الانتخابات والتجربة الحزبية في العراق

الانتخابات والتجربة الحزبية في العراق

معمر فيصل خولي

في الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، العراق على موعد مع الانتخابات النيابية، وهي سادس انتخابات نيابية في مرحلة ما بعد نيسان/إبريل عام 2003م.من جهتها، أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات النيابية مشاركة 118 حزبا و25 تحالفا سياسيا و18 قائمة حزبية، في حين لا يزال 60 حزبا و11 تحالفا في طور التأسيس. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق ماذا تعني هذه الأرقام المتضخمة في التجربة الحزبية العراقية بعد أكثر من عقدين على تغيير النظام السياسي في الدولة العراقية؟

 تعني هذه الأرقام، أن تجربة الحزبية في العراق فشلت في جعل الأحزاب السياسية ذات مظهر حقيقي من مظاهر الحياة الديمقراطية للدولة العراقية، كما فشلت التجربة الحزبية أيضًا في إيجاد عدد منطقي من الأحزاب الرئيسية ذات برامج وطنية قابلة للتطبيق تمتلك قواعد جماهيرية على مستوى الدولة العراقية، كما فشلت هذه الأحزاب في إنتاج قيادات وطنية وقادة رأي عام.

 تلك الأرقام المشار إليها آنفًا، والتي تنوي المشاركة في الانتخابات النيابية،  تنظر إلى السلطة التشريعية الممثلة بمجلس النواب ليس إلا مكانًا لاقتسام غنائم ومقدرات الدولة العراقية والصراع عليها تحت قبة مجلس النواب.

كما أن هذه الأرقام تعني أيضَا أن التجربة الحزبية في العراق لا تزال أسيرة الاستقطابات ذات البعد القومي والطائفي والمذهبي وأسيرة أيضَا الولاءات السابقة على نشوء الدولة. والخاسر من هذه الاستقطابات المواطن العراقي والدولة العراقية.

هذا الاستقطاب الحاد وصراع المرشحون على المكتسبات التي سيجنوها من عضوية مجلس النواب العراقي جعل السلطة التشريعية في العراق لا تقوم بالمهام الموكلة إليها بشكل جدي وفاعل ولعل من أهم تلك المهام تشريع القوانين بما يخدم الدولة والمجتمع العراقي ومراقبة اداء الحكومة ولاسيما في مجال مكافحة الفساد والتصدي له بكل قوة دستورية، لكن هذه المهام وخاصة في مكافحة الفساد تكون تكون مغيبة تمامًا عنه.

والدليل على ذلك أن وحش الفساد المالي والإداري استشرى بالعراق بشكل لا يطاق في مرحلة ما بعد عام 2003م، فقد صُنف العراق ضمن الدول الأكثر فسادا في العالم حيث حصد العراق المرتبة 140 دوليًا في مكافحة الفساد على مؤشر مدركات الفساد لعام 2024م، متفوقًا على دول مثل الصومال، وسوريا، والسودان، واليمن، وليبيا، وإريتريا، ولبنان!.

 ناهيك عن الأموال المهربة التي تراوحت بين 350 و600 مليار دولار للفترة من عام 2006م ولغاية عام 2018م، وأن السنوات اللاحقة في عمر النظام السياسي العراقي الجديد سجل العديد من ملفات الفساد دون إمكانية تحديد حجمها. فإذا لم يكن مجلس النواب كسلطة دستورية يواجه الفساد في العراق فمن يواجهه؟!

وهنا يستحضرني قول مندوبة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت  أن “الفساد سمة أساسية في الاقتصاد السياسي في العراق، وهو جزء من المعاملات اليومية، ولست أنا من يقول هذا فقط، إن ذلك أمر معترف به”.

خلاصة القول، لم يتمكن النظام السياسي العراقي منذ أكثر من عقدين العمل على استقرار التجربة الحزبية في العراق وجعلها تجربة ناضجة ورائدة في العمل الحزبي يمكن أن تستفيد منها دول الإقليم بل العكس كانت تجربة العراق مريرة إذ جذرت البعد القومي والطائفي والمذهبي في عراق ما بعد عام 2003م.

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية