حلم السيطرة على دول الخليج لم يكن وليد الثورة الإيرانية بل كان قائماً منذ عصر الشاه الذي أراد أن تكون بلاده بمثابة شرطي الخليج، رغم وجود الاحتلال البريطاني الذي فرض وصايته على معظم إمارات الساحل طوال سنوات.
وفي عام 1979 عندما تحول الحكم في طهران من نظام ملكي إلى جمهوري إسلامي بعد الثورة سعت إيران لإحياء مطامعها في دول الجوار من خلال ادعاء تبني عدد من القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
محاولات من هذا النوع اصطدمت بوجود تيارات عربية فاعلة في تلك الفترة همشت أي مساعٍ إيرانية للاستيلاء على القضية، فكان هناك تحالف إسلامي قوي أسس له الملك فيصل بن عبدالعزيز انطلاقاً من مكانة المملكة كقبلة لكل المسلمين بمختلف فرقهم ومذاهبهم وحامية للحرمين الشريفين ومعظم المقدسات الإسلامية، وتيار قومي عربي قاده جمال عبدالناصر ومن بعده أنور السادات.
لذلك كان من الصعب على إيران في تلك الفترة أن تتغلغل في المنطقة من منطلق قومي كونها دولة فارسية أو حتى تحت غطاء إسلامي لأنها لا تستطيع القيام بهذا الدور في ظل وجود سعودي فاعل على الصعيد الإسلامي.
كانت الطائفية في البداية والدفاع عن الأقليات الشيعية المدخل الذي حاول نظام الملالي استغلاله لتصدير الثورة من خلال السيطرة على الحوزات العلمية في العراق ولبنان وحتى في إيران قبل سقوط الشاه محمد رضا بهلوي، تلك الحوزات التي كانت بمثابة القاعدة التي انطلقت منها الكثير من القيادات التي تدين بالولاء الكامل لإيران وعلى رأسها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في لبنان والعديد من الزعامات الدينية والحزبية الشيعية في العراق وبقية دول الخليج العربي.
في البدايات كانت هناك حاجة لإيجاد حاضنة شعبية لهذا المد الديني قبل تحوله إلى ثورة سياسية فتعمد الموالون له التركيز على توحيد الطائفة الشيعية من خلال إنشاء جمعيات خيرية ومرجعيات خاصة بها كالمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي أسسه الإمام موسى الصدر في لبنان عام 1969م ، كان الهدف المعلن من هذا المجلس الدفاع عن قضايا الطائفة في مواجهة ما وصفوه بالظلم الاجتماعي.
بعدها بخمس سنوات أعلن الصدر إنشاء أفواج المقاومة اللبنانية التي تأسست تحت مسمى (حركة المحرومين) التي أصبحت تعرف الآن بحركة أمل التي يتزعمها رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري.
قد يجهل الكثير أن اللواء مصطفى تشمران أول وزير للدفاع في إيران بعد الثورة وأحد قياديي الحرس الثوري الأوائل كان من مؤسسي حركة أمل في لبنان بل وكان أول مسؤول تنظيمي مركزي للحركة قبل عودته إلى طهران.
وبالتزامن مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 82 كانت الفرصة سانحة للتستر وراء المقاومة واختطاف قرار الطائفة الشيعية من أمل التي لا يوجد في ميثاقها التأسيسي ما يدعو للولاء والتبعية للمرشد الإيراني على عكس من تمرد عليها لتأسيس حزب الله في لبنان، وهذا ما يعترف به نصرالله بنفسه.
وبعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام الفين تعززت مكانة الحزب الذي استطاع في رأي البعض تحقيق ما عجزت عنه الأنظمة العربية فأصبح منيعاً في مواجهة أي محاولة لنزع سلاحه أو خضوعه لشرعية الدولة، حتى جاء عام 2008 عندما تحول سلاح المقاومة المزعومة إلى صدور اللبنانيين في بيروت وجبل لبنان.
بعدها بسنوات سقطت جميع الأقنعة عندما حمل عناصر مليشيا الحزب السلاح إلى جانب قوات النظام السوري في مواجهة شعب لم يتوقع يوماً أنه سيكون هدفا للمقاومة التي لطالما ساندها وآمن بها قبل أن تساهم في قتله وحصاره وتجويع أبنائه خدمة لأهداف إيران في الباطن، وتحت مبرر (حماية المقاومة) في الظاهر كما يقول السيد نصر الله في خطبه وتصريحاته وهو الأمر الذي لم يعد ينطلي على أحد ولا حتى عناصر حزب الله أنفسهم.
محمد الطميحي
صحيفة الرياض