية على مواقعها، وقد اعترف الجنرال الإيراني “بهروز إثباتي” أحد قادة الحرس الثوري بأن (طهران لا تمتلك حاليًا القدرة الفعلية لضرب إسرائيل وتنفيذ وعدها المعروف باسم الوعد الصادق – 3-).
إن الأسس التي اعتمدتها العقيدة الاستراتيجية الإيرانية لم تتمكن من تحقيق الغايات والأهداف التي سعت إليها القيادات الأمنية والاستخبارية للحرس الثوري في جعل إيران قوة إقليمية مهيمنة وذات تأثير فعال ودور محوري في أي متغيرات سياسية بمنطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، من خلال دعمها لفصائلها وميليشياتها المسلحة العاملة ضمن محور المقاومة، وأثبتت الوقائع الميدانية في الجنوب اللبناني وسقوط النظام الأسدي في سوريا، حقيقة عدم وجود تأمين للنهج والسلوك الإيراني في مواجهة المتغيرات المتتالية رغم الإعداد العسكري، والدعم المالي الذي استنزاف إيران لعقود من الزمن.
وإذا ما أخذنا في الحسبان عند تحليلنا لأسس العقيدة العسكرية الإيرانية، لابد أن نضع في حساباتنا قراءة جادة لمبادئ وركائز سياسة الأمن القومي الإيراني، التي تتضمن في بدايتها استراتيجية المنطقة الرمادية، والتي تبتعد فيها عن المحيط الجغرافي الذي يمثل السياج الخارجي لإيران، عبر تنفيذ عديد من الأنشطة والفعاليات الأمنية السرية منها والعلنية، التي تقوم بها المليشيات المسلحة، والتي تشرف عليها القيادات الميدانية للحرس الثوري في الأقطار والمساحات التي تقع تحت هيمنة ونفوذ الأدوات الإيرانية، وبحكم التطورات والمتغيرات السياسية الأخيرة في الميدانين السوري واللبناني، فإن المنطقة الرمادية أصبحت نهجًا تكميلياً وتابعًا لما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة بعد أربعة عقود من الزمن، مثلت حالة التدخل في الشؤون الداخلية لعديد من عواصم ودول منطقة الشرق الأوسط.
ثم ما أقدمت عليه إيران في قرارها السياسي بالتوجه شرقًا حيث الصين وروسيا، القائم على تعزيز المصالح والأهداف المشتركة التي ترى فيها إيران أنها تحقق نوعًا من التوازن الاستراتيجي في علاقتها مع هذين البلدين، والتي تتوافق مع الرؤية الروسية في إيجاد حليف ميداني وداعم مباشر لها في حربها المستمرة مع أوكرانيا، والذي تمثل في التعاون العسكري والأمني بتزويد إيران لروسيا بالطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة التي كان لها فعلها على الميدان العسكري، ما آثار حفيظة الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوربية، وهو الحال نفسه الذي اتصفت به العلاقات الاقتصادية وتطورها الكبير مع الصين عبر تزويدها بالنفط الإيراني وبأسعار متميزة.
وأمام المتغيرات التي تشهدها المنطقة، فإن إيران ستعمل بكل قواها من أجل التوسع في إنتاج الصواريخ الباليستية والاستراتيجية (فرط صوتية) والطائرات المسيرة، واعتماد أهم مبدأ في سياستها الأمنية وهو (التحوط النووي) كوسيلة لدفاع وسلاح ردع يحمي مشروعها الإقليمي، ويحافظ على نظامها السياسي، واعتماد مبدأ تحصين منشأتها العسكرية الحيوية، وإخفائها تحت الأرض، وتعزيز علاقتها مع روسيا للحصول على طائرات مقاتلة نوع (سو-35) وصواريخ أرض جو عالية التقدم، ومنظومات دفاعية (إس-400) وعدد من الفرقاطات والطرادات البحرية والغواصات الصغيرة، في محاولة منها لتحسين قوتها الجوية وسلاح طيرانها وتعزيز قدراتها البحرية.
تبقى مبادئ العقيدة العسكرية الإيرانية حالة قائمة في العقل السياسي الذي يقود الأوضاع في طهران، والغايات والأهداف التي ترتكز عليها مبادئ الأمن القومي الإيراني، ولكنها أصبحت أمام متغيرات كبيرة، وأحداث جسيمة، أصابت المشروع السياسي الإقليمي الذي تتبناه إيران بعديد من الانكسارات والهزائم العسكرية والأمنية، ما أدى إلى اتباع سياسة استراتيجية قائمة على معالجة الألم الشديد الذي أصاب أهداف وغايات المشروع الإيراني، والتخفيف منه ومحاولة عبور حالة التردي الذي تشعر به القيادات الميدانية لفيلق القدس والحرس الثوري، والانتقال لمرحلة جديدة في تحديد المهام القادمة، وفهم وإدراك لكل متغير وحالة تمر بها المنطقة، وتنعكس على طبيعة وتوجهات المؤسسة العسكرية والأمنية الإيرانية.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة