إيران بين البقاء أو الحوار مع واشنطن

إيران بين البقاء أو الحوار مع واشنطن

اياد العناز

استقبلت الشعوب الإيرانية السنة الجديدة في 21 آذار 2025 وسط أنباء وتوقعات كبيرة عن عمل عسكري أمريكي يستهدف المواقع الإيرانية النووية والعسكرية والأمنية، بعد الرسالة التي ارسلت للقيادة الإيرانية من قبل الرئيس الامريكي دونالد ترامب، أوضح فيها ضرورة التفاوض حول البرنامج النووي وإيجاد مفاعيل ميدانية لاتفاق جديد يفضي إلى تخلي إيران عن جميع الأدوات المستخدمة في التطور الحاصل في عملية تخصيب اليورانيوم والزيادة في خزن الطرود المركزي الداخلة في صناعة القنبلة النووية، مع إعطاء برنامج الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة مكانة في أي مفاوضات على إيران أن تبدأ بها مع الإدارة الأميركية وإلا فإنها ستتعرض خلال شهرين إلى مواجهة عسكرية تستهدف جميع المنشأت النووية ومراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية ذات الصلة ومواقع ومخازن الصواريخ بعيدة المدى.
أمام هذه التطورات الميدانية والتصعيد السياسي والعسكري والاعلامي، فإن المسؤولين الإيرانيين لا يزالون يبحثون عن آلية حقيقية لكيفية مواجهة التهديدات الأمريكية في ضوء حديث المرشد الأعلى علي خامنئي الذي امتنع عن أي إجراء أي مفاوضات مباشرة، وهو ما صرح به أيضا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان برفض المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن وزير الخارجية عباس عراقجي أكد أن بلاده وبعد الرد الذي سلم لواشنطن على استعداد لإجراء مفاوضات غير مباشرة بعيدًا عن التهديدات الأمريكية، لأن إيران ترى أن إنهاء الملف النووي يعني لها عدم تمكنها من استخدام أي نفوذ ودور حاسم في أي مفاوضات قادمة وهذا يعني أن إيران لا زالت ترى في احتفاظها بحالة من الردع العسكري الذي يساند وجودها على طاولة الحوار مع الإدارة الأميركية،وإلا فإنها ستفقد سياسة التهديد وإظهار القوة وتبتعد عن عملية كسب الوقت.
القيادة الإيرانية تدرك حقيقة التوجهات الأمريكية وأنها بدأت بالتحول من سياسة الرسائل إلى حقائق ميدانية صارمة وأنها تقترب من حافة المخاطرة وأنها تفقد بمرور الوقت قدرتها على المناورة لتجاوز أزمتها السياسية مع واشنطن، وأن تطور الأحداث التي شهدتها منطقة الشرق الاوسط والوطن العربي وخسارة إيران لحليفها الاستراتيجي في سوريا ثم حجم الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بدرة تاجها في الجنوب اللبناني، وما تشهده اليمن من فعاليات عسكرية وحرب أمريكية مستمرة، تجعل من القيادة الإيرانية أكثر شعورًا بخطورة الموقف وتطور الأحداث.
وهذا ما جعل القيادات العسكرية في فيلق القدس والحرس الثوري من مواجهة التصعيد الأمريكي بالإعلان عن الإمكانيات والقدرات العسكرية التي تمتلكها إيران في مواجهة أي ظروف مماثلة قد تفضي لحرب مباشرة، فقد تم الإعلان عن القاعدة الصاروخية الجديدة تحت الارض، وهي عبارة عن مدينة للصواريخ التي عمل عليها الايرانيون وأصبحت مجهزة بالآف الصواريخ الدقيقة،وهو إجراء تواجه به إيران التهديدات الأمريكية وتتظاهر بتوسع قدراتها العسكرية، وهو ما يمثل رسالة للداخل الإيراني أيضًا الذي لم يستطيع المسؤولين الإيرانيين من اعتماد صيغ فاعلة في التعامل مع العمق الإستراتيجي الذي يمثله الداخل الإيراني، بسبب حالة الغرور السياسي للقيادة الإيرانية وأهمالها التعامل مع أبناء الشعوب الإيرانية ومعالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بالمجتمع الإيراني ولم تجعل من الداخل أداة قوية في دعم توجهاتها الخارجية وفشلت في إقناع المواطن الإيراني بدورها ومشروعها السياسي الإقليمي.
ورغم التوجهات الأخيرة للمرشد الأعلى للسلطات القضائية بإنهاء قرار الإقامة الجبرية المفروضة على مهدي كروبي منذ عام 2009 بعد أزمة الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي أعادت محمود أحمدي نجاتي لرئاسة إيران لدورة ثانية، وامكانية قيام المرشد علي خامنئي بتعين محمد جواد ظريف بمنصب مستشار العلاقات الدولية والسياسية بدلًا من على أكبر ولايتي، في محاولة لاحداث تغيير داخلي وكسب الشخصيات المعارضة وبتسخير الزخم الشعبي الذي تمتلكها لصالح النظام الذي يحاول تعزيز الدعم المحلي باستخدام اسلوب المناورة والدعاية السياسية والإعلامية، ولكنه جاء متأخرًا والإيرانيون يدركون ذلك.
أمام الإجراءات الإيرانية صعدت الإدارة الأمريكية من امكانيتها وقواتها في الشرق الأوسط بإرسال مجموعة حاملة الطائرات الضاربة ( يو أس أس كارل فينسون) التابعة للبحرية الأمريكية، إضافة إلى حاملة الطائرات ( يو أس أس هاري أس ترومان) مع وصول 12 طائرة أف 35 من قاعدة هيل الجوية.
تعلم الولايات المتحدة الأمريكية أن القوات الجوية والبحرية الإيرانية لا تتمتع بمواصفات جيدة بل متأخرة عن السلاح الأمريكي وهي لا تشكل أي خطورة أمام الإمكانيات العسكرية الأمريكية.
وهي إشارة واضحة للقيادة الإيرانية أنها قد تخسر ما قامت به منذ عقود زمنية امتدت من سنة 1979 بداية السيطرة على الحكم في إيران بعد سقوط الشاه محمد رضا بهلوي، وضياع إمكانياتها وقدرتها وما تبقى لها من بنية تحتية اقتصادية وعسكرية اذا مارفضت الحلول الدبلوماسية والحوار المباشر.
واستمرار القوة الأمريكية في القضاء على الحوثيين وإضعاف قدراتهم العسكرية وضرب مصالحهم في اليمن، مع استمرار العقوبات الاقتصادية على إيران إنما هي محاولة ميدانية لدفع إيران للجلوس لطاولة المفاوضات، وهو ما أكده الرئيس دونالد ترامب عندما خاطب القيادة الإيرانية بالقول
(منذ هذه اللحظة نعتبر أية طلقة يطلقها الحوثيون تمثل طلقة أطلقها مرشد النظام الإيراني والجمهورية الإسلامية مسؤولة عن ذلك، وستتحمل عواقب هذا التصرف والعقوبة ستكون كبيرة)،وهذا القول يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية عازمة على القضاء على أي فرصة لإعادة نشاطات المليشيات المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.
أن الإدارة الأمريكية من الممكن أن تستخدم علاقتها مع شركاء وحلفاء إيران لتعزيز موقفها وإثبات اصراها على مواجهة النشاطات الإيرانية الإقليمية، عبر الحديث للصين انها على استعداد للتخلي عن الضربة العسكرية في حال وقعت إيران على اتفاق يقلص حجم نشاطها النووي، واعتماد الدور الذي قامت فيه الصين قبل سنتين بتحقيق الاتفاق السعودي الإيراني.
والحديث إلى حلفائها من الأوربين عن الدور الإيراني الذي بدأ بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60٪ وزيادة حجم الخزن المستمر الطرود المركزية، وفقاً لما تحدث به روفائيل غروسي الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية وما تضمنه تقرير الوكالة ( بأن إيران على
أعتاب إنتاج القنبلة الذرية، كونها تمتلك مواد شبه قابلة للاستخدام في صناعة ست قنابل).
لا يمكن إيقاف الضربات العسكرية الأمريكية إلا بقبول إيران للحوار الجاد وإيقاف نشاطاتها النووية وتبويص دورها ومشروعها السياسي الإقليمي، وإدارة الرئيس ترامب تعمل بمسارين دبلوماسي سياسي وضغط اقتصادي وتهديد عسكري لاقناع إيران بالذهاب للحوار الذي يفضي لاتفاق نووي جديد بتخلي إيران عن برنامجها النووي مقابل الحفاظ على بقاء نظامها.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة