أياد العناز
أهمية توقيع اتفاقية الشراكة الروسية الإيرانية انها تأتي في خضم متغيرات سياسية تشهدها مناطق عديدة من العالم، اهمها آسيا الوسطى والشرق الأوسط والوطن العربي، عبر العديد من التحالفات والاتفاقيات التي تسارع موسكو في التوقيع عليها مع بعض البلدان التي تقع ضمن الرقعة الجغرافية لهذه المناطق، ومنها خطة التعاون العسكري لعام 2025 التي وقعها وزيرا دفاع روسيا وأوزبكستان لمدة (5) سنوات وتتضمن (50) نشاطًا عسكرياً، إضافة إلى الاتفاقيات المشتركة مع دول ( تركمستان وطاجكستان وكازخستان وقيرغيزستان)، واخرها ما اتفق عليه مع الصين في دعم التعاون الثنائي في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية.
السياسة الروسية لها ابعادها ومسبباتها التي تتفق ورؤية الرئيس بوتين في توسيع دائرة التحالفات مع الدول القريبة من المحيط والفلك الروسي لدعم السياسية الروسية في المنطقة وإدامة زخم التأييد الرسمي والدبلوماسي الذي تبنيه الدول المتحالفة مع موسكو في حربها المستمرة مع أوكرانيا.
حاولت إيران أن تعطي للاتفاقية المشتركة أهميتها السياسية وابعادها الاقتصادية ولكي تبقى حالة التأثير الذي تسعى إليه في اعتمادها دولة إقليمية ولها مصالحها وأهدافها في الدائرة الدولية تحالفها مع دولة كبرى تمثل احد أعضاء مجلس الأمن الدولي ولها امتداداتها وغاياته في مناطق تشترك فيها إيران معها.
ولكن الغالب على هذه الاتفاقية الثنائية بين روسيا وإيران أنها ذات أهداف أمنية دفاعية مشتركة بين البلدين، حيث تتضمن الاتفاقية بنداً يمنع البلدين من دعم أو مساعدة من يعتدي عليهما وكذلك يمنعهما من السماح للاستفادة من أراضيهما لعمل عدواني ضد أي منهما.
ولإيران مبررات عديدة وأهداف ميدانية تتحكم فيها سياستها الخارجية في اعتمادها على حليف استراتيجي ممثلًا بالقيادة الروسية وحليف آخر بأبعاد اقتصادية وتنموية ترسم ملامحه العلاقات الوثيقة مع الصين، ولهذا فإنها تعمل على منح هذين البلدين تنازلات خاصة في قطاع الطاقة والاستثمارات والتبادلات التجارية، وإيجاد مبررات ميدانية لإنشاء ( تشكيل نظام عالمي) بدعم من المرشد الأعلى علي خامنئي.
أن التطورات السياسية والتوجهات الأمريكية والتي أعلن عن بعضها الرئيس دونالد ترامب في الاحتفالية الكبرى التي أقيمت بتسنمه مقاليد القيادة في البيت الأبيض، بسعيه للعمل نحو تحقيق آفاق السلام في العالم وعدم زج أو تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في أي حروب واعتماد التنمية المستدامة أساس في بناء الاقتصاد العالمي والعمل على المشاركة في إنهاء النزاعات العسكرية والأزمات الاقتصادية التي يعاني منها العالم.
هذه الآفاق المستقبلية للسياسة الأمريكية تسبب حرجًا للقيادة الروسية في تعاملها مع إيران باعتبارها عضوًا رئيسًا في مجلس الأمن، فإذا لم يتوافق السلوك والمنهج الإيراني مع المصالح الدولية وسياسات الدول الكبرى وعدم اعتمادها حالة التهدئة والتعامل مع الواقعية السياسية بصورة من الحكمة والرؤية الفاحصة، فإنها ستتعرض إلى عقوبات اقتصادية وهذا ما سيشكل تحدياً لروسيا والتي عليها الالتزام بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي.
ورغم توقيع إيران على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، فإن هذا الأمر لن يمنعها من أي إجراءات دولية تجاه سياستها الإقليمية وتمسكها ببرنامجها السياسي في التمدد والنفوذ واستمرار سياسة ( الضغط على الزناد) الذي تابعته الإدارة الأمريكية وقد تفعله الدول الأوربية اذا لم تصل مع إيران إلى صيغ فاعلة في أي مباحثات و مفاوضات قادمة حول ملف البرنامج النووي الإيراني.
ويمكن الإشارة بصورة دقيقة إلى أن الاتفاقية لم تتضمن بنداً دفاعياً كما في المعاهدات التي سبق وأن وقعتها روسيا مع كوريا الشمالية وبيلاروسيا، مع الأخذ بنظر الاعتبار الدور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط بعد الأحداث التي شهدتها الأراضي الفلسطينية والجنوب اللبناني وسوريا، وضعف وانتكاسة المشروع السياسي الإيراني الإقليمي.
وترى إيران أن وجودها في اتفاقية مشتركة مع روسيا سيحقق لها غاية اقتصادية تعزز فيها محاولتها في التغلب على العقوبات الأمريكية، فالتوجة الروسي عمل على دمج إيران بالنظام الروسي البديل لنظام ( سويفت) للتبادل النقدي الخطوة في تجنب الآثار السلبية للعقوبات الاقتصادية، ثم قيام روسيا بدعم وجود إيران بصفة مراقب في الاتحاد الاقتصادي الاوراسي في كانون الأول 2024 ودخول اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد وإيران حيز التنفيذ.
وتبقى المخاوف الإيرانية قائمة في الأوساط السياسية وفي نظام الحكم بطهران من تكرار تجربة الاتفاقية الشاملة المشتركة للتعاون الاستراتيجي التي عقدت مع الصين في 27 آذار 2021 ولمدة (25) سنة ولم تستفد منها إيران، ولم يتم عقد أي اجتماع للجنة المشتركة الاقتصادية البلدين لحد الآن؟
كما أن هناك خشية أن تنعكس عملية الاتفاقية على زيادة عامل الضغط السياسي والاقتصادي على إيران في مجال برنامجها للطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية وعملية زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60٪ الذي وصلت كمية خزنه إلى (200) كغم ،كلها عوامل تندرج في جوانبها السياسية والعسكرية والتي سبق وأن كانت تمثل احد الجوانب الرئيسية التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية تجاه إيران بعد الدعم العسكري الذي قدمته للجيش الروسي في حربه مع أوكرانيا.
يبقى الفاعل الدولي والإقليمي ومدى تأثيراته على المحيط السياسي والمتغير الميداني في منطقة الشرق الأوسط، عامل مهم في تحديد مديات تنفيذ الاتفاقية المشتركة بين روسيا وإيران وكيفية التعامل مع بنودها وفق الرؤى الاستراتيجية التي تهم مصالح الدولتين.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة