اياد العناز
علم العلاقات الدولية في العمل السياسي ودبلوماسية الحوار وجلسات المفاوضات يشير إلى أن من أولويات استمرار اللقاءات مع الدول التي تختلف في أرائها السياسية ومواقفها الدولية وتصل إلى حد المواجهة المباشرة عبر الخلاف الفكري والعقائدي أو الفهم المشترك لطبيعة العلاقات بينهم التي قد تؤدي إلى الاصطدام أو اللجوء إلى اسلوب الضغط الاقتصادي والتلويح بالعمل العسكري، فأن من موجبات إدامة الحوار وجود إستراتيجيات تكون أدوات جاهزة ووسائل فاعلة في إدارة دفة الحوار للوصول إلى شاطئ التفاهم القائم على تحقيق الغايات والأهداف ذات القاسم المشترك بينهم.
وهذا ما وجد وحصل عبر جولات المفاوضات الأمريكية الإيرانية التي عقدت منذ الثاني عشر من نيسان 2025، حيث برزت أهمية اعداد البدائل السياسية أو التصورات الميدانية لمعالجة أي اخفاق أو انهيار في جلسات الحوار بين واشنطن وطهران، حيث قامت القيادة الإيرانية بتأطير عملها وفق منهج سياسي قائم على الالتزام بمواعيد وإمكان عقد الجولات الحوارية والتمسك بها وعدم مغادرتها أو الامتناع عن حضورها لأنها الأداة والاسلوب النافذ الذي يوصل إلى رفع العقوبات الاقتصادية وهو الهدف الأسمى والغاية الكبرى التي تسعى إليها إيران.
تتمحور آفاق الاستراتيجية الإيرانية في إدارة المفاوضات مع الإدارة الأميركية عن إيجاد الوسائل الفاعلة في اقناع واشنطن بتحديد رفع تدريجي لنسب تخصيب اليورانيوم والحفاظ على ديمومة استخداماتها في الجوانب العلمية ذات النشاط السلمي مع توسيع دائرة إيقاف ركائز وأسس سياسة الضغط الأقصى الذي تمثله إدارة الرئيس ترامب بموازاة التصرف والتوجه الأوربي في التهديد باستخدام سياسة آلية الزناد وإعادة تفعيل العقوبات الاقتصادية تجاه إيران من قبل دول ( ألمانيا وبريطانيا وفرنسا) والسعي للاقتراب من العتبة النووية دون تجاوزها على أن تكون ضمن الحدود التي تتسم السلمية لأنها تمثل لطهران حالة معنوية وثبات في الرأي وتعزيز لمواقفها السياسية تجاه الداخل الإيراني، ورصد التحولات السياسية والمتغيرات الميدانية في الشرق الأوسط والوطن العربي عبر تنشيط ما تبقى لإيران من حلفاء وشركاء يمثلون فصائل مسلحة مليشيات مدعومة من القيادات العسكرية والأمنية في فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني عبر التواجد الميداني لجماعة الحوثيين على الأرض اليمنية أو لعناصر حزب الله في الجنوب اللبناني وبعضًا من المليشيات في الميدان العراقي، والتي ترى إيران أنها لازالت تمتلك إمكانية تحريكها بما يخدم المشروع السياسي الإيراني الإقليمي والتأثير على طبيعة وسير المفاوضات عند مناقشة جميع الملفات، وتحديد استراتيجية فاعلة باعتماد الهدوء وتقبل الشروط الأمريكية والابتعاد عن أي تهديد قد يحصل في المنطقة قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، مع الأخذ بنظر الاعتبار بعض التصريحات التي تصدر من حسين سلامي قائد الحرس الثوري والتي تدعو لمواجهة أي اعتداء خارجي أو الضغط المستمر الذي يجعل المفاوض الإيراني يقبل بأي تنازلات من أجل رفع العقوبات وإعادة إيران لدورها السياسي، أو التلويح بتغيير العقيدة النووية كما تحدث عنها على لاريجاني مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي للشؤون السياسية.
تعلم إيران جيدًا أن هناك توجهات من إدارة الرئيس دونالد ترامب تعمل باتجاه تحديد ليس نسب تخصيب اليورانيوم فقط وإنما السعي لتحديد مديات الصواريخ الباليستية لتكون بعمق 200 كم والعمل على توجه السياسة الإيرانية نحو الداخل والابتعاد عن مشروعها السياسي وآفاقه الميدانية التي تبتعد عن الجغرافية الإيرانية، وهي الشروط الرئيسية التي يراها المفاوض الإيراني أنها تمثل له وثيقة استسلام وخضوع تام بل تسليم كامل لقدرات إيران الدفاعية والعلمية والتقنية وهي ما تجعل موقفه يواجه العقبات السياسية في كيفية اقناع شعوبهم التي طالما استمعت إليهم وانصت لكثير من خطاباتهم الشعبوية التي تنتقد الولايات المتحدة الأمريكية وتصفها بالشيطان الأكبر والعدو الرئيسي لمشروع الدولة الإيرانية.
وتدرك القيادة الإيرانية إن السياسة التي اعتمدتها إدارة الرئيس جو بايدن في عدم التصعيد تجاهها لا يمكن حدوثها في زمن الإدارة الأميركية الجديدة بل أن هناك إصرار تام على تنفيذ العقوبات في أقصى درجاتها واعتماد صيغ فاعلة للتأثير على الاقتصاد الإيراني بمنع تصدير النفط والغاز ومعاقبة جميع الأطراف الدولية والإقليمية التي من الممكن أن تتعامل مع إيران وتحاول مساعدتها أو إدامة علاقتها المالية والاستثمارية معها،
وإيران أمام خيار سياسي أم بقاء نظامها السياسي أو الاحتفاظ ببرنامجها النووي، ولا شك أن القيادة الإيرانية ستعمل على معالجة الأمور وفق منظورها واستراتيجيتها القائمة على سياسة قبضة النظام والحفاظ على ديمومته وإيجاد السبل التي تتعامل فيها حول تفكيك برنامجها النووي من أجل التمسك بالمصلحة السياسة في تحقيق أهدافها وسلامة نظامها ومنافعها ومكاسبها الدائمة، وهذا التوجه يلقى قبولًا ضمنيًا من قبل قيادات سياسية في أروقة النظام وقيادات أمنية وعسكرية في الحرس الثوري كونه يحفظ لهم مصالحهم وهيمنتهم على مقاليد الحكم والسلطة وابقاء ميزان القوة يعمل لصالحهم، وهذا ما تعلمه بشكل واضح وملموس الادارة الأمريكية وتعمل على تفعيله في جولات المفاوضات التي عقدت بينهما،ويمكن قراءة تصريح وزارة الخارجية الأمريكية بتاريخ 29 آيار 2025 حول المفاوضات مع إيران أنها (حققت تقدمًا وفق شروط ترامب بعدم امتلاك سلاح نووي أو تخصيب لليورانيوم).
وجاء تصريح الخارجية الأمريكية متوافق مع ما تحدث به محمد إسلامي رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية باستعداد طهران لقبول مفتشين أميركيين في منشأتها النووية ضمن مهام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي ما كانت ترفضه وترى فيه خرقًا لامنها القومي من قبل دول غربية معادية لها، وهي الرسالة التي ترغب إيران في ايصالها للإدارة الأمريكية بحرصها على استمرار المفاوضات وعقد الجولة السادسة من المحادثات بشأن استكمال ملف البرنامج النووي الإيراني وباقي الملفات الرئيسية الواردة في رسالة الرئيس ترامب للقيادة الإيرانية.
ويأتي التوجه الإيراني في قبول التفتيش من قبل الوكالة الدولية في ضوء المبادرة والحلول التي قدمتها سلطنة عُمان بوقف تخصيب اليورانيوم ضمن محددات معينة ومدة زمنية مقدرة للوصول إلى اتفاق بين واشنطن وطهران، وبغية إعطاء دور فاعل للوكالة الدولية للطاقة الذرية للقيام بواجباتها وفق منظور إثبات حسن النوايا وتعزيز الثقة مع الإدارة الأمريكية ودعم لما وصفه رافائيل غروسي رئيس الوكالة الدولية بقوله ( أن المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة مستمرة وهذا مؤشر إيجابي) داعيًا المسؤولين الإيرانيين للتعامل الدائم بشفافية دائمة والتمسك بقولهم أن السلاح النووي مخالف للشريعة الإسلامية وهذا ( تصريح أقدره ولكن في هذا المجال يجب إثبات ذلك ويجب التحقق منه).
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتجية