” لاريجاني” والقنبلة النووية

” لاريجاني” والقنبلة النووية

معمر فيصل خولي

لم تعد بيئة الشرق الأوسط كما كانت عليه قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023، فقد كانت إسرائيل من أكثر الفاعلين الرابحين من تأثيرات ذلك الحدث، بينما كانت إيران من أكثر الفاعلين خسارة على المستوى الجيوستراتيجي في تقليم أظافرها الإقليمية “هزيمة حزب الله، سقوط بشار الأسد، حصار غزة ومحاولة إسرائيل تفكيك سلاح حركة حماس”، ولا تكتفي إسرائيل بذلك، بل ترغب أيضًا في سبيل الحفاظ على أمنها وتفوقها العسكري بتوجيه ضربة قاصمة إلى إيران بشكل مباشر. ومع مجيء إدارة ترامب المنحازة بشكل مطلق مع توجهاتها الشرق أوسطية، ترى إسرائيل أن فرصتها سانحة في الإجهاز على مشروع إيران النووي والصاروخي، وربما أيضا الإجهاز على نظامها السياسي برمته. وفي سياق التهديدات الإسرائيلية والأمريكية لإيران، وتعزيز الولايات المتحدة الأمريكية تواجد قواتها في مختلف صنوفها العسكرية بالشرق الأوسط، هدد “علي لاريجاني” مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، بأن “إيران ستجبر على التوجه نحو إنتاج القنبلة النووية إذا قامت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بقصفها بذريعة البرنامج النووي”. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق كيف يمكن تفسير هذا التصريح؟
التفسير الأول: يمكن القول إن صانع القرار السياسي في إيران، استفاد من تجارب النظم السياسية المعاصرة، خاصة تلك التي تحدت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، والتي كانت مآلاتها “إما الانقلاب العسكري أو الاحتلال العسكري المباشر كما حدث مع العراق في عام 2003م”.

ولكي لا تتكرر تجربة إسقاط النظام السياسي بالعراق في إيران، عمل صانع القرار الايراني في طهران على إنتاج وامتلاك السلاح النووي فعليا، علي الرغم من نفيه المستمر لذلك. وأما التفسير الثاني، تصريح قصد منه تخويف الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل واجبارهما، على إعادة التفكير في العواقب الكارثية المحتملة لحربهما علي ايران، وإن هذه العواقب لن تقتصر نتائجها الكارثية على إيران، بل ربما يتسع مداها لتطال إسرائيل نفسها والقواعد الأمريكية وحلفائها في الخليج العربي والشرق الأوسط، فعدم التسرع الأمريكي الإسرائيلي في توجيه ضربة للعمق الإيراني قد يهيئ الطريق لإجراء مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة للوصول إلى حل سلمي يجنب الإقليم ويلات الحرب، ويرضي الأطراف المتصارعة ومن أجل ذلك، قد يضطر صانع القرار السياسي في إيران إلى تقديم تنازلات لا يزال يرفضها بشأن برنامجه النووي.

ومع عدم استبعاد التفسير الأول،  أرى أن صانع القرار السياسي في إيران يرجو في قرارة نفسه، أن يتغلب التفسير الثاني على الأول، وهو التفسير الواقعي في العلاقات الدولية، فإيران بعد الهزيمة الجيوستراتيجية التي منيت بها نتيجة تأثيرات السابع من أكتوبر عام 2023م، لم تعد تمتلك الكثير من الأوراق الإقليمية التي تمكنها من مساومة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وكما هو معتاد في السياسة الإيرانية الإقليمية والدولية، كلما زاد الضغط السياسي الدولي والإقليمي على إيران، لجأت إلى خيار إيران الدولة على حساب إيران الثورة في الاستجابة للضغوط الدولية، لكن هل ستنجح إيران في ذلك، كما نجحت في المرات السابقة، لاسيما مع وجود نتنياهو الذي يرى في إدارة ترامب فرصة استراتيجية – قد لا تتكرر- للتخلص من القلق الأمني الإيراني؟

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية