الباحثة شذا خليل*
في السنوات الأخيرة، كان العراق يواجه تحديات اقتصادية كبيرة، خاصة في مجال القطاع العام. إن هيمنة الحكومة على الصناعات الرئيسية وعجزها عن تقديم خدمات عالية الجودة وعدم كفاءة شركاتها المملوكة للدولة تكبل إمكانات البلاد. على الرغم من الموارد الطبيعية الهائلة للعراق، فإن تدخل الحكومة في القطاعات الحيوية مثل الاتصالات والبنية التحتية ثبت أنه غير فعال، مما يثقل كاهل دافعي الضرائب ويزيد من تفاقم الوضع الاقتصادي الوطني. تستعرض هذه المقالة ضعف القطاع العام في العراق، وممارسات الاحتكار، وضرورة تمكين القطاع الخاص وتعزيز الاقتصاد السوقي لتحقيق توازن اقتصادي مستدام.
احتكار الحكومة لخدمات 5G
أحد الأمثلة الأكثر وضوحًا على عدم قدرة الحكومة في تقديم خدمات عالية الجودة يظهر في محاولتها السيطرة على قطاع الاتصالات عبر 5G. إن احتكار الحكومة لخدمات 5G يثير العديد من الأسئلة الملحة:
هل الحكومة مؤهلة لإدارة قطاع الاتصالات بشكل فعال؟
هل ينبغي لصندوق التقاعد الوطني أن يكون مشاركًا في مثل هذه المشاريع ذات المخاطر العالية؟
هل يستحق الأمر تعريض أموال ملايين المتقاعدين للمخاطرة في قطاع يعاني من عدم الكفاءة والفساد؟
تسلط هذه الأسئلة الضوء على القضية الأكبر، وهي التدخل الحكومي المفرط في الصناعات التي يمكن أن تكون أكثر كفاءة وفعالية إذا كانت تحت سيطرة الشركات الخاصة. يمكن للقطاع الخاص أن يقدم الابتكار، ويحسن جودة الخدمات، ويعزز المنافسة، وهي كلها عوامل يتم إخمادها عندما تحتكر الحكومة هذه الأسواق. إن عجز القطاع العام عن تقديم خدمات عالية الجودة وبأسعار معقولة كان مشكلة مستمرة في العراق، ومن غير المرجح أن تتحسن هذه الخدمة بمجرد تمديد سيطرة الدولة على التقنيات الحديثة مثل 5G.
لمحة عن معاناة الشركات المملوكة للدولة في العراق
تسلط دراسة نُشرت في عام 2022 من قبل مجلس الأعمال العراقي البريطاني (IBBC) الضوء على واقع الشركات المملوكة للدولة في العراق وتأثيرها على الاقتصاد الوطني. تقدم الدراسة بعض الرؤى الرئيسية التالية:
تسيطر 176 شركة مملوكة للدولة على الإنتاج الصناعي، حيث يعمل بها أكثر من 600,000 شخص، إلا أن البلاد تواجه مشاكل مزمنة مثل رداءة الجودة، وارتفاع التكاليف، وعدم الكفاءة. ومن المفترض أن توفر هذه الشركات خدمات وتحفز النمو الاقتصادي، لكنها غالبًا ما تفعل العكس.
مشاكل الشركات المملوكة للدولة في العراق:
الارتفاع في التكاليف وضعف الجودة: تقدم الشركات المملوكة للدولة خدمات منخفضة الجودة، ويضطر المواطنون إلى دفع أسعار مبالغ فيها مقابل خدمات غير مرضية. هذا يعيق رضا المستهلك والإنتاجية الاقتصادية.
غياب الأرباح: حوالي 80% من هذه الشركات تخسر المال، على الرغم من تلقيها دعماً مالياً كبيراً من الحكومة. إن الاستخدام غير الفعال للموارد يؤدي إلى هدر المال العام، الذي يمكن استغلاله بشكل أفضل في قطاعات أخرى من الاقتصاد.
ارتفاع معدلات البطالة الزائدة: تعاني الشركات الحكومية من البطالة الزائدة، حيث لا يتم الاستفادة من العديد من العمال بشكل فعال. هذه الكفاءة المفقودة تؤدي إلى إهدار الموارد البشرية وتحد من خلق فرص العمل في القطاعات الأكثر ديناميكية.
التأثير السلبي على القطاع الخاص: غالبًا ما تقوم الشركات الحكومية بإزاحة الشركات الخاصة، مما يقلل من قدرتها على النمو والمنافسة. وهذا يحد من إمكانات النمو الاقتصادي الشامل للبلاد ويمنع القطاع الخاص من الوصول إلى إمكانياته الكاملة.
التلف البيئي: العديد من الصناعات المملوكة للدولة تعد من المساهمين الرئيسيين في التلوث البيئي، وتؤدي إلى تأثيرات بيئية ضارة أكثر بكثير من الشركات الخاصة.
السياسة والفساد: غالبًا ما تدار الشركات الحكومية من قبل الأحزاب السياسية، مما يسهل الفساد والمحسوبية وعدم الكفاءة. وهذا يمنع الشركات من العمل على أساس المبادئ الاقتصادية السليمة، مما يزيد من تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد.
فشل النماذج الاقتصادية المركزية: دروس من الماضي
تعتبر تجربة الشركات المملوكة للدولة في العراق تذكيرًا واضحًا بفشل النماذج الاقتصادية المركزية التي تسيطر عليها الدولة. كانت هذه النماذج قد تخلت عنها دول العالم منذ عقود لصالح الحلول المعتمدة على السوق. إن عدم وجود المنافسة وعدم الكفاءة والفساد في الشركات المملوكة للدولة في العراق يعكس النواقص الأكبر في نهج الحكومة في إدارة الاقتصاد.
في وقت يواجه فيه العراق تحديات كبيرة تتعلق بالميزانية والتمويل وسوء الإدارة والفساد، فإن الاستمرار في توسيع دور الدولة في القطاعات الاقتصادية مثل الاتصالات يزيد من الأعباء. يجب أن تركز الحكومة على تمكين تطوير البنية التحتية، مثل بناء الطرق والمطارات والموانئ، من خلال جذب الاستثمارات الخاصة بدلاً من محاولة إدارة هذه القطاعات بشكل مباشر.
الحاجة إلى مشاركة القطاع الخاص وتعزيز الاقتصاد السوقي
يعتمد مستقبل العراق الاقتصادي على التحول من الرأسمالية التي تسيطر عليها الدولة إلى اقتصاد أكثر تحررًا يعتمد على السوق. يمكن للقطاع الخاص، إذا مُنح الحرية والدعم المناسبين، أن يقدم نتائج أفضل من حيث الكفاءة والابتكار وجودة الخدمات. من الضروري أن ينتقل العراق نحو تعزيز المشاركة الخاصة في القطاعات الحيوية مثل الاتصالات والبنية التحتية والصناعة.
جذب الاستثمارات الخاصة: بدلاً من أن تتدخل الدولة في القطاعات التي ليس لديها فيها ميزة نسبية، يجب أن يعمل العراق على جذب الاستثمارات الخاصة بنشاط. هذا سيعزز المنافسة، ويخفض التكاليف، ويحسن جودة الخدمات عبر مختلف الصناعات.
تعزيز السوق الحرة: يشجع الاقتصاد السوقي على تخصيص الموارد بشكل فعال، ويحفز الابتكار التكنولوجي، ويخلق فرص العمل. من الضروري أن ينتقل العراق تدريجيًا نحو إنشاء بيئة تنظيمية حيث يمكن أن تزدهر الشركات الخاصة، بعيدًا عن تدخلات الدولة المفرطة واحتكاراتها.
الخلاصة: الابتعاد عن الاحتكارات واحتضان السوق الحرة
إن استمرار تدخل الحكومة في القطاعات الحيوية مثل الاتصالات والبنية التحتية أدى إلى عدم الكفاءة والفساد وهدر الموارد. من الواضح أن القطاع العام، في شكله الحالي، غير مؤهل للتعامل مع تحديات الاقتصاد الحديث. من خلال تقليص دوره إلى الرقابة التنظيمية والتركيز على خلق بيئة تشجع على نمو القطاع الخاص، يمكن للعراق أن يحقق اقتصادًا ديناميكيًا يلبي احتياجات مواطنيه.
يعد القطاع الخاص والمبادئ الاقتصادية السوقية الخيار الأنسب والأكثر نجاحًا لضمان النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وتحسين جودة الخدمات. حان الوقت لكي يتخلى العراق عن تجارب الدولة الفاشلة في السيطرة على الاقتصاد ويعتمد على إمكانيات اقتصاد السوق التنافسي. فقط من خلال ذلك، يمكن للعراق أن يحقق نموًا مستدامًا ويحافظ على التوازن في مستقبله الاقتصادي
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية