الحوثيون منظمة إرهابية بعد أمني وهدف سياسي

الحوثيون منظمة إرهابية بعد أمني وهدف سياسي

أياد العناز

اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارًا سياسيًا ميدانيًا يتعلق بإحدى الأزمات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، واعتبر فيه جماعة الحوثيين (منظمة إرهابية). ويأتي القرار الذي تم التوقيع عليه يوم الأربعاء 22 كانون الثاني 2025 في مساعٍ جديدة للإدارة الأمريكية لمعالجة الأوضاع وإيجاد الحلول لها في منطقة خليج عدن والبحر الأحمر، التي تُعد من المناطق الاستراتيجية والمهمة للتجارة الدولية والاقتصاد العالمي.

وجاء التأكيد الأمريكي من البيت الأبيض في بيان أشار فيه إلى أن الإدارة الأمريكية تدرك حقيقة الأنشطة والعمليات التي تقوم بها جماعة الحوثيين والتي تهدد أمن الموظفين والمدنيين الأمريكيين، وتهدد أقرب شركائنا الإقليميين واستقرار التجارة البحرية العالمية في الشرق الأوسط التي ساهمت في ارتفاع نسبة التضخم الاقتصادي العالمي.

وسبق للرئيس ترامب أن صنف الحوثيين منظمة إرهابية في كانون الثاني 2021، لكن إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن ألغت التصنيف بعد شهر من دخوله البيت الأبيض.

هناك العديد من الأسئلة التي تُثار حول نتائج القرار الأمريكي وآثاره على الأزمة السياسية اليمنية ومستقبل تعامل الإدارة الأمريكية مع الشأن اليمني فهل سيكون عاملًا رئيسيًا في إيقاف النشاطات والعمليات العسكرية للحوثيين وزيادة عزلتها الدولية والإقليمية؟ أم سيكون هناك تصعيد مباشر وأدوات مختلفة تؤدي إلى تغيير في مسار المواجهة القائمة في البحر الأحمر؟

يمكن الاستدلال على الأبعاد السياسية والأمنية لقرار الرئيس ترامب وفق المعايير الميدانية التي ترى أن الحوثيين يشكلون حليفًا رئيسيًا وشريكًا استراتيجيًا لإيران وأداة في تنفيذ المشروع السياسي الإيراني الإقليمي وأنه الفاعل المهم في التحكم بالمعادلات السياسية التي تخدم الأهداف والغايات الإيرانية، وتبتعد عن حالة التوازن مع مصالح الدول الأخرى وتعتمد أسلوب (فائض القوة) في إدارتها للأحداث والتحكم بها في منطقة مهمة للمواصلات والممرات العالمية.

الهدف الأمريكي يأتي في سياق تحجيم قدرة وحركة الحوثيين، واستهداف مواردهم المالية واستثماراتهم الاقتصادية ونفوذهم ومصالحهم الاستراتيجية.

والأهم في القرارات هو جعل إيران أمام حقيقة واضحة في التوجه الأمريكي للتعامل مع أذرعها وحلفائها في المنطقة، عبر إضعاف قدراتهم وإخراجهم من أي معادلات وتسويات سياسية قادمة، كما أن على إيران إعادة النظر في سياستها الإقليمية والانطلاق نحو التعامل الجاد مع أي توجهات ومتغيرات دولية حفاظًا على وجودها ومكانتها السياسية، وترميم وضعها الداخلي ومعالجة أزمتها الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها المجتمع الإيراني، إضافة إلى إيقاف نشاطاتها الخارجية ودعمها للمليشيات والفصائل المسلحة التابعة للحرس الثوري الإيراني.

الرسالة الأمريكية دقيقة في مضامينها وواضحة في توقيتها.
فالسياستُها الإيرانية أصبحت على المحك الميداني، والبرهان على ذلك لا يتلاءم مع إمكانياتها وتأثيراتها، بعد أن فقدت حليفها الاستراتيجي في الجنوب اللبناني وشريكها في الميدان السوري، وتراجع حدود فعاليتها ونفوذها في الساحة العربية.
على إيران أن تدرك مخاطر استمرار علاقتها مع جماعة الحوثيين ونتائج الأفعال التي تقوم بها قيادتهم في مضيق باب المندب والبحر الأحمر وطرق التجارة العالمية فيه.

وجاءت العقوبات الأمريكية بالتزامن مع استمرار الضربات الجوية التي تشنها القيادات العسكرية الأمريكية والبريطانية على مقرات الحوثيين في العاصمة اليمنية (صنعاء) وبعض المدن الخاضعة لسيطرتهم، وهذا يعطي دلالة على استمرار التنسيق الدولي مع جميع حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على قدرات وعمليات الحوثيين، وتنفيذ القرار الذي اتخذه الرئيس ترامب بتوجيه الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لإنهاء علاقتها بكيانات أجرت مدفوعات للحوثيين أو التي غضت النظر عن أفعالهم وتخالف الرأي بمواجهتهم.

ويعيد القرار الأمريكي ثوابت السياسة الأمريكية تجاه الأزمة اليمنية عندما أقر الرئيس ترامب في ولايته الأولى تقديم الدعم العسكري للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، وزيادة مبيعات الأسلحة، وإرسال مدفوعات من أسلحة متطورة تضمنت ذخائر موجهة بالليزر وقنابل خارقة للتحصينات.
كان من أهمها صفقة السلاح التي بلغ مقدارها (110) مليارات دولار، والتي شكلت أوسع خطة لتعزيز التعاون العسكري بين الرياض وواشنطن، إضافة إلى ذلك تضمن التعاون الاستخباري والأمني وتبادل المعلومات، واتخاذ القرارات المتشددة ضد إيران وميليشياتها، واعتماد سياسة الضغط الأقصى في مواجهة التحركات الإيرانية العسكرية وسعيها لتخصيب اليورانيوم بنسب عالية، وتصنيف الحوثيين كإحدى المنظمات الإرهابية في العالم.

إن استمرار سياسة المواجهة مع الحوثيين يعني أن إدارة الرئيس ترامب ستكون أكثر حدة تجاههم إذا لم يلتزموا بالتحذير الأمريكي ويبتعدوا عن عملياتهم في تهديد الملاحة البحرية الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن.
ستعتمد الإدارة سياسة التنفيذ المباشر الفعلي للعقوبات الاقتصادية والسياسية بالتعاون مع حلفائها الدوليين والإقليميين، مع إعادة الضغط المباشر على إيران لتقليص نفوذها في الشرق الأوسط وتقييد دعمها للحوثيين.

وتبقى السياسة الأمريكية قائمة على قواعد ثابتة تتعلق بمصالحها ومكاسبها وسعيها لدور فعال ومؤثر في منطقة الشرق الأوسط، ولهذا فهي لا تزال تتعامل مع الأزمة السياسية اليمنية عبر المملكة العربية السعودية، ولا يوجد لديها تنسيق مباشر مع الحكومة اليمنية الشرعية.

ورغم أن السياسة التي أعلنها الرئيس ترامب في خطاب التنصيب الرئاسي أكدت على إحلال السلام في العالم وإنهاء الحروب والصراعات، إلا أن هذا لا يعني أن إدارته ستكون بعيدة عن أي مخاطر تهدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية أو تستهدف حلفاءها.
ولهذا فهي أمام حالة مزدوجة بين التهدئة والضغط الميداني وفق ما تراه مناسبًا لاستراتيجيتها وأهدافها الدولية.

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة