معمر فيصل خولي
بعد الضربات الموجعة التي وجهتها إسرائيل إلى ما يسمى بمحور المقاومة، ربما إدارة ترامب في طريقها إلى استكمال ما بدأته إسرائيل، باحتواء النفوذ الإيراني من خلال تقطيع أجنحته العسكرية الإقليمية التي يعتمد عليها صانع القرار السياسي في طهران في حروبه بالوكالة، أو ربما يعتمد عليها أكثر في أي حرب مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل.
وفي هذا السياق وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارًا تنفيذيًا يعيد تصنيف جماعة الحوثي “منظمة إرهابية أجنبية” وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز: بعد انتهاء عملية تبادل الرهائن، سنستأنف تحقيق أهدافنا المتمثلة في تدمير المحور الإيراني، الذي يضم الحوثيين، وحزب الله، والفصائل العراقية.
ومما لا شك فيه أن هذا القرار سوف يضيق الخناق على جماعة الحوثي، وعلى صانع القرار الساسي في طهران، كونه المصدر الرئيس، في التمويل والتسليح والتخطيط والتدريب لتلك الجماعة. فهذا القرار يعني وضع جماعة الحوثي على قائمة الإرهاب، وستفرض عليها عقوبات أمريكية ودولية.
وقد يكون عام 2025م، عام الحسم مع إيران ووكلائها الإقليميين، لذلك ليس من المستبعد أن يتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارًا مماثلًا في تصنيف الفصائل المسلحة في العراق المرتبطة ارتباطًا عضويا مع إيران على أنها فصائل مسلحة إرهابية. هذا القرار إن صدر سيترك صداه على الداخل والخارج العراقي فهل عام 2025م هو عام الدولة العراقية وعام حصر السلاح بيدها؟
فالمليشيات أو وكلاء إيران في دول المشرق العربي “لبنان والعراق واليمن وسوريا” لم يكونوا أكثر من انتهاك صارخ لسيادة دولهم، وتكريس لحالة عدم الاستقرار السياسي والدولة الهشة أو الفاشلة، ونهب منظم لثروات دولهم، وتأجيج الصراع الداخلي، والتخلص من هذه الحالة الشاذة من تاريخ بعض دول المشرق العربي، ليس مجرد هدف أمريكي وإنما إجماع عربي وإقليمي ودولي. لذلك فهذا المشرق الغني بالثروات والمتنوع دينيًا وثقافيًا وقوميًا، من الصعوبة بمكان أن يُحكم أو يدار من قبل المليشيات.
وربما الذي عجّل في إصدار تصريح الاحتواء الإيراني، التصريحات التي صدرت من قبل كل من المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي والذي قال “إن إيران “تمضي بكل قوتها” في تخصيب اليورانيوم لدرجة نقاء تقترب من المستوى اللازم لصنع أسلحة نووية، مشيرا إلى أن إعلان إيران في الآونة الأخيرة تسريع وتيرة التخصيب بدأت تظهر نتائجه”. وتصريح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي قال فيه “يجب على إيران اتخاذ خطوة نحو تحسين علاقاتها مع دول المنطقة والولايات المتحدة، عبر توضيح أنها لا تهدف إلى تطوير أسلحة نووية”.
قد تجد إدارة ترامب بهذين التصريحين الصادرين من مسؤولين دوليين، مبررًا في استهداف المفاعلات النووية الإيرانية، فخطة الاستهداف ليست خطة وليدة إدارة ترامب الحالية، وإنما تعود إلى عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، ولكن تنفيذ استهداف تلك المفاعلات من قبل أي إدارة أمريكية يرتبط بشكل كبير بمقتضيات المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
ومع تجرع إيران كأس السم الثاني الإقليمي في عام 2024م – بعد تجرعها الأول له في عام 1988م- ربما يتجرع النظام السياسي في طهران في هذا العام كأس السم الثالث وذلك من خلال استهداف مفاعلاته النووية، وربما تذهب إدارة ترامب بالتعاون مع إسرائيل إلى أبعد من ذلك في التعامل مع إيران، ولا تكتفي في استهداف المفاعلات النووية فقط، بل إلى حرب واسعة تستهدف كل المواقع الحيوية وربما إسقاط النظام الإيراني الذي يعد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الأساس في عدم الاستقرار الإقليمي، وبهذا السقوط ستتشكل في الشرق الأوسط بيئة إقليمية جديدة لها حساباتها ومعادلاتها الخاصة، وبهذا السقوط سيكون الشرق الأوسط، ولأول مرة في تاريخه المعاصر أمريكيًا إسرائيليًا، أم أن إيران ستعيد النظر في سياساتها الإقليمية بناء على المتغيرات التي طرأت في المشهد الإقليمي ما بعد السابع من أكتوبر عام 2023م، الذي يعد من أصعب المشاهد الجيوستراتيجية التي عاشها صانع القرار السياسي في إيران، لتجنب المزيد من الخسائر ليس الإقليمية وحسب، وإنما الوجودية للنظام السياسي الإيراني في طهران.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية