اياد العناز
عودة للعلاقات الصينية الإيرانية وأهميتها في العلاقات السياسية وتطورها في منطقة الشرق الأوسط والاتفاقيات المستقبلية التي ستأتي بها وفق المنظور السياسي والاقتصادي الذي تسعى إليه طهران بعد اشتداد العقوبات الدولية عليها بموجب القرار الأممي الذي إعادة صياغتها بعد التقرير الذي قدمته دول الترويكا الأوروبية ( بريطانيا وفرنسا وألمانيا) بعدم التزام إيران باتفاقية العمل الشاملة المشتركة التي وقعت في تموز 2015.
جاء اللقاء الذي جمع الرئيس الصيني شي جينبينغ مع نظيره الإيراني مسعود بزشكيان في شهر أيلول 2025 ليمنح حرارة جديدة ومجال واسعًا لتطور قادم في العلاقة بين البلدين ودعم طهران في سعيها للتغلب على العقوبات الاقتصادية واحترام حقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وادعائها بعدم سعيها لتطوير برنامجها النووي وإنتاج أسلحة نووية.
حاولت الصين وروسيا الدفع باتجاه تمديد خطة العمل الشاملة المشتركة لستة أشهر ولكنها لم تتمكن أمام الضغوط والمواقف الدولية في مجلس الأمن من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية، ولم تفلح في إقناع المجتمع الدولي برغبة إيران في التعاون بشأن تنظيم آلية برنامجها النووي.
ثم جاء الاعلان الإيراني بإلغاء كافة الالتزامات التي وقعتها طهران ضمن الاتفاق النووي عام 2015 مجموعة (5+1)، ليمثل عملية تحول كبيرة في التصعيد السياسي والرد على سياسة ضغط الزناد التي اتبعتها الإدارة الأمريكية وباركتها الدول الأوربية.
أن الإعلان الإيراني سبب حالة من الارباك في الأوساط الإقليمية والدولية، ولكنه في الوقت نفسه أضعف الجهود الدولية التي تسعى إليها الصين وروسيا وساهم في تعزيز المخاوف من إمكانية تشغيل أكبر من (25) الف جهاز طرد مركزي من المخزون المتواجد لدى السلطات الإيرانية واستخدامه بشكل مباشر لأغراض غير سلمية وانتاج قنابل نووية، وهو ما يعني خروج واضح عن اتفاقية العمل الشاملة المشتركة التي سمحت لإيران الاحتفاظ ب(5) آلاف طرد مركزي وامتلاكها (300) كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة بنسبة 3،67٪ والتي من الممكن أن تعمل الجهات العلمية في البرنامج النووي الإيراني إلى رفع النسبة وايصالها إلى 90٪ والتي تحتاجها المفاعلات لإنتاج القنبلة النووية.
وخروج إيران من الالتزام الخاص باتفاقية 2015، يعني عدم السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الدخول للمنشآت النووية الإيرانية، وهو خلاف لما أعلنت عنه مجموعة (5+1)بالزام إيران بفتح كافة منشآتها للتفتيش ووضع كامرات مراقبة فيها، وخروج إيران يساهم في بناء مواقع نووية جديدة بعيدًا عن أعين الوكالة الدولية وتخفيص التعاون معها، وهذا ما تقوم به إيران حاليًا عبر تواصلها في تطوير موقع تخصيب جديد تحت الارض أطلقت عليه تسمية ( جبل المعول) وتمنع دخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إليه، وهو ما يقود إلى حالة مريبة ويبعث على القلق من امتلاك إيران لما يكفيها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ وهو المخزون الذي لا يزال غامضًا مكانه لإنتاج وكما تشير المعلومات (11) سلاحًا نوويًا.
أمام هذه التطورات الميدانية في علاقة إيران مع الولايات المتحدة الأمريكية والوكالة الدولية ومفتشيها والمواقف الأوربية، استمرت العلاقة الوطيدة مع الصين الذي قامت بارسال شحنة تقدر ب(1000) طن من بيركلورات الصوديوم والتي غادرت مدينة تايكانغ الصينية على متن السفينة هامونا في الثاني والعشرين من آيار 2025 ووصلت إلى ميناء بندر عباس في الخامس عشر من حزيران 2025، وتم استلامها من قبل منظمة ( جهاد الاكتفاء الذاتي) التابعة للحرس الثوري الإيراني، وهذه الشحنة تخالف العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على عدة كيانات إيرانية وصينية تلعب دورًا في شبكة توريد مكونات وقود الصواريخ الباليستية لحساب الحرس الثوري.
وقال جيفري لويس مدير مشروع منع الانتشار النووي في شرق آسيا بمعهد ميدلبري للدراسات الدولية أن ( إيران تحتاج لكميات أكبر بكثير من بيركلورات الصوديوم لاستبدال الصواريخ التي استُخدمت في الحرب مع إسرائيل ولزيادة إنتاجها من جديد)، وتسعى إيران إلى الحصول على كميات إضافية من هذه المادة لإعادة عملية تسليح معداتها وتحسين برنامج صواريخها البالستية بعيدة المدى.
جاء الرد الصيني على هذه المعلومات عبر الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية بالقول ( أنه بالرغم من عدم اطلاعه على الوضع المحدد إلا أن الصين طبقت باستمرار ضوابط تصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج وفقًا لالتزاماتها الدولية وقوانينها ولوائحها المحلية).
ورصدت المنظومة العملية لتنفيذ العقوبات الدولية مغادرة سفينة إليانا ميناء تشانغجيانغكو الصيني في 18أيلول ووصلت إلى بندر عباس في 12 تشرين الأول، وغادرت سفينة إم في أرتافاند ميناء ليوهينغ الصيني ووصلت إلى بندر عباس في 12 تشرين الأول 2025، وقد أوقفت نظام تتبع AIS الخاص بها عمدًا لإخفاء تحركاتها وفقًا لمعلومات استخباراتية غربية، ومن بين هذه السفن سفينة (إم في باشتل الخاضعة لعقوبات أمريكية والتي غادرت ميناء تشوهاي الصيني في 15 أيلول ووصلت إلى بندر عباس في 29 أيلول 2025 ثم عادت إلى الصين.
وتأتي عمليات التسليم بعد إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة التي استمرت لأكثر من عقد من الزمان بموجب آلية ( ضغط الزناد) وهي بند يُطبق على انتهاكات إيران لخطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 لمراقبة برنامجها النووي، وأكدت مصادر استخباراتية أوروبية، لشبكة CNN، إن عدة شحنات من بيركلورات الصوديوم، المادة الأولية الرئيسية في إنتاج الوقود الصلب الذي يُشغل الصواريخ التقليدية الإيرانية متوسطة المدى، وصلت من الصين إلى ميناء بندر عباس الإيراني منذ تفعيل ما يُسمى بـ(آلية الزناد) في نهاية أيلول 2025.
وسبق وأن وقع يوم السادس والعشرين من نيسان 2025 انفجار كبير في ميناء رجائي بمدينة بندر عباس جنوبي إيران ضمن الحدود الإدارية لمحافظة هرمزغان، وتوافقت هذه المعلومات مع ما جاء بتقرير شركة ( أمبري) البريطانية للأمن البحري بأن ( الانفجار الذي وقع في ميناء رجائي بمدينة بندر عباس جنوبي إيران نتج عن سوء التعامل مع شحنة من الوقود الصلب المتخصص لصناعة صواريخ باليستية)،ثم أعلنت هيئة الكمارك الإيرانية ان من بين هذه المواد المتفجرة ( مادة بيركلورات الصوديوم) والتي تدخل في تركيبة الوقود الصلب للصواريخ،وسبق وأن وجهت إلى إدارة الميناء تحذيرات من تخزين حاويات تحمل مواد خطرة به، فيما رصدت مصادر ملاحية في وقت سابق وجود سفينة تحمل مواد تستخدم كوقود للصواريخ تستعد للرسو بالميناء، ولم تستكمل تفريغ شحنتها بسبب عطلة عيد الفطر،ويعتقد أن السفينة هي الثانية من بين سفينتين فرضت عليهما عقوبات دولية وكانت تنقلان شحنة من بيركلورات الصوديوم من الصين.
تبقى العلاقات الصينية الإيرانية برؤية الشريك الاستراتيجي والمهم للمسؤولين الإيرانيين ودوام الود القائم في العلاقات الثنائية والحفاظ على أهدافها وابقاء حالة التوازن في المصالح المشتركة بينهما، فكانت بكين الوجهة الأولى التي تحركت إليها إيران بعد المواجهة الإسرائيلية التي انطلقت فجر يوم الثالث عشر من حزيران 2025، عندما شرع وزير الدفاع الإيراني ( عزيز نصير زادة) بزيارة الصين في 25 حزيران لحضور اجتماع وزراء دفاع الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون الإقليمي، والتقى بنظيره الصيني ( جون دونغ) وناقش معه الطلب الإيراني بشراء منظمومات دفاعية جديدة وإمكانية تزويد طهران بنظام ( الدفاع الجوي الصيني 16-HQ) وهو نظام صاروخي متوسط المدى وطائرات مقاتلة متطورة في مقدمتها مقاتلة (C10_j) متعددة المهام ومحطات رادار متقدمة للكشف عن الطائرات الشبحية ودعم قواتها البحرية بزوارق وغواصات هجومية مزودة بصواريخ دقيقة.
نظرت الصين للطلبات الإيرانية بشئ من الحذر وتعاملت معها بدقة دون المجازفة بعلاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، وتدرك القيادة الصينية أن أي تعاون عسكري لتزويد إيران بالمعدات الثقيلة وأنظمة الدفاع الجوي وتقديم تكنلوجية مزدوجة في مجال الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، يعني مواجهة حتمية مع واشنطن ومصالحها في الشرق الأوسط، بالرغم من أن أكثر من 90٪ من صادرات النفط الإيراني تذهب للصين وبأسعار تفضيلية رغم العقوبات الدولية.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة
