إيران بين مطرقة ترامب وسندان الداخل

إيران بين مطرقة ترامب وسندان الداخل

أياد العناز

يحاول النظام الإيراني العمل بعدة اتجاهات لإيجاد خطوات عملية لكيفية التعامل مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد عودته إلى البيت الأبيض في دورة رئاسية ثانية تمتد لأربع سنوات، قد تفضي إلى مواجهة حقيقية ميدانية مع إيران إذا لم تتدارك نفسها وتبتعد عن سياسة التعنت وإظهار القوة وتلتزم بسياسة الحوار وقبول الواقع بما تمليه عليها المصالح الدولية والإقليمية.
إن سياسة الإدارة الأميركية الجديدة قائمة على اساس جوهري يتمثل في اعتبار سنوات الرئيس ترامب تهدئة للسلام في العالم دون الانخراط أو الخوض في حروب خارجية، وإنما العمل باتجاه تحقيق الأمن والسلم والاستقرار العالميين.
اذن على إيران ان تعلم أن التوجه الأمريكي لا يعني انفراط عقد المواجهة مع واشنطن وإنما اعتماد مبدأ الحوار وقبول المقترحات والآراء التي ستقدم لها، إما عبر وسطاء سياسيين يمثلون اقطارًا عربية أو دول أوروبية، أو عبر حوارات لقاءات غير مباشر تتطور إلى جلسات للنقاش المباشر اذا اقتضت ضرورة الحفاظ على المصالح الدولية في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي.
لا تزال القيادة الإيرانية تعيش حالة من الارتباك السياسي والفوضى والانكسار النفسي بعد انهيار مشروعها الإقليمي في الجنوب اللبناني وسوريا، وضعف إرادتها وتأثيرها على الأحداث والمتغيرات القائمة في المنطقة، بل انسحابها التام من الميدان السوري دون مواجهة فعلية أو دفاع عن حليف استراتيجي كان يمثله نظام بشار الأسد.
ملامح السياسة الأمريكية تجاه إيران تأتي في إطار النظرة الاستراتيجية التي يعمل عليها الرئيس ترامب في الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية ومراعاة أمن إسرائيل، وهي ما تشكل أبرز النقاط المهمة التي ستواجه أي فعل أو موقف إيراني في حالة عدم قبول أي شروط أمريكية تتقدم بها الإدارة الأمريكية والتي تمثل سياسة ترامب بضرورة إنهاء ملف البرنامج النووي الإيراني وعدم التوسع في برنامجي الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية ووقف اي دعم وتعامل مع المليشيات والفصائل المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري ومنع أي تدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.
أمام إيران خطوة استباقية لفهم حقيقة الموقف الأمريكي وأبعاده الميدانية وإصراره على وقف النشاطات الأمنية والعسكرية للمؤسسات والدوائر المرتبطة بفيلق القدس والحرس الثوري، وإلا فإن بقاء وديمومة النظام مهددة بالانهيار، وهذا ما لا يتناسب أو يتوافق مع سياسة إيران التي ينتهجها المرشد الأعلى علي خامنئي في التمسك بسياسة قبضة النظام والصبر الاستراتيجي والانسحاب البطولي ومنح قياداته السياسية مرونة في التعامل والتفاوض في الملف الخاص بالبرنامج النووي وصولًا للهدف الرئيس في رفع العقوبات الاقتصادية والتخفيف من آثارها ومعالجة الأزمات الاجتماعية وإيجاد الحلول الجذرية للتظاهرات الشعبية والاحتجاجات الجماهيرية الإيرانية، مع وجود آلية مركزية هي الحفاظ على بقاء النظام واستمرار تأثيره ووجوده الإقليمي.
وتبقى هناك مواقف وأصوات تتعالى في هيكلية النظام الإيراني من المتشددين أو بعض القيادات الأمنية في الحرس الثوري تدعو إلى التمسك بمظاهر القوة واعتماد صيغة التفاوض من مساحة التفوق العلمي والتكنولوجي الذي وصلته الأدوات التنفيذية للبرنامج النووي الإيراني في زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم وتخزين الاعداد الكبيرة من أجهزة الطرد المركزي والتقدم في إنتاج وتصنيع انواع من الطائرات المسيرة ونوعية ومديات الصواريخ الباليستية، وتتعاظم مواقف هذه الجهات في انتقاد سياسة الرئيس مسعود بزشيكان التي تعمل على حالة من التوازن في العلاقات السياسية الدولية، فبعد الاتجاه للشرق وفق السياسة التي اعتمدها الرئيس السابق إبراهيم رئيسي والتي تحظى بتأييد واسع من الأحزاب والقيادات المتشددة، كانت الدعوات التي أطلقها بزشكيان في جولاته وبياناته أثناء حملته الانتخابية لرئاسة إيران الانفتاح نحو الغرب وتقويم العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، مما جعله يتعرض لهجمات متوالية من أتباع المرشد علي خامنئي واتهامه بالانصياع الي رغبات وأهداف أوروبا وامريكا، وآخرها ما نفاه خلال حديثة عبر المقابلة التلفزيونية مع محطة إذاعة (بي بي سي) بسعي إيران إلى الانتقام من الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بسبب قراره بتصفية قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني في الثاني من كانون الثاني 2020 في إحدى زيارته المكوكية للعاصمة العراقية (بغداد)، رغم قيامه يوم 17 كانون الثاني 2025 بتوقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع روسيا قبل أيام من تنصيب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية.
تعلم إيران أن الأحداث في تسارع كبير وما تشهده منطقة الشرق الأوسط من متغيرات سياسية ينعكس قدر منها على طبيعة الأوضاع الداخلية الإيرانية وحجم علاقتها مع الدول المجاورة لها والتي تتطلب منها موقفًا واضحاً من الاملاءات والتوجهات الأمريكية فيما يتعلق بسياستها الإقليمية وعلاقتها مع شركائها من قادة المليشيات المسلحة وسعيها بالتمدد والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، وعليها الاختيار الدقيق بين مواجهة الإدارة الأميركية وتهديد وجودها أو اتباع الحكمة والسياسة الواقعية في التعامل مع مقتضيات المرحلة واسلوب إدارة الرئيس ترامب للوصول إلى مصالح مشتركة للجميع.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة