تركيا … حل الكوردستاني وتحدي التنفيذ

تركيا … حل الكوردستاني وتحدي التنفيذ

معمر فيصل خولي 

في مؤتمره التاريخي الذي عقد مطلع مايو الجاري، استجاب حزب العمال الكردستاني إلى دعوة قائده التاريخي عبدالله أوجلان والمتمثلة في حل الحزب وإلقاء السلاح وإنهاء العنف السياسي ضد الدولة التركية. يأتي هذا القرار التاريخي بعد عقود من العنف خلفت الكثير من الخسائر المادية والبشرية.
إذا كانت هذه الاستجابة مبنية على قناعة سياسية فهذا يعني أن باب المصالحة التاريخية بين الدولة التركية وأكرادها قد فتح ولن يغلق إلا باتمامها من خلال الاعتراف بالحقوق الثقافية والسياسية لأكراد تركيا. فهذه المصالحة تعني أيضَا بأن الدولة التركية بعد عقود من الصراع المسلح طوت صفحة من صفحات مصادر قلقها الاجتماعي والتي رافقتها منذ نشأتها المعاصرة ألا وهي المسألة الكردية. وتحسب هذه المصالحة في المقام الأول لحزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية التركية، وتعد من أهم انجازات الدولة التركية في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، فهو يريد أن ينهي مسيرته السياسية بإنجاز تاريخي يقدمه إلى الشعب التركي، وبهذا الانجاز تبدأ تركيا عهد جمهوريتها الثانية بثقل داخلي وإقليمي لا يستهان به. ولكن كما يقول القول المأثور “الشيطان يكمن في التفاصيل” وقد يكون هذا الشيطان دولة إقليمية أو اكثر ترى في تلك المصالحة ما يهدد مصالحها ومكانتها الإقليمية. فكما هو معروف أن حزب العمال الكردستاني الذي تأسس في عام 1978م، كهيكل تنظيمي موحد، فهو حاليا لا يمتلك هذه الميزة ، فالحزب ولظروف سياسية مرت بها المنطقة أصبح لديه أكثر من جناح سياسي وعسكري وكل جناح مرتبط ارتباطا مباشرا بدول اقليمية ودولية حيث تتضارب المصالح والمواقف. وعلى سبيل المثال فايران تعد من أكثر الدول تضررًا من استجابة حزب العمال الكردستاني لدعوة قائده التاريخي في القاء السلاح، لذلك قد تعتمد على بعض كوادر الحزب المرتبطين بها ارتباطًا وثيقًا بالحرس الثوري الايراني للعمل على تخريبه ، فكما في العراق هناك فصائل ولائية تعمل لصالح إيران ففي حزب العمال الكردستاني ايضا كوادر ولائيين سياسيا لايران. لكن على هذه الكوادر أن تعي بشكل عميق أن مصلحة أكراد تركيا بالمصالحة التاريخية مع الدولة التركية وليس مع تحالفاتهم الإقليمية التي لم تخدم مصالح أكراد تركيا، ويدركون أيضًا بشكل عميق بأن انفصال أكراد تركيا عن الدولة التركية من الخطوط الحمر في السياسة الداخلية والخارجية لتركيا، وأن الدولة التركية لن تتوانى باستخدام القوة العسكرية أو الدخول في حرب لمنع قيام تلك الدولة، لذلك تقع على قادة الحزب مسؤولية سياسية وأخلاقية في ألا يكونوا ورقة إقليمية في يد هذه الدولة أو تلك ، وأن يكونوا جزءًا اصيلًا من الدولة التركية المعاصرة. فهذه فرصة تاريخية للمصالحة ونبذ عقود من الموت والدمار والقتل وأن يكونوا جزء أصيلا في بناء الدولة وليس عاملا في تقويضها.
خلاصة القول إن استجابة حزب العمال الكردستاني لدعوة قائده التاريخي، استجابة تاريخية، وهذه الاستجابة لن يقتصر تأثيرها على الداخل التركي بل ستمتد إلى دول الجوار وفي مقدمتها سوريا والعراق اللذين عانيا الكثير من ويلات صراع الدولة التركية مع حزب العمال الكردستاني الذي اتخذ من جبال قنديل العراقية مقرًا له. ما نرجو أن يكون قرار الحزب حقًا، قرارا تاريخيا نابعًا من مراجعة سياسية صادقة لوضع حد للعنف السياسي في تركيا، للتوجه نحو المستقبل.

وحدة الدراسات التركية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة