مؤشرات سيئة على تواصل الفساد في مجالس المحافظات العراقية

مؤشرات سيئة على تواصل الفساد في مجالس المحافظات العراقية

مجالس المحافظات التي يفاخر قادة العملية السياسية في العراق بأنّها نتاج آخر لـ“الديقراطية” ومظهر حضاري للامركزية القرار وإدارة الشأن العام، ما هي في الواقع سوى وسيلة إضافية تتيح للأحزاب وقادتها المزيد من السلطة ومنفذا آخر للوصول إلى المال العام ونهبه، الأمر الذي يفسّر شراسة التنافس على الفوز بمناصبها القيادية.

بغداد- حالت حدّة الصراعات بين القوى الفائزة في الانتخابات المحلّية التي أجريت مؤخرا في العراق على المناصب القيادية في مجالس المحافظات، دون عقد أولى اجتماعات غالبية تلك المجالس في موعدها القانوني.

وحضرت المحاصصة وعقد الصفقات السياسية بقوّة في مفاوضات تشكيل الحكومات المحلّية، ما سيؤدّي إلى استبعاد معايير المهنية والكفاءة والنزاهة في اختيار قيادات تلك الحكومات، وإعادة التمكين لشخصيات وقوى تلاحقها شبهات الفساد والمسؤولية عن تعطيل عملية تنمية الجهات بنهب الميزانيات التي خصصت لها في سنوات سابقة.

ونظرت جهات سياسية وإعلامية عراقية إلى اختيار السياسي السنّي أحمد الجبوري “أبومازن” لتولي منصب محافظ صلاح الدين مؤشّرا سيئا على أخذ الانتخابات المحلّية لنفس مسار الانتخابات التشريعية في تكريسها للفساد والتمكين لرموزه، وذلك بالنظر إلى تهم الفساد التي لاحقت الجبوري أثناء توليه نفس المنصب وأفضت إلى ملاحقته قضائيا.

ويُنظر إلى محافظ صلاح الدين الذي يرأس حزب الجماهير باعتباره يمثّل نموذجا عن توظيف أموال الفساد في التمكين السياسي، وعن تخادم الشخصيات والقوى السياسية مختلفة الانتماء والتوجّه دفاعا عن مصالح مشتركة غير مشروعة.

وتقول مصادر محلية في صلاح الدين إنّ الجبوري استفاد من علاقته الوثيقة بقادة أحزاب وميليشيات شيعية نافذة ليصمد في الساحة السياسية، بعد أن كان مهدّدا بالخروج من بابها الصغير عندما قررت محكمة النزاهة في بغداد سنة 2022 سجنه على خلفية تورّطه في قضية تلاعب بالدرجات الوظيفية في دائرة الصحّة بصلاح الدين، واختلاس أموال مخصصة لمشروع للتطوير الأمني في المحافظة.

وانتشرت آنذاك تسجيلات صوتية مسرّبة سمع فيها صوت الجبوري وهو يتحادث مع أكثر من شخص بشأن صفقات لتوظيف أشخاص في سلك القضاء والصحّة وتحديد المبالغ المالية المطلوبة مقابل ذلك.

وكثيرا ما تعمد القوى الشيعية القائدة الرئيسية للعملية السياسية في العراق إلى مساعدة سياسيين سنّة فاسدين على التمكين في مناطقهم، نظرا لضعفهم وعدم ممانعتهم اختراق تلك المناطق من قبل تلك القوى التي تفتقر للقاعدة الشعبية في معاقل المكوّن السنّي بالبلاد.

وما تزال محافظة صلاح الدين منذ استعادتها من تنظيم داعش بمشاركة ميليشيات الحشد الشعبي، هدفا لتلك الميليشيات والأحزاب المرتبطة بها للتمركز فيها والمشاركة في إدارة مشاريع التنمية الممولة من قبل الدولة.

ورغم مضي سنوات على انتهاء الحرب ضدّ داعش التي أتاحت للميليشيات الشيعية اقتحام المحافظة، فإن الفصائل المنتمية للحشد ماتزال ترفض الانسحاب منها رغم مطالبة السكان المحلّيين بتعويضها بقوات نظامية، نظرا لسوء سلوكها وممارساتها الطائفية ضدّهم، وما تسبّبه من توتّر وعدم استقرار.

ويرى سياسيون من محافظة صلاح الدين أنّ وجود الجبوري على رأس حكومتها سيمثّل ضمانة لاستمرار الميليشيات فيها ولتأمين مصالح قادتها السياسية والاقتصادية.

◙ قوى شيعية تساعد سياسيين سنّة فاسدين لتسهيل اختراق مناطقهم واستدامة حضور الميليشيات فيها

ويدين الجبوري بالفضل لقادة أحزاب شيعية مقرّبة من إيران في إنقاذه من قضايا الفساد التي تفجّرت بوجهه. وكان السياسي السنّي مشعان الجبوري قد أكّد أن “دبلوماسيا مهما بسفارة دولة جارة قام بالاتصال بسياسيين نافذين يطلب تدخلهم لدى القضاء لإطلاق سراح محافظ صلاح الدين السابق”.

وانتهت الأحد المهلة القانونية الممنوحة لمجالس المحافظات لعقد أولى اجتماعاتها والمحدّدة بخمسة عشر يوما، بعد مصادقة المفوضية العليا للانتخابات على النتائج النهائية لانتخابات مجالس المحافظات دون أنّ تتمكّن الغالبية العظمى من تلك المجالس مع عقد اجتماعاتها، بسبب عدم توافق القوى السياسية على تقاسم مناصبها.

وانفردت محافظة صلاح الدين بالتمكن من اختيار محافظ ورئيس لمجلس المحافظة ونائب له، إثر جلسة عاصفة تمت الاستعانة خلالها بالقوات الأمنية لفضّ الاشتباكات بالأيدي والكراسي بين الأعضاء الجدد في مجلس المحافظة.

ويتكون مجلس محافظة صلاح الدين من خمسة عشر عضوا وتوزعت مقاعده بواقع أربعة مقاعد لحزب الجماهير بقيادة أحمد الجبوري، وثلاثة مقاعد لتحالف الإطار الوطني، ومقعدين لتحالف العزم المدني، ومثلهما لكل من تحالف تقدّم وتحالف السيادة وتحالف الحسم الوطني.

وبينما يفاخر القائمون على قيادة العملية السياسية في العراق بالانتخابات المحلّية باعتبارها رافدا لإثراء “التجربة الديقراطية” بالبلاد، معتبرين وجود حكومات محلّية مظهرا على تخفيف حدّة المركزية وتوسيع دائرة اتّخاذ القرار والسماح لسكان الجهات بإدارة شأنهم العام بما يتلاءم مع حاجاتهم ومطالبهم، يقول متابعون للشأن العراقي إن مجالس المحافظات تحوّلت إلى بؤر إضافية للفساد ونهب المال العام، خصوصا وأنّ ميزانيات هامة ترصد لتنمية المناطق دون أن يلمس لها أثر في تحسين البنى التحتية والارتقاء بمستوى الخدمات المقدّمة للسكان والتي تتراوح بين التردّي في بعض المناطق والانعدام التام في مناطق أخرى.

وتفسّر المآرب المتعلّقة بالمال والسلطة صعوبة التوافق بين القوى السياسية الفائزة في الانتخابات المحلية على تشكيل مجالس المحافظات، على الرغم من انتماء بعض القوى المتنافسة على المناصب في الحكومات المحلية لنفس المعسكر السياسي، كما هي الحال بالنسبة للأحزاب والفصائل الشيعية المنتمية للإطار التنسيقي.

وقالت مصادر سياسية إن الخلافات داخل الإطار وباقي الكتل السياسية مازالت تحول دون استكمال تشكيل المجالس في محافظات وسط وجنوب العراق، كما أنّ خلافات مماثلة داخل القوى الكردية والسنية أخّرت تشكيل مجلسي محافظتي كركوك ونينوى بشمال العراق.

وكشف سعد المطلبي القيادي في ائتلاف دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي عن “إكمال الإطار التنسيقي لتقسيم المحافظات بين كتله الفائزة في الانتخابات المحلية”، مستدركا بأنّه لم يجر “طرح أسماء المحافظين الجدد لغاية الآن أو الاتفاق عليها”.

وقال المطلبي في تصريحات نقلتها مواقع إخبارية محلية إنّ “الاجتماعات مستمرة لحسم الكتل التي ستتولى إدارة شؤون كل مجلس محافظة بالنظر للأحجام الانتخابية التي أفرزتها النتائج، ولكن لم يُبحث ترشيح أسماء معينة لمناصب المحافظين أو رؤساء المجالس الجدد”.

العرب