جولة المفاوضات القادمة.. أهداف أمريكية وغايات إيران

جولة المفاوضات القادمة.. أهداف أمريكية وغايات إيران

اياد العناز 

تتجه الانظار جميعها إلى ما ستسفر عنه نتائج ومباحثات المفاوضات الأمريكية الإيرانية التي من المؤمل أن تجري يوم السبت 19نيسان 2025 في العاصمة الإيطالية ( روما) بوجود الوسيط العربي العُماني، وأهميتها أنها تأتي بعد أسبوع من التصريحات والمناكفات السياسية بين الإدارة الأميركية والقيادة الإيرانية التي لا زالت متمسكة بالأهداف والغايات التي تسعى إليها الدولتين.
النظرة التفاؤلية كانت في طيات الأحاديث التي أدلى بها المسؤولين من كلا الطرفين، ولكن إيران توقفت عند هذه النقطة الحساسة، فهي أعطت فسحة من التشاؤم وعدم الاطمئنان السياسي لموقف الولايات المتحدة الأمريكية ولكنها متمسكة بقدرتها الداعية في تحقيق غايتها من المفاوضات، وهذا ما تحدث به المرشد الأعلى علي خامنئي واعتبر رغم حالة التشاؤم أن الوفد الإيراني المفاوض قد عمل على تنفيذ الخطوات الأولى من المباحثات بطريقة جيدة، وهو خطاب موجه للداخل الإيراني لاقناعه بقدرة النظام على تسير المفاوضات بشكل يحافظ على إيران ويمنح نظامها قدرًا من الإستمرار.
رغم أن القيادة الإيرانية تعلم حقيقة ما تمر به البلاد من أزمات اقتصادية واجتماعية وأن الأوضاع المالية تشهد حالة من الانهيار وتضخم مالي كبير يبلغ 37٪ مع عدم إمكانية توفير المواد الأساسية للمواطنين من المياه والكهرباء والوقود وانخفاض واسع في العملة المحلية وعدم تمكن الاقتصاد الإيراني من الوصول إلى الأسواق العالمية بسبب التفعيل المباشر لسياسة ( الضغط الأقصى) الذي فرضته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
تنعقد الجولة الثانية والجانب الأمريكي يعمل على تعزيز القدرات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط بارساله قطعاً بحرية ومقاتلات حربية من نوع ( بي 52) و( بي 2) في تصعيد واضح لزيادة الضغوط السياسية على المفاوض الإيراني الذي يعلم حقيقة التوجه الأمريكي في ضرورة الالتزام بالحوار الدبلوماسي والخطوات السياسية التي تتلائم والشروط الأمريكية بتفكيك البرنامج النووي الإيراني ومناقشة الأبعاد الميدانية للمشروع السياسي الإيراني.
ويمكن الاستدلال على هذا الاستنتاج السياسي بعقد الرئيس ترامب اجتماعًا موسعًا لغرفة العمليات بالبيت الأبيض ودراسة الآفاق المرحلة وكيفية التعامل مع إيران في الجولة الثانية بما يخص برنامجها النووي، والذي عبر عن المبعوث الشخصي للرئيس الأمريكي ( ستيفن ويتكوف) في مقابلة إعلامية مع قناة ( فوكس نيوز) بقوله أن اساس التفاوض يتعلق بالتحقق من برنامج التخصيب، ثم التحقق في نهاية المطاف من التسلح ويشمل الصواريخ نوعيتها وكمية خزنها.
واضح أن الولايات المتحدة الأمريكية قد وضعت أسس وخطوات متوالية ومتعددة الاتجاهات لرسم ملامح اتفاق جديد للبرنامج النووي الإيراني ومواجهة مشروعه التوسعي في المنطقة.
إيران، تتابع بدقة ما يصدر عن الإدارة الأميركية وتستبق جولة المفاوضات القادمة بتصريحات إعلامية ورسائل موجهة، تصر فيها على إبقاء مخزونها من اليورانيوم المخصب لديها وعدم نقله إلى أي جهة أو دولة أخرى وأن يكون تحت إشراف مباشر ودقيق من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واعتبرت مناقشة هذه النقطة بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم ( ليس موضع تفاوض مع الولايات المتحده)، واعتبر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن التناقض واضح في معاملة واشنطن لبلاده وان سياسة الضغط وفرض الإملاءات لن تؤدي إلى أي نتيجة.
تحاول القيادة الإيرانية مواجهة الشروط الإيرانية وتعزيز دورها في الجولة الثانية عبر قيامها بالاتصال بحلفائها وشركائها الدوليين في موسكو وبكين لشرح موقفها وما ستؤول إليه المفاوضات القادمة مع الإدارة الأميركية، ولهذا جاء الاعلان عن زيارة عراقجي لروسيا في ظل التطورات الميدانية ومناقشة عدة مسائل مهمة تتعلق بالمحادثات الأمريكية الإيرانية التي جرت في العاصمة العُمانية ( مسقط) وإمكانية الحصول على تأييد دولي لخطواتها مع الولايات المتحدة الأمريكية.
تدرك إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الهجمات الإسرائيلية والأمريكية والتي حدثت في السنه الماضية تجاه العمق الإيراني، قد تسببت في تراجع قدرات الدفاع الجوي ومنظومة الصواريخ، وهو الأمر الذي يشكل حالة من الاخفاق الميداني الذي يعد أمرًا مهمًا تعلمه إيران ولا تجد لها طريقًا تبتعد فيه عن أي ضربات عسكرية محتملة إلا قبول المفاوضات والحفاظ على نظامها السياسي من السقوط والانهيار،واعتماد المرونة السياسة في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي تعصف بالمجتمع الإيراني وسوء الحالة المعيشية التي تمر بها الشعوب الإيرانية، ومهما حاولوا تدارك الأوضاع باستخدام سياسة إطالة الوقت، إلا أن ثبات الموقف الأمريكي واضح في الرسالة التي وجهت للمرشد الأعلى علي خامنئي مطالبة باتفاق نووي جديد يعكس عملية التفكيك المرحلي له وعدم دعم المليشيات والفصائل المسلحة التابعة للحرس الثوري الإيراني.
ستكون الجولة الثانية أكثر وضوحًا فيما يتعلق بعقد جولة ثالثة وهو ما تسعى إليه إيران والتمسك بثوابتها في الحفاظ على نظامها وبقائها سلطتها السياسية وادامة تأثيرها الإقليمي، وهذا سوف لا يتم إلا بتقديم تنازلات تتعلق ببرنامجها النووي وايجاد مساحة للتعامل مع أسلحة المواجهة من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة ومشروعها السياسي الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، وهذا ما سنلاحظه عبر الايام القادمة وما ستؤول إليه مفاوضات الجولة الثانية والموقف الأمريكي من الطروحات الإيرانية.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة