تهديدات محتملة: هل ينجح “داعش” في السيطرة على موارد النفط الليبية؟

تهديدات محتملة: هل ينجح “داعش” في السيطرة على موارد النفط الليبية؟

داعش والسيطرة على ابار النفط في ليبيا

يُثير تكرار الهجمات التي يقودها تنظيم “داعش” على البنية التحتية للقطاع النفطي الليبي في الآونة الأخيرة مخاوف متزايدة حول إمكانية سيطرة التنظيم على حقول نفطية ليبية، وتكرار ما حدث في العراق وسوريا، وهو ما قد يُعقِّد المشهد السياسي والاقتصادي الليبي إلى حدٍّ بعيد. وعلى ما يبدو فإن الفراغ الأمني الذي واجهته البلاد طيلة الأعوام الماضية مكَّن “داعش” من التمركز بسهولة في عدة مدن ليبية، على رأسها سرت ودرنة ومصراتة، بشكل أتاح له الانطلاق نحو منشآت “الهلال النفطي”.

ورغم أن البنية النفطية الليبية لم تكن هدفًا سهلا أمام “داعش”، حيث استطاعت قوات حرس المنشآت النفطية الليبية التصدي لهجماته؛ فإن ارتفاع وتيرة محاولاته قد يؤدي إلى استنزاف القطاع النفطي أو السيطرة على الأصول النفطية المؤمَّنة بشكل غير كافٍ في وقت لاحق. وعلى أية حال، فإن النجاح في صد خطر “داعش” بصفة نهائية يتوقف على عدة اعتبارات، يتمثل أهمها في الالتزام السريع بالوفاق الوطني بين الأطراف المتنازعة بليبيا الذي أقره اتفاق الصخيرات بالمغرب في ديسمبر 2015، فضلا عن التحرك في مسارين هما، رفع القدرات التسليحية للقوات الليبية، والتحرك العسكري ضد التنظيم بمناطق تمركزه في الأراضي الليبية.

فرص مرهونة:

من دون شك فإن اتفاق الصخيرات الذي وُقِّع بالمغرب نهاية ديسمبر الماضي أعطى كثيرًا من التفاؤل لمستقبل المشهد السياسي الليبي المتأزم منذ اندلاع الثورة في عام 2011، والذي انعكس، منذ عامين تقريبًا، في تأسيس حكومتين إحداهما بطبرق شرق البلاد، والأخرى بالغرب في طرابلس.

وخلافًا للتشرذم السياسي السابق، فقد أسس الاتفاق لسلطة موحدة، حيث تشكلت منذ أيام حكومة وفاق وطني ستقود مرحلة انتقالية، تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية بعد عام، وبجانبها أيضًا تَشَكَّلَ مجلس رئاسي آخر. وعلى الرغم من غياب بعض أطراف الصراع الليبي عند توقيع الاتفاق، وما قد يفرضه ذلك من تهديد لتسوية الصراع القائم، فمن الناحية النظرية قد يُرتب هذا الاتفاق أوضاعًا أكثر استقرارًا للقطاع النفطي الليبي، والذي تعرض لأضرار كبيرة طيلة الأعوام الخمسة الماضية، وبناءً عليه هبطت مستويات إنتاج النفط إلى حدود 400 ألف برميل يوميًّا في عام 2015 أي ربع الإنتاج الفعلي في عام 2010.

إنتاج النفط في ليبيا منذ اندلاع الثورة الليبية 

(بالمليون برميل يوميًّا)

undefined

المصدر: إعداد وحدة الدراسات الاقتصادية، بناء على بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.

ونظريًّا، يضمن التحول السياسي الحالي دفعة كبيرة للقطاع النفطي الليبي؛ حيث يكفل الاتفاق ضمنيًّا وحدة المؤسسات الاقتصادية الرئيسية للبلاد، وإفشال المحاولات السابقة غير التامة بإنشاء مؤسسات موازية بشرق البلاد، سواء لمؤسسة النفط الليبية، أو مصرف ليبيا المركزي بطرابلس. وفي ضوء هذه الظروف الإيجابية المحتملة، يمكن للبلاد استعادة قدراتها الإنتاجية والتشغيلية، علاوةً على جذب استثمارات جديدة لتطوير الطاقة الإنتاجية للحقول النفطية.

خطر “داعش”:

منذ أوائل يناير الجاري وفي أعقاب توقيع اتفاق الصخيرات في المغرب، تصاعدت وتيرةُ تهديدات تنظيم “داعش” للقطاع النفطي، مستهدفًا تارة خزانات النفط وتارة أخرى موانئ التصدير الرئيسية بالبلاد. وفي غضون الأيام القليلة الماضية؛ شهدت ليبيا حوادث عدة ألحقت خسائر متتالية بالقطاع النفطي، لعل أكثرها شدة عندما طالت قذائف “داعش” سبعة صهاريج نفط بالقرب من ميناءَيْ التصدير بالسدرة ورأس لانوف. وعقب ذلك قام “داعش” بمهاجمة نقطة تفتيش تابعة لجهاز حرس المنشآت النفطية في رأس لانوف، وفي الوقت نفسه دخل التنظيم في اشتباكات متعددة مع قوات حرس المنشآت في مواقع التصدير بالسدرة ورأس لانوف. وقبل ذلك بشهور في مارس 2015، كان هناك حدث أكثر خطورة عندما شن “داعش” هجومًا مباشرًا على حقل المبروك النفطي بشرق البلاد، ولسوء الحظ نجح في اختطاف عددٍ من عناصر حرس المنشآت النفطية.

مستويات التأثير:

أسوة بالمشهد السوري والعراقي، حيث يُنتج تنظيم “داعش” قرابة 30 ألف برميل يوميًّا، وفق تقديرات سابقة؛ يبدو التنبؤ بسهولة أن الغاية النهائية لـ”داعش” من وراء هذه الهجمات هى السيطرة على حقول نفطية جديدة، وخلق مصادر دخل مستديمة. ولكن الوضع الراهن، ربما يطرح رؤية مغايرة للنموذج العراقي أو السوري.

حقيقة الأمر إن التنظيم لم ينجح عبر الحوادث الماضية حتى الآن في السيطرة الفعلية على أيٍّ من المنشآت النفطية الليبية، ففي أغلب الأحوال نجحت قوات حرس المنشآت النفطية الليبية في التصدي لهذه الهجمات، نظرًا لتفوقها العددي والتسليحي. ولكن من المعلوم أن “داعش” قد يُصيب القطاع النفطي بخسائر متلاحقة. وكتقدير أوّلي، بلغت الخسائر جراء احتراق صهاريج النفط السبعة نحو 213 مليون دولار، حسبما صرح رئيس المؤسسة الليبية للنفط المبروك أبو سيف، يُضاف إليها تكلفة إعادة تأهيل والمقدرة بنحو 150 مليون دولار. وبناءً عليه، تميل استراتيجية “داعش” الحالية إلى استنزاف القطاع النفطي والاقتصاد الليبي المتدهور جراء تراجع أسعار النفط.

تحرك عسكري:

لن يتوقف طموح التنظيم عند نقطة استنزاف القطاع النفطي، وقد يبدو مستساغًا أكثر لدى قادته في المستقبل القريب سيطرته على الأصول النفطية، وهو ما يمكن أن يترجمه بمزيد من عمليات استهداف المنشآت النفطية. ومن أجل تحقيق ذلك الغرض، قد يتخير التنظيم استهداف المنشآت النفطية غير المؤمنة بشكل كافٍ، سواء في شرق البلاد أو غربها، أو القيام بعمليات متتالية وخاطفة وأكثر شدة تُفقد القوات الليبية توازنها، أو أخيرًا الاتجاه نحو استقطاب بعض الأطراف المشاركة في التأمين كالميليشيات المسلحة أو القبائل الليبية.

لكن السيناريو السابق يُمكن استبعاده كليةً، ليس لمجرد العلم بأن أعداد قوات حرس المنشآت تبلغ قرابة 12 ألف جندي في مقابل مقاتلي “داعش” الذين يتراوح عددهم ما بين 4 إلى 5 آلاف مقاتل، وإنما عبر تحرك ليبيا على أربعة مستويات رئيسية تتمثل في:

1- ضمان كسب ولاءات القبائل المشاركة في تأمين المنشآت النفطية كقبيلتي “التبو” و”الطوارق” اللتين تشتركان في تأمين الحقول جنوب غرب ليبيا.

2- رفع القدرات التسليحية لقوات حرس المنشآت الليبية، ولحسن الحظ، ربما يمهد اتفاق الصخيرات لرفع قرار مجلس الأمن الخاص بحظر تسليح الجيش الليبي والذي صدر منذ بداية الثورة الليبية تحت رقم 1970.

3- التأكيد على رفض أية محاولات لبيع النفط الليبي بشكل غير شرعي، وبالفعل أصدر مجلس الأمن، في عام 2014، القرار رقم 2146، والذي يحظر صادرات النفط الخام غير المشروعة من ليبيا، ويجيز للدول تفتيش السفن في البحار العليا.

4- التحرك الوقائي نحو شن هجمات مضادة ضد مواقع تمركز “داعش” بالمدن الليبية، في إطار استكمال الهجمات التي شنتها القوات الجوية الليبية ضد “داعش” بمدينة سرت في الشهور الماضية.

وبناءً على ذلك، يتبين أن مستوى الخطر الذي يتعرض له القطاع النفطي الليبي في حدود أدنى قياسًا بالأوضاع السابقة في سوريا أو العراق، ولكن التعامل مع تهديدات “داعش” المتصاعدة يقتضي التحرك العسكري السريع ضد مواقعه في الأراضي الليبية.

المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية