تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية… تبعد المفاوضات أم تقرب نهايتها؟

تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية… تبعد المفاوضات أم تقرب نهايتها؟

اياد العناز 

تزامنًا مع الاعداد لموعد الجولة السادسة للمفاوضات الأمريكية الإيرانية، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتاريخ 31 آيار 2025 تقريرًا مفصلًا عن النشاطات النووية التي تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني والآليات التي اتبعها المسؤولين الإيرانيين في الوكالة الوطنية الإيرانية في تفعيل نسب تخصيب اليورانيوم وما يتعلق بالطرود المركزية والمواد الانشطارية وبعض من الفعاليات غير المعلنة في أماكن مختلفة على الأرض الإيرانية.
جاء التقرير الذي حرصت على اصداره وتوثيقه الولايات المتحدة الأمريكية للاستفادة منه في المناقشات الجارية عبر جولات الحوار الخاصة بالنشاطات الإيرانية الخاصة بتخصيب اليورانيوم، وكذلك دول ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) التي تسعى إلى تعزيز دورها السياسي والرقابي في معرفة مديات التزام إيران بما اتفق عليه في اتفاقية العمل المشتركة الشاملة التي وقعت في تموز 2015.
اعطى التقرير معلومات دقيقة وبيانات إحصائيات موثقة عن الأنشطة النووية والفعاليات الإيرانية التي تم اخفائها عن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنها ما يتعلق بوجود مواد نووية وأنشطة تتعلق بالمجال النووي في ثلاثة مواقع غير معلنة وهي ( لافيسان-شيان ورامين ومريوان) مع مواقع أخرى محتملة ذات صلة كانت جزءًا من برنامج نووي منظم غير معلن حتى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين واستخدمت بعض الأنشطة مواد نووية غير معلنة.
أن هذا الاعلان يفصح عن مخالفات اقدمت عليها إيران دون مراعاة لعلاقتها مع الوكالة الدولية أو التزامها بتعهداتها التي وافقت عليها عند الاعلان عن اتفاقية البرنامج النووي الإيراني في تموز 2015 والذي تنص فقراته على عدم قيام الجانب الإيراني بأي عمليات وأنشطة تتعلق بتطوير فعالية برنامجها النووي وان تكون جميع الأنشطة العلمية والتقنية النووية تحت مظلة المراقبة والمتابعة الميدانية لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وسبق لإيران وأن امتنعت عن تقديم أي إجابات تقنية موثوقة بشأن المواقع غير المعلنة، وهو الأمر الذي أدى إلى مطالبة مجلس محافظي الوكالة في تشرين الثاني 2024 من قبل الدول الأوربية الموقعة على اتفاقية 2015 بتقديم تقرير شامل وفق المعلومات التي توفرت لها لمعرفة مدى التقييمات العلمية النووية الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني.
توصلت نتائج البحث والتقصي التي اقدمت عليها الوكالة الدولية إلى أن إيران زادت مخزوناتها من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 في المائة في شكل “هكسافلوريد اليورانيوم” بمقدار 133.8 كيلو غرام، لتصل إلى 408.6 كيلوغرام.
طبيعة النسب التي أشار إليها التقرير تجعل من موقف إيران في جولات التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية أكثر تعقيدًا وتُمكن المفاوض الأمريكي من التمسك بشروطه بل السعي الحثيث للاصرار على منع إيران من تخصيب اليورانيوم وتفكيك برنامجها النووي بشكل يعيد المباحثات إلى بدايتها ويزيد من حالة عدم الثقة بين واشنطن وطهران، كما وأن الاحصائيات العددية تشكل مؤشر فعلي على النوايا الإيرانية باستخدامها لعملية الخزن ليس في ابحاثها العلمية بل تتعداها لانشطتها النووية وفعالياتها العسكرية.
ولهذا جاء الرد الإيراني من قبل الوكالة الوطنية للطاقة الذرية في بيانها الذي أعلنته للاعلام والصحافة فور إطلاق تقرير الوكالة الدولية بالقول ( أن الاتهامات تركزت على مزاعم بوجود مواقع أو أنشطة نووية غير معلنة تعود إلى عقود مضت)، ثم أوضحت أنها لا تملك أنشطة نووية غير مصرح بها، وسبق وأن قدمت كل التوضيحات والمعلومات المطلوبة للوكالة بشأن المواقع المذكورة، وتحاول إيران من بيانها أن تسعف موقفها أمام الرأي العام العالمي والدول الأوربية والغربية وتعزيز دورها في المفاوضات الجارية وجولات الحوار السياسي الدبلوماسي مع إدارة الرئيس دونالد ترمب.
وسوف لا تتمكن إيران من توسيع دائرة احتاجها ورفضها لتقرير الوكالة الدولية بعد المعلومات الموثوقة والأدلة الثابتة التي أعلنها التقرير باشارته إلى (أن إيران احتفظت بمواد نووية مجهولة ومعدات شديدة التلوث ناتجة عن البرنامج النووي الهيكلي السابق غير المعلن عنه في توركوز اباد في الفترة من 2009 حتى 2018)، اضافة إلى وجود ( حوالي 42 كيلو غرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% كاف من الناحية النظرية إذا ما تم تخصيبه أكثر لإنتاج قنبلة نووية، كذلك فإن 125 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة نقاء 20% كاف نظريا، إذا تم تخصيبه أكثر، لإنتاج قنبلة نووية).
تعتبر هذه الاحصائيات والمعلومات الفنية ذات الأبعاد التقنية والأنشطة النووية كفيلة باعتبار إيران غير ملتزمة بأي اتفاقيات أو حوارات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بل أنها تؤكد وعمليًا اخفائها العديد من أنشطتها ومخالفاتها لكل تعهداتها وفقدانها للثقة المشتركة مع الدول الأوربية الراعية لاتفاقية العمل الشاملة المشتركة سنة 2015، وأنها لا زالت مستمرة في عملية تسريع وتيرة إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ القريبة من مستوى 90٪ والتي يمكن استخدامها للفعاليات العسكرية.
سعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية لدعوة إيران في العديد من حواراتها ولقاءتها وبحضور رئيس الوكالة رافائيل غروسي على التعاون المشترك وتسهيل مهمة مفتشي الوكالة واعداد البيانات والمعلومات الدقيقة عن كل ما تتم مطالبتها بها والمساعدة في تحقيق الرقابة الشاملة ونصب كاميرات المراقبة حيث المواقع والمنشآت النووية الإيرانية، ولكن المسؤولين الإيرانيين تغاضوا عن عديد هذه الالتزامات والعهود وسارعوا إلى زيادة وتيرة إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ وغايتهم وأهدافهم الوصول بها إلى نسب مرتفعة أخرى بشكل يتناسب وطموحاتهم ورغباتهم السياسية والعسكرية.
أتى التقرير الدولي في ظروف خاصة وأوقات عصيبة تتطلب موقفًا صريحًا من الأنشطة النووية الإيرانية في ضوء المفاوضات وجولات الحوار التي عقدت بين واشنطن وطهران ابتداءًا من الثاني عشر من نيسان 2025 ولا زال العمل جاري لتحديد موعد لجولة قادمة هي السادسة في التسلسل المعتمد بين الطرفين، كما وأن التقرير ناقش جميع الأنشطة والفعاليات التي ترى فيها الوكالة انها تعني خروجًا عن كل التعهدات والالتزامات الإيرانية، مما يضعف موقف طهران اقليميًا ودوليًا ويزيد من سياسة الضغط الأقصى التي تتبعها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة