هل تتخلى الصين عن دور المتفرج وتساهم في إطفاء الحرائق الإقليمية

هل تتخلى الصين عن دور المتفرج وتساهم في إطفاء الحرائق الإقليمية

الصين والشرق الأوسط

وصف الكثير من المتابعين، في وقت سابق، الصين بالمتفرج على ما يحدث في الشرق الأوسط، لأنها كانت تحصر دورها على البعد الاقتصادي والحفاظ على مصالحها الحيوية، وتبتعد عن الانخراط مباشرة في الصراعات الإقليمية، طالما أنها لم تلحق أضرارا مباشرة بها.

الابتعاد عن الأزمات الإقليمية واتباع سياسة الحياد هما اللذان جنّبا بكين الكثير من المشكلات، لكنهما لم يعودا مجديين في الوقت الراهن، الذي تتراكم فيه المشكلات، في محيط الدول التي للصين مصالح كبيرة فيها.

الجولة التي سيقوم بها الرئيس شي جين بينغ لكل من السعودية ومصر وإيران، والتي تبدأ اليوم الثلاثاء وحتى السبت المقبل، مرجح أن تظهر ملامح أو إشارات تطرأ على شكل الدور الذي تقوم به بكين منذ فترة، ويخرج من شرنقته، ليمنح توجهاتها بعدا سياسيا أيضا بالتوازي مع الدور الاقتصادي التقليدي.

برأي خبراء مصريين، الصين على وشك أن تتبنى منهجا استباقيا تجاه الكثير من القضايا الساخنة في المنطقة، حتى لا تجد نفسها أمام واقع سياسي وأمني مخيف، تكون له تداعيات صعبة على مصالحها الإقليمية والدولية.

لذلك، من اليوم فصاعدا، قد يرى العالم دورا مختلفا، ربما يسحب، في المستقبل، البساط من تحت أقدام قوى دولية أخرى، لأن بكين تتمتع بدرجة عالية من العلاقات المتوازنة مع غالبية الأطراف في منطقة مثل الشرق الأوسط.

الواقع أن الجولة التي يقوم بها الرئيس الصيني كان مخططا لها أن تتم في شهر مايو الماضي، لكن تم تأجيلها، بسبب اندلاع الأزمة في اليمن، وحساسية موقف بكين بين كل من الرياض وطهران، ناهيك عن مصر التي وقفت علانية بجوار السعودية، الأمر الذي كان سيحرج الصين مع صديقتها إيران، حيث بدت بكين غير مرحبة بالحرب التي شنها التحالف العربي في اليمن لعودة الشرعية.

وعلمت “العرب” من مصادر صينية في القاهرة، أن الرئيس شي جين بينغ أراد أن يحافظ على علاقات بلاده الجيدة مع الدول الثلاث وفضل تأجيل الزيارة لوقت آخر، على اعتبار أن الأوضاع الملتهبة يمكن أن تهدأ.

ولأن التطورات ازدادت التهابا، والعلاقات بين السعودية ومصر من جهة وإيران من جهة أخرى ازدادت توترا، عقب أزمة الاعتداء على التمثيليات الدبلوماسية السعودية في إيران، لم يكن هناك بدّ من إتمام الجولة المؤجلة.

زيارة الرئيس الصيني للسعودية ومصر وإيران مقدمة لتدشين دور سياسي لبكين حفاظا على مصالحها الاقتصادية

أبعد من إمدادات الطاقة

إذا كان الهدف الحقيقي من الزيارة الإعلان عن مقاربة سياسية جديدة لبكين، فقد تكون الأوضاع الملتهبة فرصة سانحة، للفت الأنظار إليها، فمن مصلحة الصين أن تحافظ على علاقات جيدة مع الدول الثلاث، وأفضل مدخل لها تحقيق اختراق في الأزمات المشتركة.

وفقا لتصريحات مراقبين لـ”العرب” في القاهرة، تذهب الزيارة الأولى التي يقوم بها الرئيس الصيني منذ أكثر من خمس سنوات، إلى ما هو أبعد من تأمين إمدادات الطاقة التي يحتاجها ثاني أكبر اقتصاد في العالم للنفط لتغذية أدواته التنموية.

وفضلا عن التوقعات التي رجحت أن تكون قضايا التعاون الاقتصادي وأزمة اللاجئين والإرهاب ملفات أساسية لا يمكن تجنب الحديث عنها خلال جولة شي بالمنطقة، ستحرص الصين على أن تظهر للعالم أنها ملتزمة بتحقيق السلام والتنمية معا في الشرق الأوسط.

وكانت وزارة الخارجية الصينية، وقبيل زيارة الرئيس شي بوقت قصير، قد نشرت وثيقة سياسات تجاه الدول العربية، أكدت فيها على الأهمية الاستراتيجية التي توليها بكين للمنطقة. وكشفت الوثيقة الأولى من نوعها التي تصدرها الحكومة الصينية أن بكين تبنت لوقت طويل مبدأ دبلوماسيا ينطوي على توطيد وتعميق الصداقة التقليدية الصينية-العربية.

وشددت في الوقت ذاته على رغبة الصين في إثراء وتعميق التعاون الشامل ومتعدد المستويات والنطاقات مع الدول العربية وحماية السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة والعالم أجمع.

وللدول الثلاث التي سيزورها شي علاقات قوية مع الصين، وتحتاج بكين إلى تقوية التعاون والتنسيق معها لمواجهة التطورات المتسارعة على الساحة الإقليمية.

وأكدت الصين في الوثيقة على التزامها بالسلام والاستقرار في الشرق الأوسط والحل السياسي للقضايا الإقليمية الساخنة، في إشارة فهمها البعض على أنها رغبة صينية في القيام بدور نشط وبناء في المنطقة.

عزت سعد سفير مصر في الصين، سابقا، قال لـ”العرب” إن البيئة الإقليمية والدولية أصبحت شديدة التعقيد، وهناك محاولات لإعادة رسم الخارطة السياسية في المنطقة، وبناء تحالفات ومصالح جديدة.

وأشار إلى تنامي دور أطراف إقليمية غير عربية، وظهور فاعلين جدد علي الساحة الدولية، من أهمهم الصين، مشددا على أن التحديات الخطيرة تستدعي خلق رؤية عربية مشتركة لمواجهة تلك التحديات.

وقالت نورهان الشيخ، أستاذة العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، لـ”العرب” إن الصين لن تخرج عن مبدأ الحياد في التدخل في الصراعات خارج حدودها، إلا في المناطق المجاورة، مثل بحر الصين الجنوبي أو المناطق التي تمثل أهمية استراتيجية قصوى لها، كمنطقة شرق آسيا بشكل عام، مشددة على أن “بكين لن تتدخل في صراعات الشرق الأوسط ولن ترمي بثقل كبير”.

وأضافت أن الحياد لا يمنعها من أن تحاول حماية مصالحها بالأدوات السياسية، فللصين مصالح استراتيجية مع دول الخليج، ولها أيضا مصالح مع إيران، لذلك لم يعد خافيا أن الزيارة تأتي للدولتين (السعودية وإيران) بحيث لا تعطي بكين انطباعا أنها تقف مع طرف ضد آخر. وتابعت أن الزيارة محددة الأهداف الاقتصادية والسياسية، وتتمسك بالتوازن في تقديرات الصين وأنها لا تزال خارج الصراعات الإقليمية، لكن لها مصالح حيوية في المنطقة تريد أن تحافظ عليها، بغض النظر عن التوتر بين الرياض وطهران.

طمأنة العرب

حول الوثيقة الاستراتيجية التي أصدرتها الصين للمرة الأولى بخصوص علاقتها مع الدول العربية، قالت الشيخ ”بكين أكدت في الوثيقة على طبيعة علاقتها بالدول العربية أنها علاقة محورية وتاريخية، لأن هذا العام سيشهد مرور 60 عاما على الاحتفال بالعلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية”.

توقيت صدور الوثيقة وتزامنه مع جولة الرئيس الصيني للدول الثلاث، له دلالاته السياسية، فقد أرادت الصين أن تؤكد على عمق العلاقات المشتركة مع الدول العربية، لأنها كانت تخشى أن تحسب على إيران ومعسكرها في سوريا، أو يعتقد أنها تساندها على حساب العرب، وأرادت أن توضح أن أي خلافات بينية لا شأن للصين بها.

في هذا السياق، قال السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية المصري، سابقا، إن الجولة التي يقوم بها الرئيس شي جين بينغ إلى الشرق الأوسط سوف تضخ الثقة ببكين كلاعب جديد يرغب في استقرار المنطقة.

وأوضح هريدي، في تصريحات لـ”العرب”، أن السعودية أكبر شريك تجاري وأكبر مزود للصين بالنفط الخام في منطقة غربي آسيا وأفريقيا، ومصر أول دولة عربية وأفريقية أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين الجديدة.

الصين تؤكد على عمق العلاقات المشتركة مع الدول العربية، لأنها كانت تخشى أن تحسب على إيران ومعسكرها في سوريا

من جانبه، أكد لي تشنغ ون، سفير الصين لدى السعودية، أن زيارة الرئيس شي جين بينغ للرياض الأولى من نوعها منذ تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم، ووصفها بالتاريخية. وقال في مقال له بصحيفة الشعب الصينية إن السعودية آخر دولة عربية تؤسس علاقاتها الدبلوماسية مع الصين، لكن علاقات البلدين شهدت طفرة كبيرة وتقدمت إلى الصفوف الأولى في وقت سريع.

وأكد السفير أحمد الغمراوي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أن السعودية أكبر مزود للصين بالنفط الخام ومن الطبيعي أن تحرص بكين على توطيد العلاقات معها.

وأضاف الغمراوي لـ”العرب” أنه في ظل الاضطرابات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والتغيرات العميقة التي تعيشها بنية الطاقة العالمية، باتت المصالح الصينية – السعودية أكثر تقاربا، وغدت آفاق التعاون أكثر رحابة.

وشدّد الدبلوماسي السابق على أن الصين وإيران عززتا التعاون في المجال الاقتصادي والتجاري، حيث بلغ حجم التجارة في 2014 حوالي 50 مليار دولار، وحاليا تعمل نحو 100 شركة صينية في مختلف المجالات في إيران.

في ظل الظروف الإقليمية والدولية الحالية، تنال مبادرات الصين ثقة الدول العربية، الأمر الذي ربما يساعدها على لعب دور فريد في معالجة شؤون الدول العربية. وطالب الغمراوي الصين بأن تعمل على تطوير علاقاتها مع الدول العربية ودفع تعاونها معها في مختلف المجالات.

وقال السفير عزت سعد إن مصر مثلا تعمل علي تحقيق التوازن في توجهاتها الدولية، من خلال تطوير علاقاتها مع الشركاء المهمين، مثل الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي واليابان، والسعي إلى المزيد من الانفتاح وتطوير وتعميق التعاون مع قوى كبرى، وأخرى صاعدة في النظام العالمي، كروسيا الاتحادية والصين.

هناك إجماع في دوائر مصرية متعددة على أن الشراكات الجديدة لا تمثّل بديلا عن الشراكات القائمة، وإنما فتح آفاق جديدة للتعاون بين مصر والدول الأخرى. وأوضح عزت سعد أن هناك مصالح كبيرة جداً بين الصين ومصر، وتقاربا في قضايا كثيرة.

وعلى ضوء الحصيلة التي تتمخض عنها جولة الرئيس الصيني للمنطقة، سوف يتبين هل أن بكين تريد أن تجمل سياساتها فقط، أم قررت إدخال تعديلات جوهرية تجعلها لاعبا سياسيا بالتوازي مع دورها الاقتصادي؟

محمد وديع

صحيفة العرب اللندنية