الضربات الأمريكية على الحوثيين شروع للمفاوضات أم بداية للحرب

الضربات الأمريكية على الحوثيين شروع للمفاوضات أم بداية للحرب

جاءت العمليات العسكرية الأمريكية يوم السبت 15 آذار 2025 باستهداف المواقع والمراكز العسكرية والأمنية ومنصات الصواريخ البالستية ومنظمات الدفاع الجوي التابعة لجماعة الحوثيين، لتلقي الاضواء على حتمية القرارات التي اتخذتها إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب والتوجهات الاستراتيجية باستهداف جميع الجماعات والمليشيات الموالية للنظام الإيراني والتي ترتبط بتحالفات وثيقة مع فيلق القدس والحرس الثوري، واتسمت الفعاليات العسكرية بهجوم خاطف ومركز للمباني ومقررات القيادات الميدانية والسياسية التابعة للحوثيين، كونهم يشكلون أكبر تهديد للملاحة البحرية الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن.
وكانت الانطلاقة الأمريكية رسالة سياسية عسكرية للقيادة الإيرانية وتأكيد واضح على المضي في سياسة الضغط الأقصى تجاه جميع الجهات المرتبطة بالمشروع الإيراني الإقليمي وامتداداتها ونفوذها أينما وجدت، وأن على إيران أن تعلم أنه في حالة عدم الركون للمفاوضات بخصوص برنامجها النووي أسلحتها الاستراتيجية في برنامجي الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، فإن المواجهة ستكون قريبة على أبوابها أن لم تكن في داخلها، وأن الخيار الأمريكي سيكون عسكرياً ميدانيًا يستهدف تدمير المنشآت النووية العسكرية والمنشآت المسؤولة عن تصنيع وهيكلية الصواريخ بعيدة المدى، ولكن إذا ما استجابت إيران للمبادرة الأمريكية بوقف أنشطة تخصيب اليورانيوم وتقليص عدد أجهزة الطرد المركزي، فمن الممكن الاتجاه نحو المرحلة الأولى لبدأ المفاوضات، ولهذا كان الهجوم الأمريكي على الحوثيين بوابة على إيران غلقها والبدأ بصفحة جديدة في العلاقات الأمريكية الإيرانية.
وستكون أي محاولات نحو عدم التعامل بشكل جدي مع الرسالة الأمريكية فإن واشنطن جادة نحو تعزيز فعالية العقوبات الاقتصادية وسد المنافذ عن تصدير النفط الإيراني وتصفير جميع العوائد المالية الخاصة بعمليات تصدير الطاقة والتي سيرافقها تأييد دولي بتأثير أمريكي فعال، وهو ما يعني خنق النظام الإيراني من الداخل الذي يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية كبيرة، بل ان الصراعات السياسية بين اقطاب النظام أصبحت ظاهرة للعيان، ومنها ما تم الاعداد له من قبل المتشددين في مجلس الشورى الإيراني باقالة وزيري الاقتصاد والنفط وسحب الثقة منهما، بعد التدهور الكبير الذي شهده القطاع الصناعي وضعف معدلات الاستثمار المالي وتدفق رأس المال للخارج واتساع ظاهرة الهجرة للشباب الإيراني، ثم كانت استقالة محمد جواد ظريف نائب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للسياسات الاستراتيجية والتي كانت مؤشرًا على عمق التوترات والخلافات داخل الحكومة الإيرانية وأعضاء البرلمان الإيراني.
هذه الأحداث الميدانية والصراعات السياسية أضعفت قدرة الرئيس، بزشكيان على التعامل وفق المنظور السياسي الذي أتى به في برنامجه السياسي الذي أعلنه عند أولى مراحل الاعداد للانتخابات الرئاسية الإيرانية بعد حادث مقتل أبراهيم رئيسي بتحطم طائرته بعد عودته من أذربيجان.
الموقف السياسي الإيراني الآن ليس بالقدرة التي كان عليها قبل سقوط النظام الاسدي وتصفية القيادات السياسية والعسكرية التابعة لحزب الله اللبناني وخسارته لنفوذه الأمني في الميدان السوري الذي يعتبره المربع الذهبي لمشروعه الإقليمي،وهو ما جعل إيران تتردد في قبول مضامين الرساله الأمريكية بالتفاوض ووضع حلول جذرية لكيفية رسم ملامح علاقتها الدولية والإقليمية ومدى امكانيتها في التعافي والعودة لدورها، وهي التي دعمت وصول الرئيس مسعود بزشكيان للرئاسة وباشراف المرشد الأعلى علي خامنئي لتعطي صورة عن الانفتاح السياسي لنظامها وسعيها للاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع الغرب الأوربي، ولكن الأحداث وما آلت اليه الأوضاع في سوريا والجنوب اللبناني جعل طهران أضعف قدرة من أن تتحلى بالقوة التي كانت تسعى إليها في أي مفاوضات تتعلق بالبرنامج النووي أو أي متغيرات سياسية في الشرق الأوسط والوطن العربي.
والمتغير السياسي الداخلي الإيراني هو ما افصح عنه الرئيس مسعود بزشكيان من انه كان بصدد التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية لكن بسبب رأي وتوجيه المرشد علي خامنئي بعدم التفاوض ( فإن ليس عليه إلا الامتثال لأوامره).
وجاء المتغير السياسي الأخر الانفتاح الروسي في العلاقة مع إدارة الرئيس دونالد ترامب وما رافقها من ترحيب روسي فيما يتعلق بالنزاع العسكري مع أوكرانيا، والبدأ بلقاءات ومباحثات ثنائية في العاصمة السعودية ( الرياض)، ما جعل النظام الإيراني حذرًا من تطور العلاقة بين موسكو وواشنطن ويخشى من أي موقف قادم لا يكون بمستوى العلاقات التي تربطه بروسيا، أذا ما تعرضت إيران لأي عمل عسكري أمريكي إسرائيلي مشترك، وهو ما تسبب في قيام قيادات النظام العسكرية والأمنية بتعزيز الدفاعات الجوية قرب المراكز والمنشآت النووية، ويرى بعض زعماء التيار المحافظ الإيراني أن روسيا لم تكترث بسقوط بشار الأسد، والذي ترى فيه إيران احد اعمدة اركان مشروعها السياسي الإقليمي.
ويمكن العودة لما قاله الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاتي قبل بدأ الحرب الأوكرانية الروسية (اتفقت روسيا وأمريكا في شأن إيران وأوكرانيا، أي أن روسيا تهاجم أوكرانيا، ومن جانب آخر تهاجم أمريكا إيران، لكنهما سيندمان على هذا الاتفاق).
فهل نرى موقفًا عربيًا من إحدى الدول الفاعلة في المشرق العربي وأقصد هنا المملكة العربية السعودية كونها ترتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لتكون مفتاح حل الأزمة مع واشنطن وطهران والخروج بنتائج تساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط والوطن العربي؟

وحدة الدراسات الدولية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة