السنة 13 في العراق

السنة 13 في العراق

349
يتطيّر كثيرون من ذكر الرقم 13، ويعتبرونه مصدر شؤم، قيل إن نابليون أحدهم، كذلك الروائي الأميركي الساخر مارك توين الذي نقل عنه أنه كان المدعو رقم 13 في حفل عشاء، ولم يجد مكاناً مخصصا له بين المدعوين. وأعرف صديقاً رفض، في زيارة له إحدى العواصم الأوروبية، الإقامة في الطابق الثالث عشر في فندق معروف، وآخر اكتفى بإشعال اثنتي عشرة شمعة في عيد الميلاد الثالث عشر لولده. ويعزو الغربيون تشاؤمهم من هذا الرقم إلى أن يهوذا الذي خان المسيح، في حكاية العشاء الأخير، كان المدعو الثالث عشر.
وثمّة من يتفاءل بهذا الرقم، وهم ندرة. وروى أنيس منصور أنه زار عباس العقاد في مسكنه الذي يحمل الرقم 13، وشاهد في غرفة مكتبه تمثالاً للبومة التي يتشاءم منها الناس، أطلق عليها رقم 13، وعرف من العقاد نفسه أنه يعتبر الرقم مصدراً للخير وللحياة الرغيدة.
عراقيون عديدون لم تراودهم مثل هذه الأفكار السوداوية، ولم يفكّروا في الرقم المشؤوم، عندما عبرت بهم السنة المنصرمة الثالثة عشرة في عمر “العملية السياسية” التي جاء بها الأميركيون، ولم تفقدهم الأمل في أن تتهاوى تلك العملية العجفاء، وتموت لتحل محلها “عملية سياسية” وطنية تعيد إلى العراق سيادته ووحدته وهويته الجامعة، وهو أمل يومض حيناً لديهم، ويخبو حيناً آخر، وكان مبعثه، هذه المرة، تصاعد موجة التظاهرات الشعبية في السنة الفائتة، وبروز حالة حراكٍ سعى منظموه إلى أن يعلّقوا الجرس من خلاله، ويضيئوا شمعة، ولو في آخر النفق.
مرّت السنة ولم يحدث تحوّل ما، أخفقت حكومة حيدر العبادي في ما أعطته من وعود، وعجزت عن حل أبسط المشكلات، وسقط أمل أولئك في التغيير، وتناوشهم الإحباط، في حين تنفس رجال “النخبة” السياسية الحاكمة الصعداء، بعد أن لاحقهم الخوف والجزع من أن تكون السنة وبالاً عليهم، وتمكنوا أن يعبروا بسلام إلى سنةٍ أخرى، من دون أن يمسّهم سوء، غير آبهين بما اقترفته أيديهم بحق ملايين سحقتهم غوائل العنف، والجوع، والمرض، وفقدان الحياة الكريمة.
رحلت السنة التي تحمل الرقم المشؤوم، وفي رقبتها أكثر من تسعة وعشرين ألف عراقي، قتيل وجريح، بشهادة الأمم المتحدة، وكان عددهم سيزداد لو تذكّرت المنظمة الدولية ضحايا القصف الجوي اليومي للطيران الشرّير، وضحايا العمليات العسكرية للجيش الحكومي، وكذلك الذين طاولتهم جرائم “داعش” من المقيمين في المناطق الخاضعة لسيطرته.
شهدت السنة نفسها تعرّض مدن وأحياء بكاملها للدمار، جرّاء القصف الجوي العبثي والعمليات العسكرية المتواصلة ليل نهار، وسجلت ارتفاع عدد النازحين والمهجرين داخل البلاد إلى أكثر من ثلاثة ملايين، وانهيار الخدمات الأساسية، وحرمان ملايين من المياه الصالحة للشرب، وأدوات النظافة، والمواد الغذائية الضرورية. وقالت ممثلية منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن أعمال العنف ضد الأطفال تصاعدت إلى نسبة قياسية بلغت 400% عمّا كانت عليه في العام الذي سبقه، وأقرّت لجنة الأمن والدفاع البرلمانية أن عمليات الجريمة المنظمة، الاغتيال والاختطاف والاغتصاب والسرقة، تصاعدت على نحوٍ لم يكن معروفاً، واعتبرت منظمة الشفافية الدولية العراق من بين الدول العشر الأكثر فساداً، واعترفت الحكومة بأن نسبة البطالة تجاوزت 46% من عدد السكان، وزادت مستويات الفقر إلى 31%.
في السنة نفسها، ملأت المليشيات السوداء مساحة البلاد، أنشأت إداراتها الذاتية في أكثر من مدينة وقرية، وتصارعت على المكاسب والأرباح. وفي ظلها أصبحت الدولة في خبر كان، وتفكّكت عرى التضامن بين المواطنين، وأصبح تقسيم البلاد مطروحاً على الطاولة.
صمت كتاب وصحفيو الداخل عن إدانة ما كان ماثلاً أمام عيونهم، وتعرّض بعضهم لما يجري على نحو خجل، وعرف الناس أن سبب ظاهرة الصمت، أو الإدانة الخجولة، الخوف، بعدما لقي 31 صحفياً مصرعهم على أيدي داعش، ومليشيات أخرى، ولم يعرف مصير عشرة آخرين تعرّضوا للاختطاف، وغيّبوا بشكل خطير، ولم يعرف ذووهم أية معلوماتٍ عنهم، وتعرّض عديدون منهم للضرب، أو الحجز، أو التهديد، كما طرد غيرهم من مواقع عملهم من دون مبرر.
هكذا كانت السنة التي حملت الرقم 13 في العراق، وهذا حصادها، والخشية، ونحن في مطلع السنة الجديدة، أن يتعمّق مأزق العراقيين الحاد والقاتل، ويظل الناس ينتظرون غودو الذي يأتي ولا يأتي.
عبداللطيف السعدون
صحيفة العربي الجديد