لم تنسِ الغربة والاغتراب اصحاب الكفاءات والخبراء وطنهم العراق ، الذي يإن تحت وطأة الفساد والتخبط السياسي والاقتصادي ، وغياب الاستراتيجية الواضحة التي تسير بالعراق نحو التقدم والازدهار.
وفي مدينة اسطنبول التركية أجتمع المنتدى العراقي للنخب والكفاءات ، بعيدا عن ارض الوطن الام ، الذي يسكن في قلوبهم ،لمناقشة هموم الوطن ومحاولة لتضميد جراحه التي خلفتها ايدي العابثين وتجار الاوطان، واضعين نصب اعينهم مصلحة العراق فقط ، دون السعي الى مصالح شخصية .
قبل نحو عام ، أعلن عن ولادة المنتدى يوم 31تشرين الاول / أكتوبر 2014 ، في مدينة بإسطنبول عن تأسيس (المنتدى العراقي للنخب والكفاءات) كأول تجمع للعقول والكفاءات المتميزة ، وكأول تنظيم مهني مستقل للتكنوقراط العراقيين، ويضم مختلف التخصصات الأكاديمية والمهنية.، ويضم المنتدى عدد من التخصصات الأكاديمية والمهنية والفنية .
أما هدف تأسيس المنتدى فيأتي بناءً على رغبة مشتركة بين هذه الكفاءات والادمغة أساتذة الجامعات الوطنية ،للتواصل ومناقشة هموم الوطن الام ، وتوفير الدراسات اللازمة للعودة بالعراق إلى المستوى الذي يليق بتاريخه وحضارته وسمعته، متوقعا أن يستقطب المنتدى كافة الكفاءات القادرة على خدمة البلد. وجمع أصحاب الكفاءات العراقية وضمان التواصل بينهم والاستفادة من خبراتهم عبر مجموعة من القنوات والوسائل التي رسمها المنتدى.
كان النظام الأساسي للمنتدى قد سمى العاصمة العراقية مقراً دائماً له، على أن يكون مقره المؤقت في مدينة إسطنبول التركية نظرا للوضع الأمني والسياسي المتدهور الذي يعاني منه العراق، والذي تسبب بتهجير علمائه وكفاءاته بسبب الحروب الاهلية وتصفية العلماء الذين خدموا العراق وأهله .
ويضم المنتدى لجان قانونية واقتصادية وتربوية وأخرى للإدارة والإحصاء والتخطيط الاستراتيجي والطاقة والعلوم الإنسانية والاجتماعية وغيرها من فروع المعرفة.
التخبط في السياسة النفطية وانهيار الاقتصاد العراقي
العراق بلد النفط ، والذي يحتل المرتبة الثانية على مستوى الاحتياط العالمي للنفط ، والذي يشكل المورد الوحيد له من الايرادات والعملة الصعبة و95% من ميزانيته ، بات بلد ينهشه الفساد ، وتجار الاوطان الذين استولوا على ما تبقى من خيرات العراق منذ سقوط العراق في عام 2003م تحت الاحتلال الاميركي وبات واقع اقتصادي مؤلم ومستقبله قاتم .
تناول منتدى النخب والكفاءات العراقية في اجتماعه الاوضاع الصعبة والمرعبة التي يمر بها العراق والأزمة المالية التي تعصف به ،وتدهور الصناعات النفطية محددين مكامن الخلل ومواطن الضعف ، من خلال نخبة من الخبراء والاقتصاديين المقيمين داخل وخارج البلاد.
خلال الاجتماع الذي ضم نخبة من المختصين والخبراء في مجال النفط والغاز والطاقة ، تذكر هؤلاء الخبراء الماضي بحنين يوم كانت الصناعة النفطية في العراق في افضل حال ، بالرغم من الحصار وما تلاه من احتلال للبلاد عام 2003م ، وكيف اصبح العراق اليوم واقتصاده ومقدراته ألعوبة بيد مجموعة من الغير مبالين بمصلحة العراق واهله ، والذين سرقوا خيرات البلاد وبددوها لمصالحهم الشخصية، علاوة على جعل البلاد ساحة للتدخلات الخارجية .
واستذكر مدير شكة سومو الاسبق محمد الجبوري تاريخ الشركة ما قبل عام 2003م ، والتي كانت تعمل على قدمٍ وساق ،وبالاعتماد على الكوادر البشرية الوطنية، مشيرا الى دقة العمل وانتظام المواعيد فمن النادر تأخير التصدير او تعطيل الناقلات ، اما اليوم فالشركة تتكبد مبالغ طائلة تصل بحدود دولار على كل برميل، بسبب تأخير الشحنات وانتظار ناقلات النفط لمدة تصل الى 51 يوما ، وتصل عدد الناقلات التي تنتظر 18 ناقلة وهو ما يتسبب بغرامة مالية على العراق ويؤدي الى نفور الشركات بسبب عدم الالتزام بوقت التصدير وحذر من سياسة التسويق التي تنتهجها شركة النفط العراقية ” سومو” وهو ما يكبد العراق خسائر فادحة اذا ما اخذنا بعين الاعتبار اسعار النفط لتي تهوي باستمرار .
وتطرق الجبوري الى مخصصات وزارة النفط للعام 2016 حيث تم تخصيص 16 مليار دولار لمستحقات الشركات ، ويشير الى ان هذا الرقم سيؤدي الى مشاكل مالية اذا افترضنا ان سعر برميل النفط 7 دولارات فأن 2.50 مليون برميل فقط لتسديد لشركات ، وهناك رواتب بقيمة 47 مليار دولار ، ويؤكد بأن هذه الارقام تنذر بأزمة مالية حقيقية خصوصا ان سعر البرميل لا يتماشى مع الاسعار في السوق .
اما الخبير النفطي سعد الله فتحي فتحدث عن التجاوزات التي تحدث في قطاع النفط ، وتطرق للنهب والسرقة التي تعرض لها مصفى بيجي وبيع معداته وتهريبها ، فالعراق تسوده أوضاع أمنية وسياسية غير مستقرة، وترد في الاقتصاد والمالية نتيجة لتدني أسعار النفط وتأثيره على الموازنة والاستثمار.
وتعرض للصناعة النفطية وما كانت عليه في السابق ،مشيرا الى ما وصل اليه النفط اليوم من اهمال وتخريب متعمد ، محذرا ان العراق يواجه ازمة حقيقية ، بسبب التخبط وغياب التخطيط الاستراتيجي ، وانتشار الفساد وغياب الشفافية ، وهو ما ينذر بمستقبل محفوف بالمخاطر .
وحذر من خطورة استثمار مبالغ ضخمة في زيادة الانتاج هائلة لن يستفيد العراق منها وهو ما ينعكس على المشاريع النفطية التي لم تنخفض تكاليفها مع تراجع اسعار النفط ، وبالتالي فالعراق يحصد خسائر من الجانبين ؛ جانب اسعار النفط ، وجانب كلف الانتاج ، وهو ما يجب على الحكومة العراقية ان تعيد حساباتها لتفادي هذه الخسائر الهائلة الناتجة عن هذا الواقع .
وأشار الخبير النفطي فالح الخياط الى الاعباء التي تضيفها جولات التراخيص الى القطاع النفطي بعد انخفاض اسعار النفط ، مؤكدا على ضرورة اسهام الشركات النفطية في تحمل اعباء الموازنة العامة لمواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العراق.
وبحسب الدكتور الخياط فالعراق اليوم بحاجة الى خبراء أكفاء لمواجهة الازمة التي يعيشها العراق ، وتنظيم القطاع النفطي وحمايته من ايدي العابثين ، وهو ما يفرض وجود متخصصين عراقيين وطنيين.
واستعرض وزير النفط السابق الدكتور عصام الجلبي تاريخ صناعة النفط العراقي ، والقى الضوء على محطات مضيئة في تاريخ الانتاج النفطي وصناعة النفط العراقي ، والانجازات التي تمت خلال عقود ما قبل الاختلال الأميركي عام 2003م، وبمقارنتها مع سنوات التراجع والتخبط التي تلت هذا التاريخ الى يومنا هذا ، وهنا يوضح بأنه لابد ان يتم أخذ المسألة على قدر عالي من المسؤولية لإنقاذ العراق من انهيار اقتصادي وشيك.
هذا غيض من فيض مما تناوله الخبراء العراقيين في الاجتماع ، واضعين خبراتهم وكفاءاتهم على الطاولة ، مؤكدين على جاهزيتهم لدعم العراق بما لديهم من معلومات وخبرات قد تفيد في حال وجود حكومة عراقية جادة لتدارك الخطر الذي يضرب الاقتصاد العراقي برمته .
ونلاحظ بشكل عام ان معدل انتاج النفط بالعراق في ايام الحصار وما قبلها افضل بكثير من المعدلات الحالية وهو ما يبرز فروق في حجم الانتاج وهو ما يضع العراق في ازمات اقتصادية ويزيد من اعباءها نتيجة خفض الانتاج.
في هذا الاجتماع، دق الخبراء والاقتصاديين ناقوس الخطر لمستقبل الاقتصاد العراقي والقطاع النفطي على وجه الخصوص ، فالعراق اليوم يواجه اقسى أزماته في تاريخه الحديث ، وفي ظل هذا الواقع المتخبط والفاقد للبوصلة الاقتصادية ، لابد للحكومة العراقية ان تدرك الخطر الداهم الذي يعصف بكافة قطاعاته الاقتصادية وخصوصا قطاع النفط .
من خلال ما سبق يعيش قطاعا النفط العراقي مرحلة صعبة جدا بسبب تراجع اسعار النفط العالمية الى ما دون 30 دولار للبرميل ، وغياب السياسة النفطية الرشيدة على مدى الحكومات العراقية المتعاقبة ، والاهمال والفساد الذي انهك الاقتصاد وافقده الكثير من ايراداته ، وهو ما جعل العراق اليوم يعيش اسوء مراحله الاقتصادية، وبات العراق واقتصاده في دائرة الخطر الحقيقي .
عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية