عامر العمران
لا تخفي أوروبا قلقها مما قد تؤول إليه الأوضاع في خضم حرب روسيا الهجينة ضدها، وهي حرب تشي بتطورات أكبر واوسع في مقبل الأيام، فكل شيء يصبح هدفا مشروعا، وبمعنى أوسع هي “عسكرة كل شيء”.
ولا يقتصر القلق الأوروبي اليوم عند حدود الخوفالسياسي، بل يتعداه الى إشارات حقيقية لوجودثغرات دفاعية يجب معالجتها بسرعة، في ظل الهجمات الروسية التي باتت السمة لطبيعة الصراع في القارة الأوروبية.
ما هي الحرب الهجينة؟
تعرف “الحرب الهجينة” (Hybrid Warfare) على انها مزيج من الحرب التقليدية وغير التقليدية، حيث تتداخل الوسائل العسكرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية، لتخلق مزيجاً يصعب تحديد حدوده أو توجيه اتهام مباشر لأي طرف.
وتعد حرب روسيا الهجينة ضد خصومها الغربيين، استراتيجية معقدة تهدف لتحقيق أهداف سياسيةوجيوستراتيجية، دون الدخول في صراع مفتوحشامل. والهدف الرئيسي هو إضعاف الخصوم، زعزعةاستقرارهم، والسيطرة على الساحة الاستراتيجيةبطريقة غير مباشرة.
وتقوم هذه الاستراتيجية هي مزيج هجين من الحروب، وتشمل:
– العمليات العسكرية المباشرة (مثل تدخلات محدودة أو دعم قوات محلية).
– الحروب الإلكترونية والمعلوماتية (اختراق، تضليل، دعاية).
– الحرب النفسية والإعلامية (نشر روايات تخدم موسكو عبر وسائل الإعلام والسوشيال ميديا).
– استخدام الاقتصاد والطاقة كسلاح ضغط (الغاز، النفط، العقوبات المضادة).
– استعمال الميليشيات أو الشركات الأمنية الخاصة (مثل مجموعة فاغنر).
ويعد رئيس أركان الجيش الروسي فاليري غراسيموف مُنظر النموذج الروسي للحرب الهجينة ضد الغرب وحلفاءهم، حيث أطلق عليه الخبراء مبدأ غراسيموف أو عقيدة غراسيموف، التي تتلخص بأن” السياسة هي استمرار ممارسة الحرب بشكل آخر” أي أن السياسة هي في عقيدة غراسيموف شكل من أشكال الحرب.
قلق أوروبي متنامي
تراقب الدول الأوروبية تطورات الانتهاكات التصعيدية على حدودها الشرقية خلال الشهور الماضية، والتي شهدت عمليات استباحة مجالها الجوي بالمسيرات، بالإضافة الى الهجمات السيبرانية المتواصلة.
وهو ما حدا المفوضية الأوروبية لدق ناقوس الخطر من ممارسات موسكو، والدعوة الى تحرك أوروبي جاد لردعها ، قبل ان يتسع ما أسمته نطاق المنطقة الرمادية، وخروج هذه الانتهاكات عن السيطرة.
وتشير التقارير الأمنية الأوروبية إلى أن الهجمات الإلكترونية الروسية ارتفعت بنحو 25٪ في عام 2025 مقارنة بعام 2024، وهو تصعيد واضح في الحرب السيبرانية ضد الغرب، واستهداف للبنية التحتيةالحيوية في أوروبا الشرقية.
ولعل الهجوم السيبراني الذي استهدف مزوّد نظمالتسجيل والصعود للطائرات (check‑in / boarding)،وخلّف اضطرابًا واسعًا في عدد من مطارات أوروباالكبرى، يشي بهشاشة الأنظمة الرقمية في تلك الدول،بالإضافة الى تأثير هذه الهجمات على الامن الأوروبي بشكل عام.
وفي هذا الإطار، حذّر مسؤولون اوروبيون من قدراتموسكو على تعطيل أو تدمير الأقمار الصناعية، الأمر الذي دفع الناتو إلى تعزيز قدراته الفضائية وتطوير شبكة أقمار “نورث لينك” الدفاعية في المدار القطبي.
محاولات واخفاقات
ليس من باب المبالغة القول بأن إطلاق الاتحاد الأوروبي صندوق مالي تحت اسم “سيف أوروبا للأمن“ لا يكفي لمواجهة التهديدات الروسية، بل واقع قائم على عدة معطيات، فالاتحاد الأوروبي رغم تطويره برامج دفاعية متقدمة، لا يزال يواجه فجوات كبيرة أمام القدرات الروسية العسكرية، السيبرانية، والفضائية. و كل التحركات الاوروبية تندرج تحت إطار “الردع عبر المنع”، لا المواجهة المباشرة.
شتاء صعب ينتظر القارة الأوروبية، يراها مراقبون انها اختبار خطير لقدرة الدول الاوروبية على ردع روسيا دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة، يرافق ذلك تراجع الولايات المتحدة عن دورها التقليدي كضامن رئيسي لأمن القارة الأوروبية، وهي ثنائية تكشف عمق الازمة الأوروبية وآفاقها القاتمة، في حروب ترسم ملامح المواجهة المستقبلية الأخطر مع روسيا، وبلا خطوط حمراء.
