إيران… بين عقلية الحرب وعقلية التعاون

إيران… بين عقلية الحرب وعقلية التعاون

اياد العناز

حدد وزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف ثلاث أسس رئيسية تمثل الصيغة المثالية لإعادة إيران دورها الإقليمي والدولي عبر المقال الذي نشره في مجلة ( فورين بوليسي) في 15 آب 2025، والذي جاء في خضم الأحداث والتحديات التي تعيشها إيران بعد الضربات الجوية والصاروخية الأمريكية الإسرائيلية التي انطلقت فجر يوم الثالث عشر من حزيران 2025، ولمسببات أخرى تتعلق بطبيعة الصراعات السياسية والمنطلقات الفكرية التي عبرت عنها جميع التيارات السياسية الإيرانية من المحافظين والإصلاحيين والمعتدليين وحتى القيادات العسكرية والأمنية في فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني.
أكد محمد جواد ظريف على ضرورة إعادة صياغة التوجه السياسي لإيران باعتماد مبدأ واضح وصريح في العمل باتجاه تعزيز الجهود الدبلوماسية واتخاذها مسارًا صحيحًا في الحوار الدبلوماسي والعلاقات مع دول العالم والانطلاق نحو إقامة جسور من الثقة المتبادلة وإعادة صياغة الموقف الإيراني من الأحداث والمتغيرات الإقليمية والدولية حماية للمصالح والمنافع الإيرانية واستمرارًا لبقاء إيران وتأثيرها الميداني، والابتعاد عن التهديدات المتبادلة وإعطاء فرصة للتفاهمات والقواسم المشتركة في توسيع العلاقات مع دول الجوار الإيراني وتحديد آفاق مستقبلية الشراكة إقليمية بين دول غرب آسيا ( في إشارة واضحة الأقطار مجلس التعاون الخليجي العربي واليمن والعراق ولبنان) مع وضع أسس مرتكزات حقيقية تؤسس لعلاقات صادقة مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية، وأنطلق أبعد من ذلك ليعطي ملامح ما يرغب فيه في دبلوماسية العمل بعيدًا عن الاختلافات والارهاصات الميدانية التي تعيق انفتاح إيران لمحيطها العربي والإقليمي بالعودة إلى ما اقترحه عندما كان وزيرًا للخارجية الإيرانية سنة 2019 بتحقيق تعاون في مجال النقل والمواصلات عبر منطقة القوقاز بين ( إيران وتركيا وأرمينيا وأذربيجان وجورجيا) والتي ستوفر مجالات واسعة للتعاون الإقليمي وتحقيق فرصًا استثمارية يستفاد منها مجمل القطاع الخاص في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربية وآسيوية أخرى، وهو ما نراه ردًا على مشروع إقامة ممر ( زنغزور) ولأعطاء دور إيراني في أي متغير اقتصادي في جنوب القوقاز باعتماد الحوار والمبادرة الدبلوماسية وغلق أبواب التحدي وإظهار القوة التي تحدث عنها ( على أكبر ولايتي) مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي،
وبغية إعطاء فكرة إعادة تشكيل هذا المحور الإقليمي مكانته الحقيقية ومنافعها الاقتصادية وتوجهاته السياسية التي لا تتعارض ومصالح الدول الكبرى فقد أشار إلى إمكانية مشاركة ( المملكة العربية السعودية والكويت وعُمان وقطر والإمارات العربية المتحدة والبحرين والعراق والأردن وسوريا واليمن ومصر، إضافة لتركيا وباكستان ودول آسيا الوسطى) وليضمن أبعاد المنطقة عن أي تدخل ونفوذ أمريكي أوضح أن الإشراف على هذا التشكيل الإقليمي يكون أمميًا عبر منظمة الأمم المتحدة، وحدد مسارات ومضامين دقيقة ومنافع لجميع الدول التي أشار إليها بتحقيق مفهوم التعاون والتضامن بينهم وتعزيز فعالية الاستفادة من المردودات الاقتصادية والمداخيل المالية عبر ممرات مشتركة لتوريد الطاقة وتحقيق الوحدة الاقتصادية القائمة على تنمية التعاون المشترك للوصول إلى حالة الازدهار والتقدم، مؤكدًا على نقطة رئيسية يحاول فيها طمأنة المجتمع الدولي والإقليمي بأن من أهم أهداف التشكيل الإقليمي هو حظر الانتشار النووي واستخداماته لأغراض غير سلمية.
أن الرؤية السياسية والاقتصادية التي تحدث عنها وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف تأتي في سياق الأفكار التي تحاول بعض من الشخصيات ذات الخبرة العملية إقناع القيادة الإيرانية بتغير مسار علاقاتها الدولية والإقليمية وإيجاد محركات جديدة للعمل الميداني حفاظًا على بقاء النظام السياسي الإيراني ومنعًا لأي ضربة عسكرية إسرائيلية قادمة تستهدف المرتكزات الأساسية التي تمثل عماد الأمن القومي للبلاد والدعوة الصريحة للحوار واعتماد المسار الدبلوماسي طريقًا أساسيًا في إمكانية الوصول للاهداف والغايات الإيرانية برفع العقوبات الاقتصادية وإطلاق الأموال المجمدة والتغلب على الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الإيراني وإعادة إيران لوضعها الطبيعي في علاقتها مع بلدان العالم ودورها الفعال في سوق إنتاج الطاقة العالمي،وهو مايراه ظريف قرارًا واعيًا ورؤية وشجاعة سياسية للخروج من المأزق التاريخي الذي بدأ وكأنه يمثل حالة إيرانية متجذرة.
أن طبيعة الأفكار التي جاء بها جواد ظريف لا تتناسق وما يطرحه تيار المحافظين الذي يلقى تأييدًا واسعًا من قيادات فاعلة في الحرس الثوري الإيراني ومن القيادات القريبة من المرشد الأعلى علي خامنئي، بعدم الحوار والتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية وتصعيد لغة الخطاب تجاه أي مبادرة سياسية تتعلق بإعادة جولات المفاوضات واعتماد سياسية التعنت وإظهار القوة، وهو ما أكده وزير الدفاع الإيراني (عزيز نصير زاده) في 22 آب 2025 في حديثه للتلفزيون الإيراني (أن طهران أنشأت بنية تحتية صناعية في قطاع الدفاع في بعض الدول لتحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج المعدات الدفاعية، مؤكدًا أن (أكثر من 90% من المعدات التي تحتاجها القوات المسلحة الإيرانية تنتج محليا، وخاصة في مجال الصواريخ سواء التي تعمل بالوقود الصلب أو السائل وهناك صاروخ (قاسم بصير) الذي يعتبر (أدق صاروخ) حسب تعبير الوزير الإيراني، يعتمد على تقنية جديدة وهي ثمرة الخبرات المكتسبة بعد عملية (الوعد الصادق الثانية).
هذه التصريحات تتقاطع مع ما يصبو إليه وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف وبعض القيادات المحسوبة على التيار الإصلاحي، ومنها ما أعلنه صراحة (مهدي كروبي) الذي كان مرشحًا لانتخابات الرئاسة الإيرانية سنة 2019 بقوله ( أن كان المراد من البرنامج النووي الإيراني أن يوصل البلاد لذروة القوة فأدى بها إلى القاع) ماذا بعد الإنفاق الهائل والادعاء الهائل، فما الحاجة للنووي وما الحاجة الان للتخصيب بعد دمار المشروع، وهذا التصريح الأول الذي يصدر من شخصية إيرانية معارضة كانت تحت الإقامة الجبرية لعقد من الزمن وأكثر، وهو ما يشكل تصاعدًا في المواقف السياسية بضرورة العودة صياغة عمل سياسي دبلوماسي ورؤية ميدانية تأخذ بالاعتبار المصالح العليا للشعوب الإيرانية بعيدًا عن طموحات وغايات القيادات العسكرية في الحرس الثوري وفيلق القدس بالتمدد والنفوذ واتباع سياسة التوسع والتدخل في شؤون دول الشرق الأوسط والوطن العربي.
أن التباين في الطرح السياسي بين المسؤولين الإيرانيين والشخصيات الفاعلة في المجتمع الإيراني يوضح مديات الافتراق الفكري واتساع الهوة في الرؤى الميدانية وملامح النزاعات والخلافات بينهم، إن ما جاء به ظريف في مقالته إنما تحدث بالحقيقة التي لا يريدها بعض قيادي النظام ، بأن إيران عند مفترق تاريخي فإما بقاء الدولة أو انهيارها وسقوط نظامها جراء استمرار دوامة الحروب والعمل بسياسة سباق التسلح وهدر الطاقات ونشر الفوضى في المنطقة، أو الذهاب نحو تحقيق ما يمكن أن يطلق عليه الفرص الممكنة عبر الشراكات الاقتصادية الإقليمية التي أشار إليها والعمل بأسلوب الحوار السياسي والتعامل الدبلوماسي في حل المشكل ومعالجة الأزمات بين الدول وفق رؤية ميدانية صادقة تحقق المصالح المشتركة للجميع، عبر منظور عملي يلزم الجميع بالانتقال من عقلية الحرب الي عقلية التعاون وهو ضرورة وجودية وليس مبدأ أخلاقي في التعامل فقط، وهو بذلك يشير إلى ما سبق وأن طرحه قبل اسابيع بإطلاق مشروع ( المنارة) للتعاون الإقليمي والتطوير النووي وتسهيل التعاون النووي لأغراض سلمية في منطقة الشرق الاوسط، وهو بذلك يسعى لتجنب إيران أي تجديد لعقوبات دولية تتخذها الدول الأوربية عند مراجعتها للالتزامات والتعهدات الإيرانية في 18 تشرين الأول 2025 والخاصة باتفاقية العمل الشاملة المشتركة الموقعة عليها دول (5+1) في 15تموز 2015، وإمكانية إحالة ملف البرنامج النووي الإيراني لمجلس الأمن الدولي، ومعلوم أن محمد جواد ظريف قد ساهم بشكل فعال في توقيع الاتفاقية المشتركة وحضور جولات المفاوضات مع الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا عندما كان شغل منصب وزير الخارجية الإيراني في حكومة الرئيس حسن روحاني مدة ثماني سنوات.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتجية