حظي اعلان نيويورك الذي سعت إليه الجهود السياسية والدبلوماسية للمملكة العربية السعودية مع الدولة الفرنسية والذي أقر في الاجتماع المشترك في 28-29 تموز 2025، بموافقة واهتمام واسع من قبل دول العالم، حيث اقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 آيلول 2025 بأغلبية كبيرة ( اعلان نيويورك) نحو حل الدولتين بين الفلسطينين والإسرائيلين، وأهمية الموافقة أنها تأتي قبل أيام من حضور قادة وزعماء العالم لاجتماعات المنظمة الدولية في 22 من الشهر الجاري.
ويمثل موافقة (142) دولة على الإعلان خطوة ملموسة لا رجعة فيها وبداية لاعتراف عديد من دول العالم ( بدولة فلسطين)، في وقت امتنعت كل من ( التشيك – الكاميرون – الكونغو الديمقراطية – الإكوادور – إثيوبيا – ألبانيا – فيجي – غواتيمالا – ساموا – مقدونيا الشمالية – مولدوفا – جنوب السودان) عن التصويت، وعارضت القرار ( الولايات المتحدة – إسرائيل – الأرجنتين – المجر – باراغواي – ناورو – ميكرونيسيا – بالاو – بابوا غينيا الجديدة – تونغا).
وتضمن القرار محاور رئيسية تضمنت (دعوات إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم بتقرير المصير ، والحل العادل لعودة اللاجئين والقيام بخطوات نحو حل الدولتين عند حدود ما قبل حزيران 1967).
الاعلان الأممي كان ثمرة جهد سياسي اعربت فيه الدول التي أيدت القرار عن امتنانها للدور السعودي والفرنسي بخصوص التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين واعداد خارطة طريق تحتوي على أسس ومرتكزات تتعلق بوقف إطلاق النار في قطاع غزة وإطلاق سراح جميع الرهائن وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ونزع سلاح حركة حماس واقصاؤها عن الحكم وادانة جميع الهجمات على المدنيين ورفض أعمال التدمير والتهجير القسري للشعب الفلسطيني الذي يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وادانة جميع الهجمات الإسرائيلية ضد المدنيين في قطاع غزة واستهداف البنى التحتية وحالات التجويع والحصار التي أدت إلى كارثة إنسانية مدمرة.
يمثل القرار اعتبارات ذات أبعاد سياسية وميدانية مهمة على صعيد الصراع العربي الإسرائيلي، فهو يشكل حالة من الضغط الكامل على حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب على غزة ورفض جميع إجراءات الاستيطان القائمة في الضفة الغربية ومنح زخم دولي أوروبي لحل سياسي في الوطن العربي وإنهاء حالة الصراع التاريخي الفلسطيني الإسرائيلي
وتحديد ملامح رؤية دولية مشتركة بشأن مستقبل الحياة في غزة وباقي الأراضي الفلسطينية والبدأ باجراءات فاعلة نحو تفعيل عملية حل الدولتين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ومنح الشعب الفلسطيني لحقوقه في العودة وقيام دولته وتحقيق الاستقرار والأمن والسلم الدولي في أهم بقاع العالم ونشر مبادئ العدل بما يتوافق وبنود القانون الدولي وتحقيق إرادة سياسية دولية في رفض الإجراءات والممارسات الإسرائيلية في الضم التدريجي للضفة الغربية.
وكان العراق ومعه إيران وعشرون دولة أخرى، قد امتنع عن تسجيل موقف رسمي بالموافقة أو الرفض أو الامتناع عن التصويت ولم يظهر أمام أسم العراق في لوحة التصويت مربع بلون من الألوان الثلاثة عن التصويت، ولم يرافقه أي ذكر للأسباب الموجبة بخصوص القرار.
أن الإجراء السياسي العراقي يمثل الموقف الدولي والعربي للدولة العراقية منذ نشأتها برفضها لأي شكل من أشكال الاعتراف بإسرائيل وبكل ما يتم طرحه والاعلان عنه في المنظمات والمحافل الدولية ومنها منظمة الأمم المتحدة، وترى الدبلوماسية العراقية أن الاعتراف بحل الدولتين يعني ضمنًا الاعتراف بقيام دولة إسرائيل وهو ما يتعارض مع جميع المواقف السياسية العراقية، رغم أن العراق قد وافق على المبادرة العربية السلمية التي اقرتها الأقطار العربية في مؤتمر القمة العربي الذي عقد في العاصمة اللبنانية ( بيروت) سنة 2002، والتي تتضمن صيغة الأرض مقابل السلام، وما توافق عليه منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وكما أقرته اجتماعات وحوارات السلطة الفلسطينية آنذاك،ولكن في موضوعة ( حل الدولتين) يرى العراق فيه تنازل عن موقفه الثابت والمعلن برفض أي مساومة وعلاقة مع إسرائيل، والرفض والامتناع عن التصويت يفسر من جهات عديدة أنها رفض للتسوية السلمية، لهذا كان الاجراء الرسمي بعدم تسجيل أي موقف هو الحل السياسي الذي يبقي العراق ضمن دائرة الدبلوماسية السياسية مع الحفاظ على مواقفه المعلنة والثابتة في الدفاع عن الحق الفلسطيني.
ويمكن الاستدلال على أن جميع قرارات الأمم المتحدة ورغم أهميتها وتأثيراتها السياسية والمعنوية الدولية إلا أنها غير ملزمة قانونيًا، لأن القرارات الجوهرية في حل أي نزاعات وحروب ومواجهات تتم عبر قرارات صادرة من مجلس الأمن الدولي لكي تأخذ دورها في التنفيذ، وهناك أمر مهم يتعلق بموقف الولايات المتحدة الأمريكية التي عارضت صدور قرار حل الدولتين كون الأمر يشكل لها جانب سياسي بعد اعترافها بمدينة القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، كما وأن ملف اللاجئين وحقهم بالعودة لاراضيهم وبيوتهم ومزارعهم يعد من القضايا التي تشكل عائقًا في أي مفاوضات وقرارات يتم اتخاذها كونها تهدد الوجود الإسرائيلي وفق الرؤية الدينية والسياسية التي تؤمن بها جميع حكومات الكيان الإسرائيلي، وتعتبر من أعقد القضايا التي تتعلق الصراع العربي الفلسطيني الإسرائيلي.
تبقى الإرادة الدولية عاجزة عن فرض أي قرار والتزام قانوني يلزم إسرائيل بحل الدولتين، لأن اساس الصراع قائم على الوجودية والأمن المتعلق ببقاء إسرائيل ورفضها لأي قرارات من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية طيلة سبع عقود مضت من الإعلان عن قيام إسرائيل في 14 آيار 1948، بسبب كثير من الأحداث والمتغيرات الميدانية التي شهدها الشرق الأوسط والوطن العربي منها ما يتعلق بالانقسام السياسي الفلسطيني وضعف القدرة العربية عن المواجهة الحقيقية واعتماد أولويات دولية تجعل من أي قرارات أممية تخص الصراع العربي الإسرائيلي حالة سياسية رمزية باقوال وخطابات رسمية وليس أداة تنفيذية فاعلة.
وحدة الدراسات العراقية
