الشروط الأمريكية نهاية للمشروع الإيراني

الشروط الأمريكية نهاية للمشروع الإيراني

السجال بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران ليس وليدة الإدارة الأميركية الجديدة ولم يكن وصول الرئيس دونالد ترامب للبيت الأبيض بداية لها، وإنما هي حالة متوالية في العلاقة بين الدولتين، لأسباب عديدة منها ما يتعلق بطبيعة العلاقة التي ابتدأت بعملية احتجاز
الرهائن الامريكان في الرابع من تشرين الثاني 1979 وانتهاءًا بانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني في الثامن من آيار 2018 وما تلاها من فرض عقوبات اقتصادية واسعة شملت جميع الاصعدة في مجالات الطاقة والتجارة والتصدير الاستثمارات المالية وتتطور الحال حتى تم فرض سياسة الضغط الأقصى الذي أقرته إدارة الرئيس ترامب بعد توليه الولاية الثانية.
ولكن واقع الحال اخذ انطباعًا ميدانيًا أوسع بعد التوضيح الذي قدمة ترامب حول التعامل مع إيران والذي حدد بموجبه طريقتان إما عسكرياً أو عبر إبرام صفقة، ولكنه عاد وأشر إلى اهتمامه ورأيه بأنه من الأفضل السعي الصفقة سياسية، معللًا ذلك بأنه لا يريد إيذاء إيران وان شعبها شعب عظيم ولكن وضع الملامة على القيادة الإيرانية واصفًا اياها بالشر والقسوة، وحدد ملامح الصفقة باتفاق نووي جديد وفعال مع إيران مع نبرة في التهديد بأن الوقت حان وسيحدث شئ ما بطريقة أو بأخرى، مؤكدًا على الموقف الأمريكي بعدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي، ويتم ذلك أما بأحتوائها أو استخدام القوة العسكرية لمنعها من أبحاثها وتطور عملها في برنامجها النووي والوصول إلى امتلاك القنبلة النووية.
وجاء الحديث عن الصفقة الأمريكية متزامنًا مع التقرير الفصلي الذي اعدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أواخر شهر شباط 2025 والذي أشارت فيه إلى أن إيران ( زادت بطريقة مقللة للغاية مخزوناتها من اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 60 ٪، وترى الولايات المتحدة الأمريكية أن التطور الحاصل في فعالية البرنامج النووي الإيراني سيساعد إيران على استمراره في سياسة الابتزاز والتهديد بتدمير بعض الدول.
وتحاول الصين وروسيا إيجاد عوامل مشتركة لحلحلة الأزمة بين واشنطن وطهران عبر الاجتماعات الثلاثية التي تمت في العاصمة الصينية (بكين) للفترة من 11-13 آذار 2025 والتي أكدت على ضرورة استمرار إيران تعاونها مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووضع جميع ما يتعلق تطورات البرنامج النووي أمام عمل ومتابعة الوكالة في محاولة لتخفيف الضغط على إيران من قبل الإدارة الأميركية، وأعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بأن روسيا ( مستعدة لبذل كل ما يوسعها لحل المشاكل بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بالوسائل السلمية).
وجاء حديث المرشد الأعلى علي خامنئي خلال اجتماعه مع كبار المسؤولين الإيرانيين الذي عقد في 8 آذار 2025 (أن بعض الحكومات تصر على المحادثات.. محادثاتهم لا تهدف إلى تسوية القضايا بل من أجل التأمر على وفرض توقعاتهم، وأن إيران لن تقبل كبح جماح برنامجها الصاروخي)،هذه الانعطافة في حديث المرشد تتحدث عن برنامج الصواريخ البالستية الاستراتيجية بعيدة المدى والتي سبق وان بين انها تمثل العمق الأساسي لحماية الأمن القومي الإيراني، ولكنه لم يتطرق إلى موضوعة البرنامج النووي، ولكنه أعطى تلميح مباشر برفض أي مفاوضات تتم تحت طائلة التهديد والوعيد في إشارة إلى رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن التعامل مع إيران سيكون عسكرياً أو من خلال صفقة تجعل فيها إيران مصلحة شعبها ومصالحها العليا فوق الإرهاب.
وأحست القيادة الإيرانية بتعاظم وصعوبة قبول الشروط الأمريكية حيث أنها مثلت السقف العالي لما تريده الادارة الأمريكية للتفاوض والحوار معها، والتي ترى فيها طهران تنازل كبير وخسارة سياسية باهظة اذا ما أقرت وقبلت بشروط الصفقة السياسية التي تقوم على تقديم تنازلات أساسية في ملفات تتعلق بتفكيك البرنامج النووي وفتح جميع المواقع العسكرية والمدنية أمام فرق التفتيش الدولي، و تفكيك البرنامج الصاروخي أو خفض مديات الصواريخ إلى مستوى 300 كيلومتر فقط، والحد من فعالية سلاح الطائرات المسيرة، وملف النفوذ الإقليمي والمشروع السياسي الإيراني في الشرق الأوسط والوطن العربي.
ومع تصاعد حدة الخطاب الإيراني ومواجهة تحركات الولايات المتحدة الأمريكية واتباع سياسة التعنت وإظهار القوة أمام سياسة الضغط الأقصى الأمريكية، يأتي تصريح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الذي وجهه للرئيس ترامب بقوله ( لن أتفاوض معك حتى تحت التهديد وافعل ما تريد)،والذي لم يتمكن من مواجهة سياسة المرشد الأعلى في إمكانية إيجاد ركائز لمحاولة بدأ التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية.
أن طبيعة السياسة الإيرانية انها تواجه الأزمات بتصعيدها وليس باحتوائها أو معالجتها، وهي بموقفها تجاه واشنطن إنما تريد تحشيد الطاقات البشرية الإيرانية ودعم مواقفها في مواجهة تهديدات الإدارة الأمريكية، مع ادراكها بأن الإيرانيين يعيشون أزمات اقتصادية واجتماعية كبيرة ومعاناة في العيش وارتفاع في نسب البطالة التي وصلت إلى 15٪ وضيق الحصول على أولويات الحياة المعيشية وارتفاع نسبة التضخم إلى 35٪ وسوء الحالة المالية، ويقدر نصيب الفرد الإيراني من الناتج المحلي ب 4،471 دولار،وهي مخلفات وآثار العقوبات الاقتصادية الدولية على إيران، ومع كل هذه الأوضاع المأساوية وسوء الخدمات الأساسية وضعف الإجراءات الحكومية، لا زالت القيادة الإيرانية مصرة على اتباع نمط من العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية رغم علمها بأن الرئيس ترامب جاد في مواجهة أي تطورات قادمة في الميدان الإيراني أو احتواء المشروع الإيراني وضرب ادواتها وشركائه في منطقة الشرق الأوسط.
أن الرسالة الأمريكية هي تعزيز للموقف الأمريكي ولثوابت سياستها في المنطقة واعتمادها جانب الدبلوماسية والحوار للإنطلاق نحو حل الأزمات أو استخدام المواجهة المباشرة وعبر عدة وسائل وأدوات تخدم فيه مصالحها العليا وتؤكد أهدافها وحماية حلفائها وتأمين الجوانب الأساسية في تحقيق السلم والأمن العالميين في منطقة الشرق الأوسط،وهذا ما على إيران ونظامها السياسي ادراكه والعمل وفق مقتضياته وحماية مصالحها وأمنها الداخلي ومصالحها الحيوية في المنطقة.

وحدة الدراسات الأردنية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتجية