تفتح فرنسا صفحة جديدة مع إيران بعد الاتفاق النووي. وتتطلع إلى علاقات اقتصادية قوية. هذا ما قاله مانويل فالز رئيس الحكومة الفرنسية في جولته في الشرق الأوسط في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. اليوم يصل الرئيس حسن روحاني إلى فرنسا بعد أن أعلن وزير النقل الإيراني أن بلاده عازمة على شراء ١١٤ طائرة من طراز «آرباص». وتستقبل أوساط شركة «آرباص» هذه المعلومات بحذر، خصوصاً أن هناك منافسة شديدة مع صناعة الطائرات الغربية منذ أن رفعت العقوبات الاقتصادية الأوروبية وبعض الأميركية عن إيران منذ نحو أسبوع. فالكل يعلم أن لإيران احتياجات ضخمة من الطائرات المدنية الجديدة. والسوق الإيرانية واسعة فالشعب الإيراني يفوق عدده ٨١ مليون شخص، والبلد يعاني من نقص في جميع القطاعات بسبب العقوبات.
زيارة الرئيس الإيراني إلى كل من روما وباريس تمثل انتقالاً نوعياً في العلاقات الأوروبية مع هذا البلد الذي فتح له باراك أوباما باب الغرب الواسع. واضح أن الغرب يراهن على نجاح الجناح الإصلاحي في إيران الممثل بروحاني. لكن الجناح المتشدد الممثل بالمرشد الأعلى و «الحرس الثوري» يعمل على منع ترشّح عدد من الإصلاحيين لانتخابات المجلس النيابي الجديد كي يبقى الجناح المتشدد مسيطراً على الحكم في إيران. إن من سوء حظ الدول التي تعاني من سياسة إيران التخريبية في سورية ولبنان والعراق واليمن والبحرين، أن يفتح الغرب أبوابه واسعة لبلد سياسته الهيمنة والتدخل في شؤون الآخرين وتهديد أمنهم.
سمعنا أيضاً أن شركة «بوينغ» تعتزم بيع إيران طائرات على أن تعيد الولايات المتحدة فتح خطوط الطيران أمام شركة الطيران الإيرانية إلى الولايات المتحدة. إن من المحزن أن شركة «طيران الشرق الأوسط» اللبنانية (MEA) ممنوعة منذ ١٩٨٥ من الطيران إلى الولايات المتحدة بسبب عملية إرهابية قام بها «حزب الله» ذراع إيران في لبنان، فيما يسمح لإيران التي خطفت رهائن أميركيين وقتلت عدداً منهم في طهران، أن تعاود طيرانها إلى الولايات المتحدة. كذلك تدعم إيران «حزب الله» في حربه في سورية لحماية نظام بشار الأسد والولايات المتحدة تشكك وتحاول تعطيل القطاع المصرفي اللبناني في حين أنها قيد رفع العقوبات عن العمليات المصرفية الإيرانية. أي سياسة هي هذه للسيد أوباما؟ هل يعتبر أن «حزب الله» حالة لبنانية مستقلة لا علاقة لها بإيران؟ لبنان بلد صغير لا يهم أوباما وليس في حجم السوق الضخم الذي سيفتح أمام التجار الأميركيين لدخول بازار طهران الذي ينتظرهم بحرارة. فزيارة روحاني فرنسا لن تغير في سياسة إيران، لا بالنسبة إلى سورية ولا في لبنان وأزمة الرئاسة فيه، وهو ملف سلمته إيران بثقة لذراعها اللبنانية «حزب الله» الذي لا يريد انتخاب رئيس قبل وضوح الرؤية بالنسبة إلى ما سيحصل في سورية.
إن زيارة روحاني ستكون مهمة لباريس من حيث الحصول على عقود ولو أن التعامل مع الإيرانيين على الصعيد التجاري صعب جداً، خصوصاً في ضوء سعر برميل النفط الذي وصل إلى ٣٠ دولاراً. وتحرير الأموال الإيرانية في الخارج لن يكون لمصلحة الشعب الإيراني، ولكن لمصلحة مقاتلي «حزب الله» في سورية والحوثيين والأوساط العراقية التابعة للتأثير الإيراني. وليس مصادفة أنه عشية زيارة الرئيس الإيراني فرنسا كتبت كبرى المجلات الأسبوعية الفرنسية مقالات معادية للصداقة الفرنسية – السعودية وتقارب الرئيس هولاند مع دول الخليج. فالرأي العام الفرنسي مقتنع بأن دول الخليج هي التي تمول «داعش» في حين أن «داعش» ظهر بعد دخول القوات الأميركية إلى العراق لإطاحة صدام حسين، ثم استخدم بشار الأسد هذا التنظيم وغذاه إلى أن أصبح التهديد الأكبر له. وهذا الرأي العام الذي يظهر في الصحف الفرنسية من شأنه أن يضغط على المجموعة الحاكمة في باريس التي تستعد لسنة انتخابية رئاسية في ٢٠١٧ وتحتاج إلى إعجاب الناخبين. ولا بد من أن زيارة روحاني فرنسا تخدم هدف الأوساط السياسية التي تريد أن تظهر أنها متوازنة وأن علاقاتها ليست فقط مع دول الخليج.
رنده تقي الدين
صحيفة الحياة اللندنية