اياد العناز
بتاريخ الثاني من تشرين الأول 2025 أعلنت روسيا وإيران عن دخول معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة مراحل التنفيذ المباشر، والتي سبق وأن وقعها الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس مسعود بزشكيان في السابع عشر من كانون الثاني 2025.
تهدف المعاهدة المشتركة على توسيع التعاون الثنائي في المجال الاقتصادي والسياسي وتعزيز الشراكات العسكرية وتنظيم العمل المنظم لعقدين من الزمن القادم واعتماد الأسس الراسخة في مجالات الدفاع ومكافحة الإرهاب وشؤون الطاقة والثقافة والتمويل المالي الاستثماري والعلوم المعرفية والتقنية.
تفتح المعاهدة مرحلة متقدمة من التعاون تشمل التنسيق وتبادل المعلومات الاستخبارية والتعاون الأمني وتبادل الخبرات وإقامة المناورات والتدريبات العسكرية المشتركة وتحقيق الاستقرار الإقليمي ومنع استخدام أراضي أي من الطرفين للإضرار بالطرف الآخر واحترام مبادئ السيادة الثنائية وعدم التدخل بالشؤون الداخلية لكلا الدولتين.
يأتي الاعلان عن تفعيل الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في خضم أحداث متوالية ووقائع ميدانية مستمرة، بعد فرض العقوبات الدولية على إيران وتفعيل ( آلية الزناد) وفق القرار الأممي 2231 وما قدمته دول الترويكا الأوروبية ( بريطانيا وفرنسا وألمانيا) من عدم امتثال إيران لما أتفق عليه في اتفاقية العمل الشاملة المشتركة في الخامس عشر من تموز 2015، مع ما تشهده روسيا من ضغوط سياسية واقتصادية من قبل الاتحاد الأوروبي واستمرار حربها مع أوكرانيا، وسياسة الضغط الأقصى التي لا زالت الولايات المتحدة الأمريكية تفرضها على إيران.
روسيا وإيران ترى في الاعلان المشترك دعوة لتعزيز التنسيق بينهما في إطار بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب وتوسيع دائرة العمل مع باقي الدول المنضوية في منظمة شنغهاي للتعاون الإقليمي ومجموعة ( بريكس) للتعاون الاقتصادي، كما أنهما يحاولان مواجهة العقوبات الاقتصادية أحادية الجانب، وتعزيز التعاون الدفاعي وتبادل الخبرات المشتركة،مع توحيد الرؤى في المحافل الدولية تجاه القضايا التي تهم المصالح المشتركة لهما وتحافظ على مسار التعاون الثنائي لتحقيق أهدافهما الجيوسياسية في مواجهة الهيمنة الغربية، كما تتوقع إيران أن تمنحها المعاهدة مظلة سياسية واقتصادية تعزز موقعها وتعيد تأثيرها الإقليمي وتخفف من العقوبات الأممية عليها، وروسيا ترى أن أي خسارة تتعرض لها إيران ستضر بمصالحها الدولية لأنها تسعى لان تكون إيران قوة إقليمية في مواجهة الطموح الأمريكي، واستمرار الدعم الإيراني العسكري لها في حربها المستمرة مع أوكرانيا عبر استمرار تدفق الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة الإيرانية لميدان القتال بين موسكو وكييف.
أن تفعيل المعاهدة تمثل رسالة روسية إيرانية واضحة للولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية بأن سياسة العزل السياسي والاقتصادي والضغط الأقصى تجاه إيران سوف لا تؤدي نتائجها التي يسعى إليها الغرب، فإيران تمكنت من إيجاد بدائل أخرى بعلاقتها الاستراتيجية مع روسيا وقبلها مع الصين عبر معاهدات اقتصادية واستثمارية وعسكرية لعقود من الزمن، رغم الموقف الذي لم يرضي اطرافًا سياسية داخل هيكلية القيادة الإيرانية عندما تعرضت الأراضي الإيرانية لهجوم واسع في الثالث عشر من حزيران 2025 من قبل إسرائيل، فاكتفت الصين بالتنديد وروسيا بضرورة الاحتكام للقانون الدولي في العلاقة بين دول العالم، ولهذا يرى بعض السياسين الإيرانيين أن المبالغة في العلاقة مع روسيا يجب أن تكون ضمن الحدود التي تحمي المصالح العليا للدولة الإيرانية، خاصة وأن الاتفاقية الاستراتيجية بين روسيا وإيران لا تفضي لمعاهدة دفاع مشترك متبادل ولا تمثل تحالف عسكري هجومي بل هو تحالف للحفاظ على المصالح العليا والأهداف الاستراتيجية للدولتين، بعد عدم تمكن روسيا والصين من تأجيل اعادة فرض العقوبات على إيران لمدة ستة أشهر واخفاقهما في إقناع مجلس الأمن الدولي، ويرى العديد من الإيرانيين أن لا فائدة من عقد اتفاقيات إستراتيجية مع دول غير قادرة على توفير الغطاء السياسي لإيران في المحافل الدولية، ولكن القيادة الإيرانية تسعى لأن يكون الإعلان عن الشراكة الاستراتيجية نوع من إعادة الثقة ورفع المعنويات في الداخل الإيراني وإعادة الحياة للنظام السياسي وتعزيز علاقته مع شعوبه الساعية لإيجاد حل للازمات الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها المجتمع الإيراني، ولاتزال القيادة الإيرانية ترى في روسيا عنصر دولي مهم في توازن يرضى التوجهات الإيرانية في سياستها الإقليمية والدولية.
تبقى هناك عدة اعتبارات سياسية في تعزيز دور المظلة الروسية إن تمكنت موسكو من عدم تنفيذ القرارات الأممية المتعلقة بالعقوبات الاقتصادية المفروضة ومنع اتخاذ إجراءات جديدة في مجلس الأمن ضد إيران وتقديم العون والمساعدة العسكرية في تنفيذ الفقرة الواردة في اتفاقية التعاون الاستراتيجي بمواجهة التهديدات الخارجية والتي تنص على أنه ( في حال تعرض الطرفين للعدوان، يجب على الطرف الآخر عدم تقديم المساعدة للمعتدي)، مع استمرار موسكو في توسيع التعاون باستخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية برغم كل المعوقات التي تحيط بالبرنامج النووي الإيراني، وهو ما تحقق قبل اسابيع من الاتفاق على بناء (8) محطات طاقة نووية صغيرة على الأراضي الإيرانية ،في إطار سعي إيران للوصول إلى قدرة إنتاجية للطاقة النووية تبلغ (20) ميغاواط بحلول عام 2040، إضافة لتعهد مشترك بإعادة بناء منشآت تضررت إثر الهجمات الأمريكية والإسرائيلية في حزيران 2025.
تنظر الولايات المتحدة الأمريكية للشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران إلى أنها تهدف لخدمة المصالح العليا الروسية في تموضع مهم بمنطقة الشرق الأوسط عبر توسيع عمل التبادل التجاري والاستثمار الاقتصادي بينهما، بعد أن بلغ حجم الاستثمارات الروسية في إيران (4،2) مليار دولار وأصبحت موسكو أكبر مستثمر أجنبي في الأسواق الإيرانية، كما وأن الدولتين واصلت تطوير التعاون العسكري بينهما، بالإعلان الإيراني عن تقديم عرض للروس لشراء طائرات مقاتلة نوع (سوخوي 35) مع معدات عسكرية شملت مروحيات متطورة نوع ( مي 28) الهجومية وطائرات قتال تدريببة نوع ( ياك 130)، ولكن القيادة الروسية لا زالت تمانع عن تنفيذ الطلب الإيراني بخصوص المقاتلة ( سوخوي 35)، وهو الأمر الذي آثار حفيظة القيادة العسكرية والسياسية الإيرانية، ولكن يتضح أن روسيا تسعى لموازنات سياسية في منطقة الشرق الأوسط وتحافظ على علاقات دائمة مع إسرائيل ولا تغضب حلفائها في الولايات المتحدة الأمريكية ودول مجلس التعاون الخليجي العربي.
تتعامل روسيا مع إيران بما تراه مناسبًا لعمق وجودها في منطقة الشرق الأوسط وامتدادها حيث مصالحها على الأرض العربية، فروسيا تدرك ان إيران تمتلك موقعًا جيوسياسي مهم ولها قدرة عسكرية في امتلاكها للصواريخ البالستية المتطورة والطائرات المسيرة والتي يمكن توظيفها لتعزيز موقعها اقليميًا ودوليًا، وهو ما يحقق لروسيا نشاطًا ميدانيًا قائمًا على التعامل المتوازن مع جميع القوى الدولية في قاسم مشترك لحماية المصالح العليا للجميع.
ان الاعلان عن المعاهدة المشتركة بين روسيا وإيران يعني بدأ مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية بأطر نوعية سياسية واقتصادية، حيث يمثل التعاون الثنائي خمس إنتاج النفط واكبر احتياطي للغاز في البلدين عالميًا.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة
