اياد العناز
تبقى منطقة الشرق الأوسط من أهم المناطق في العالم لأسباب عديدة تتعلق بموقعها الاستراتيجي وطرق المواصلات البحرية فيها التي تعتبر الممر الرئيس للتجارة الدولية والاقتصاد العالمي ووجود الطاقة من النفط والغاز التي تشكل ديمومة الحياة وتقدم المجتمعات الصناعية وفيها المرتكزات الأساسية والمصالح العليا للدول الكبرى والإقليمية، وهناك جانب مهم يتعلق بالحالة السياسية التي تعيشها المنطقة في استمرار طبيعة وأدوات الصراع العربي الإسرائيلي والذي اخذ اهتمامًا عالميًا بعد الأحداث التي تلت السابع من تشرين الأول 2024 وما تمخض عنها من مواجهات عسكرية استمرت طيلة (15) شهرًا استهدفت الوجود الفلسطيني، وانتهت بإعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة بين مقاتلي حماس والجيش الإسرائيلي بعد وساطة عربية ومتابعة أمريكية واعلان عن اتفاق يكفل تبادل الأسرى عبر ثلاث مراحل مع إيجاد مفاعيل حقيقية وأدوات ميدانية تشرف بدقة على تنفيذ بنود الاتفاق بين جميع الأطراف.
تزامنت عملية وقف إطلاق النار مع دخول
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبيت الأبيض في ولاية ثانية و متغيرات عديدة على الساحة العربية وازمات تعيشها منطقة الشرق الأوسط والعالم، والتي سبق وأن تحدث عنها ترامب خلال الحملة الانتخابية لرئاسته.
صاحب العمليات العسكرية على الأراضي الفلسطينية أن تصاعدت حدة المناوشات الاعلامية والخطابات الرسمية بين إسرائيل وإيران، بعد العمليات التي استهدفت العمق الإسرائيلي في بعض أهدافه الاقتصادية والعسكرية والتي نفذتها فصائل مسلحة ترتبط بالحرس الثوري الإيراني عبر الأراضي العراقية والسورية أو التي انطلقت من خليج عدن والبحر الأحمر من جماعة الحوثيين التي تتلقى الدعم والمساندة من إيران وحالة المساندة التي أطلقها حزب الله عبر الجنوب اللبناني، وقيام القوات الإسرائيلية بالرد عليها مستهدفة المواقع والقواعد العسكرية والقيادات العليا للحرس الثوري وفيلق القدس الإيراني على الأراضي السورية، ومقر القنصلية الإيرانية في إحدى ضواحي العاصمة السورية (دمشق) في الأول من نيسان 2024، عبر غارة جوية إسرائيلية أدت إلى تدمير المبنى الملحق بالقنصلية الإيرانية المجاور للسفارة الإيرانية، وأسفر عن مقتل 16 شخصًا، بينهم القائد الميداني في فيلق القدس التابع للحرس الثوري. العميد محمد رضا زاهدي وسبعة ضباط آخرين معه، ليأتي الرد الإيراني
في 13نيسان 2024 بإطلاق عدد كبير من الطائرات المسيرة ومجموعة من صواريخ كروز باتجاه إسرائيل، وبعد اتساع المواجهات بين حزب الله اللبناني والقوات الإسرائيلية باستهداف القيادات السياسية والعسكرية والأمنية ومنصات الصواريخ ومخازن الأعتدة والأسلحة الثقيلة والمعدات التابعة للحزب، شرعت القيادة الإيرانية بالتحضير لضربة ثانية في الأول من تشرين الأول 2024 تجاه الأهداف العسكرية في العمق الإسرائيلي ردًا على الخسائر التي لحقت بحليفها الاستراتيجي ودرة تاج مشروعها السياسي الإقليمي حزب الله، لترد إسرائيل بضربة أخرى في 26 تشرين الأول 2024، أصابت فيها
منظومات صواريخ (أرض-جو) ووسائل إنتاج صواريخ أطلقتها إيران على إسرائيل.
ثم توالت الأحداث حتى سقوط نظام بشار الأسد وبه فقدت إيران جسرها البري عبر سوريا إلى لبنان وخسرت استثماراتها الاقتصادية وأدوات مشروعها السياسي على الميدان السوري، والتي شكلت انعطافة كبيرة في أولويات العقيدة العسكرية الإيرانية والأهداف الميدانية للحرس الثوري المكلف بتنفيذ مهمام واهداف إيران في التمدد والنفوذ.
بدأ الرئيس ترامب أول أيامه في البيت الأبيض باصدار القرار الخاص باعتماد سياسة الضغط الأقصى تجاه إيران وزيادة فعالية تنفيذ العقوبات الاقتصادية تجاهها وتطويق عملية تصدير النفط والمواد الخام الأخرى ومراقبة جميع الجهات والأصول التي تتعامل مع إيران ومحاسبتها، وهذا ما زاد من صعوبة الأزمات الاقتصادية وسوء الأوضاع المعيشية التي تعاني منها إيران وتسبب لها الكثير من المشاكل الاجتماعية وإمكانية العودة للاحتجاجات الجماهيرية والتظاهرات الشعبية التي تضعف شرعية الحكم الذي يسعى للتمسك بسياسة قبضة النظام وحماية وجوده، وتحاول الإدارة الأمريكية من إجراءاتها دفع إيران إلى وقف تمددها وتنفيذ سياستها في التدخل بالشؤون الداخلية للدول المجاورة وإيقاف دعمها للمليشيات المسلحة التي تتواجد في بعض عواصم الأقطار العربية التي يتمثل بها النفوذ الإيراني وإيقاف خطواتها المتقدمة في برنامجها النووي وسعيها لامتلاك القنبلة الذرية بزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم وتخزين أجهزة الطرد المركزي مع الحد من نشاطاتها في برنامجي الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، وإلا فإن واشنطن ستدعم إسرائيل في ضرب المنشآت النووية الإيرانية في حالة عدم الاستجابة الإيرانية للشروط الأمريكية ومراحل الدبلوماسية الميدانية التي تتبعها الإدارة الأمريكية الجديدة، ويحاول ترامب في سياسته هذه منع إيران من تهديد إسرائيل وهو ما تحاول أن تتمسك به حكومة بنيامين نتنياهو
لاستخدامه كتهديد ميداني مدعوم امريكيًا، تجعل من إيران اختيار طريق المفاوضات وأن تنتهز هذه الفرصة وإلا فإنها ستتعرض إلى ضربات موجعة تدمر منشآتها النووية وبنيتها التحتية العسكرية، وإيران تدرك كما إسرائيل تعلم أن نسبة كبيرة من الدفاعات الإيرانية قد دمرت وقدرتها على إنتاج الصواريخ الباليستية قد تلاشت نتيجة الضربة الجوية الإسرائيلية التي نفذت في تشرين الأول من العام الماضي، إضافة إلى أن أي عملية عسكرية أو مواجهة ميدانية تعني اتساع الأزمات التي تعانيها إيران والتي تبدو أنها غير قادرة على إيجاد الحلول لها من انخفاض العملة المحلية وزيادة التضخم الاقتصادي والنقص الكبير في امدادات الكهرباء، ولا يمكن لها أن ترى الآفاق المستقبلية لتلافي هذه الأزمات إلا البدء بمفاوضات جادة لرفع العقوبات وإطلاق الأموال المجمدة وعودتها للسوق العالمية للطاقة.
يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للحصول على أسلحة متطورة لتدمير مصانع تخصيب اليورانيوم في منشأتي فوردو ونطنز في إيران لاستحالة تدميرها بأسلحته الحالية، ويرى ان الوقت الأنسب له لزيادة قدراته العسكرية وتحجيم الإمكانيات الإيرانية التي تتوافق وأهداف السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط والوطن العربي، وسيعمل نتنياهو على مسايرة النهج والسلوك الأمريكي الغربي في عدم ضرب إيران إذا ما التزمت بإجراء المفاوضات والتوقيع على اتفاق نوري جديد، مع ادراكه الكامل أن قوة النظام الإيراني تستند إلى امتلاكه الأدوات والوسائل التي حصل عليها من البرنامج النووي وبدونها فإنه غير قادر على المطاولة وإظهار القوة واستخدام التعنت في سياسة الحوار والتفاهم المشترك.
إن إيران تنظر إلى العقوبات الامريكية على أنها تشكل خطرًا على مستقبلها ومدى بقائها واستمرار تأثيرها الإقليمي وتخشى من استمرار سوء العلاقة مع الإدارة الأمريكية التي من الممكن أن تعتمد اسلوبًا فاعلًا بالتعاون مع حلفائها الأوروبيين من أجل تفعيل آلية الزناد المتفق عليها في الاتفاق النووي مع إيران الذي وقع في تموز 2015 والذي سيعيد العقوبات عليها بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي، ولهذا فإنها تتجه إلى توسيع مديات علاقتها مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي والتي تعتبر جزءا من سياستها الاستراتيجية الحالية للتخفيف من الضغوط الأمريكية، وقد تدفعها للتقارب بشكل أوسع مع روسيا وتوسيع علاقتها العسكرية معها وزيادة قنوات الاتصال بينهما وتبادل المعلومات والخبرات الأمنية والمعلومات الاستخبارية، وهي محاولة أخرى في إبعاد تأثير العقوبات الاقتصادية عنها أو استخدامها ورقة في أي مفاوضات قادمة، خاصة وأن الأصوات السياسية الإيرانية بدأت تتعالى في دعوتها لإجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية والانفتاح السياسي على الدول الأوروبية وصولاً لحلول سياسية واقتصادية للازمة الكبيرة التي تعيشها إيران.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة