الباحثة شذى خليل*
في السنوات الأخيرة، شهد العراق تغييرات كبيرة في نظام إدارة العملة، تمحورت بشكل أساسي حول تقديم منصة جديدة من قبل البنك المركزي بهدف تنظيم بيع الدولار الأمريكي. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الإصلاحات، فقد أبدى الخبراء مخاوفهم بشأن فعالية هذه التغييرات، خاصة فيما يتعلق بتوسيع الفجوة بين أسعار الصرف الرسمية والموازية، وتأثيراتها اللاحقة على اقتصاد البلاد وحياة المواطنين اليومية.
التحول في آلية بيع الدولار
تاريخيًا، كان البنك المركزي العراقي يبيع ما بين 40 إلى 50 مليار دولار سنويًا من خلال نافذة العملة، وهي آلية تبادل كانت تدير تدفق الدولار الأمريكي في البلاد. ومع ذلك، في عام 2024، وبعد إدخال المنصة الجديدة، ارتفع هذا الرقم بشكل حاد إلى 81 مليار دولار، بينما بلغ الرقم مع البنوك المراسلة حوالي 300 مليون دولار يوميًا. ورغم أن هذه التغييرات كانت متوقعة لتوفير مزيد من الشفافية والكفاءة في سوق العملات، إلا أن النتائج لم تكن كما كان مأمولًا، حسبما يرى بعض الخبراء الاقتصاديين.
الفجوة المتزايدة بين الأسعار الرسمية والموازية
قبل تقديم المنصة، كانت الفجوة بين سعر الصرف الرسمي (المحدد من قبل البنك المركزي) وسعر السوق الموازي أو الأسود ضئيلة. كانت الأسعار تتماشى إلى حد كبير، وكان المواطنون يعتمدون على قيمة العملة التي كانت مستقرة ومتوقعة إلى حد كبير. ومع ذلك، فقد أدى تقديم المنصة واستخدام البنوك المراسلة إلى تغيير هذه الديناميكية بشكل كبير.
وبحسب التقارير الأخيرة، فقد اتسعت الفجوة بين أسعار الدولار الرسمية والموازية لتصل إلى حوالي 15%. هذه الفجوة أثارت القلق بين الخبراء الذين يشيرون إلى أن إصلاحات البنك المركزي، بدلاً من تحقيق الاستقرار في سعر الصرف، قد ساهمت في تفاقم المشكلة. نظريًا، كانت هذه الإصلاحات تهدف إلى تبسيط العملية، وزيادة الوصول إلى العملة الأجنبية، وتقليل التداول غير القانوني أو المضاربي. ومع ذلك، يرى النقاد أن النظام لا يعمل كما هو متوقع وأنه قد يتسبب في مزيد من عدم الاستقرار في سوق العملات.
التأثير على الاقتصاد العراقي
الفجوة المتزايدة في سعر الصرف لها تأثيرات كبيرة على اقتصاد العراق. أولاً وقبل كل شيء، تساهم هذه الفجوة في زيادة عدم اليقين بين الشركات والمستهلكين. فالشركات التي تعتمد على السلع المستوردة تتأثر بشكل مباشر بالتباين بين الأسعار الرسمية والموازية. ومع اتساع الفجوة، تضطر الشركات إلى شراء الدولار من السوق الموازي بأسعار أعلى، مما يؤدي إلى زيادة تكلفة السلع المستوردة. وبالطبع، تُمرر هذه الزيادة في التكاليف إلى المستهلكين، مما يؤدي إلى التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة.
علاوة على ذلك، كان من المفترض أن تشجع إصلاحات البنك المركزي على نظام مالي أكثر كفاءة وشفافية. ولكن بدلاً من ذلك، فإن اتساع الفجوة بين الأسعار الرسمية والموازية يزيد من عدم الثقة في النظام النقدي. مع استمرار ارتفاع تكلفة السلع والخدمات، يجد المواطنون أنفسهم في مواجهة تآكل القدرة الشرائية، مما يؤثر سلبًا على نوعية حياتهم.
دور البنك المركزي
يرى العديد من النقاد أن إصلاحات البنك المركزي، بدلاً من أن تحقق أهدافها المرجوة، قد أدت إلى تفاقم المشاكل التي كانت تهدف إلى معالجتها. كانت الأهداف الأولية هي تنظيم سوق العملات الأجنبية في العراق، وتعزيز الاستقرار، وتقليل الاعتماد على السوق الموازي الذي كان يعاني من عدم الكفاءة والمضاربات. ومع ذلك، فإن الفجوة الكبيرة المتزايدة بين الأسعار الرسمية والموازية تثير تساؤلات حول ما إذا كانت الإصلاحات تحقق النتائج المتوقعة.
ومن أبرز الانتقادات هو أن البنك المركزي لم يقم بما يكفي لمعالجة القضايا الهيكلية الأساسية التي تؤثر على سوق العملات. فقد ارتفعت الكميات المتاحة من الدولارات عبر المنصة والبنوك المراسلة، ولكن لم يصاحب ذلك إصلاحات موازية في الهياكل المالية والاقتصادية الأوسع في العراق. وحتى يتم معالجة هذه التحديات الأساسية، يعتقد الخبراء أن الفجوة بين الأسعار الرسمية والموازية ستستمر في التوسع، مما يؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار في الدينار العراقي ويشكل تحديات إضافية أمام الشركات والمواطنين.
الخلاصة
لقد قوبلت إصلاحات البنك المركزي بشأن بيع الدولار بانتقادات كبيرة، وخاصة بسبب اتساع الفجوة بين أسعار الصرف الرسمية والموازية. بدلاً من استقرار الاقتصاد العراقي، ساهمت هذه التغييرات في تفاقم المشكلات الحالية، مما أدى إلى التضخم وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين. ومع استمرار العراق في مواجهة هذه التحديات، يرى الخبراء أنه يجب إجراء إصلاحات أكثر شمولاً لمعالجة الأسباب الجذرية لأزمة العملة، وتعزيز الاستقرار، وتحسين الظروف الاقتصادية للمواطنين العراقيين. وحتى يتم حل هذه القضايا، ستستمر الفجوة بين الأسعار الرسمية والموازية في التأثير بشكل عميق على اقتصاد العراق وحياة مواطنيه.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية