اتفاقية الشراكة الروسية الإيرانية المصالح الإقليمية والأهداف الدولية

اتفاقية الشراكة الروسية الإيرانية المصالح الإقليمية والأهداف الدولية

اياد العناز 

أكدت العلاقات الروسية الإيرانية أهميتها وتأثيراتها الدولية والإقليمية واستمرار دورها الفعال في عديد من الأماكن التي تتصف بملامحها ومواقعها الاستراتيجية واهميتها في العلاقات الدولية في آسيا الوسطى وغرب آسيا والشرق الأوسط، واكدتها نتائج الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى العاصمة الروسية (موسكو) في 27 كانون الثاني 2025 ولقائه مع الرئيس فلاديمير بوتين، والذي تمخض عنه توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية شملت قطاعات واسعة من التعاون في مجالات الطاقة والتمويل والنقل والزراعة والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والرعاية الصحية ومكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية ذات المحتوى الأمني والعسكري.
يمكن إجمال مواد الاتفاقية ب (47) مادة تغطي العديد من المهام السياسية والأمنية والعلمية وقرر لها ان تستمر (20) عامًا مع تمديدات تلقائية لمدة خمس سنوات لاحقة.
وجاءت الزيارة الإيرانية قبل ثلاثة أيام من تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، وهي أول زيارة رسمية للرئيس الإيراني لروسيا، بعد لقائين مع الرئيس بوتين في مدينة (فازان) الروسية على هامش اجتماعات قمة دول مجموعة (بريكس) في 24 تشرين الأول 2024، وسبقها لقاء آخر في العاصمة التركمستانية (عشق آباد) عند حضورهما للمؤتمر الدولي (ترابط العصور والحضارات اساس السلام والتنمية) في الحادي عشر من تشرين الأول 2024.
وكانت التحركات الروسية قد أخذت ابعادها في تحديد موعد لتوقيع الشراكة الاستراتيجية مع إيران لتسبق عملية إجراء أي حوار جدي مع الإدارة الأميركية الجديدة ولتحقيق نوع من التوازن في منطقة الشرق الأوسط وادراكها لسياسة وتوجيهات الرئيس بزشكيان، رغم أن العديد من الأوساط السياسية الإيرانية قد اعربت عن معارضتها لتوجهات الرئيس مسعود بزشكيان في عدم ابدائه الاهتمام الكلي بالتوجه للقيام بعلاقات واسعة وهامة مع الصين و روسيا، واهتمامه بالعمل نحو الانفتاح على الغرب والولايات المتحدة الأمريكية.
أهمية الاتفاقية أنها حددت مسار العلاقات بين روسيا وإيران ونقلتها من الشراكة إلى التحالف الإستراتيجي ومنحتها مفهومًا سياسيًا واقعيًا أكد عمق العلاقات بين البلدين ونطرتهما للمستقبل.
أعطت الاتفاقية رؤية ميدانية عن حرص البلدين على استمرار التعاون الثنائي بينهما بما يخدم مصالحهما ومنافعهما بعد الخسارة الثنائية التي حلت بهما في الميدان السوري وضرورة استمرار التعاون الأمني والاقتصادي بينهما بما يعزز مكانتهما الدولية وهما البلدان اللذان يخضعان لعقوبات دولية غربية، وتوجيه رسالة لادارة الرئيس ترامب أن لإيران حليف استراتيجي مهم وباستطاعتها إدارة أي مفاوضات قادمة حول برنامجها النووي دون أن تتراجع عن حقوقها ومكانتها الإقليمية.
ويأتي توقيع الاتفاق الروسي الإيراني بعد أيام من انعقاد الجولة الثالثة من الحوارات بين إيران والـدول الثلاث الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) ومساعد منسق العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، لبحث أمكانية وتحديد أدوات العودة لمفاوضات تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني وإعادة احياء اتفاق عام 2015 وإنهاء العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة على إيران، والذي تحدث عنه وزير الخارجية الايراني (عباس عراقجي) في 14 كانون ثاني 2025 بقوله (ان المفاوضات كانت قائمة على الاحترام المتبادل وكيف يمكن العودة للمفاوضات النووية ولقينا رغبة أوروبية حقيقية في ذلك).
ورغم وجود حالة من الارتياب في العلاقة بين روسيا وإيران وبعض المواقف الميدانية التي تتحدث بها القيادات السياسية والعسكرية الإيرانية وتحملها اسباب الخسارة الكبيرة في سوريا، رغم ان الروس قد فقدوا وجودهم الميداني العسكري الفعال وتأثيرهم في المياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط، إلا أن الأصوات الإيرانية ومنهم القائد الميداني على الساحة السورية في الحرس الثوري الإيراني (بهروز إثباتي) يتكلم عن خديعة روسية بتخلي موسكو عن القيام بأية خطوة تمنع عملية الانهيار الذي أصاب نظام بشار الأسد، واتهامه القيادات الروسية بالتعاون مع إسرائيل في استهدافها للمواقع والاماكن التابعة للحرس الثوري على الأراضي السورية، وعدم قيام روسيا بتنفيذ وعودها بتزويد إيران بمنظومة الدفاع (إس-300) وطائرات (سو-35) المقاتلة وعديد من الفرقاطات البحرية المتقدمة، والدور السلبي الذي أقدمت عليه بالكشف عن التعاون العسكري وتزويدها بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية من قبل إيران في حربها مع اوكرانيا والذي آثار حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية.
ومع كل هذه الحقائق إلا أن القيادة الإيرانية ترى أن التعاون مع روسيا يشكل شراكة دائمة تمثلها المصالح والأهداف العليا الإيرانية وتزيل عقبات كثيرة وحروب عديدة قد تواجهها طهران في المستقبل، وأنها بحاجة إلى بناء شبكة تحالفات مع روسيا لمواجهة الآثار السلبية للعقوبات الاقتصادية والتخفيف منها مع عدم معرفة إيران بما قد يقوم به الرئيس الأمريكي ترامب بعد دخوله البيت الأبيض.
ولا يمكن أن نبتعد عن المنفعة الروسية من توقيع الشراكة الاستراتيجية مع إيران، فإنها تعني لها الاحتفاظ بموقع استراتيجي لبلد مهم في منطقة غرب آسيا، يمكن توظيفه لشراكة اقتصادية وأهداف عسكرية وأمنية، في حالة أي أزمة تندلع مع الصين بسبب الضغوط الأمريكية التي من الممكن أن يقوم بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ورغم أن الاتفاقية لم تنص صراحة عن أي مادة فيها تخص الدفاع المشترك بينهما، إلا أن هناك مصلحة مشتركة تمهد لها الاتفاقية في تعزيز القدرات الروسية الإيرانية على تجاوز العقوبات الاقتصادية وآثارها عبر تبادل الخبرات والموارد في مجالات الطاقة والتكنولوجيا وإيجاد طرق بديلة بالاستفادة من الخبرات الإيرانية في تعاملها مع منهجية العقوبات، وهي خطوة مهمة لتعزيز التعاون الثلاثي (الصيني والروسي والإيراني) في إنجاز المشاريع الكبرى التي تشمل (مشروع ممر النقل الدولي الشمال – الجنوب) ومبادرة الحزام والطريق، وإتاحة التعاون في تطوير الإمكانيات المتعلقة بإنتاج وتكرير الطاقة عبر تطوير المصافي الإيرانية باستثمارات روسية وهو ما سيحدث تأثيرًا في سوق الطاقة العالمي، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الصفقة الاستثمارية الكبرى التي وقعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته لإيران في تموز 2022 مع شركة النفط الوطنية الإيرانية وشركة (غازبروم الروسية) بقيمة 40 مليار دولار لتحديث قطاعي النفط والغاز الإيرانيين.
هناك تحديات مشتركة وازمات اقتصادية واجتماعية متشابهة تدفع كلا البلدين روسيا وإيران لتعزيز التعاون الثنائي بينهما والبقاء على تأثيرهما الميداني والسياسي في منطقة الشرق الأوسط والتعامل مع أي متغيرات دولية وإقليمية قادمة بما يحقق لهما بقاء وديمومة مصالحهما المشتركة، والتي تم التعبير عنها بانضمام إيران وبدعم روسي وصيني مشترك لمنظمة شنغهاي وبريكس ذات البعدين السياسي والاقتصادي.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة