تميز عام 2015 مع دخول إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما عامها السابع، وبداية الحملات الانتخابية للمرشحين للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر لها في الثامن من نوفمبر 2016، والتي تبدأ مبكرا، بتعدد المؤلفات التي تقيم السياسة الخارجية لهذه الإدارة، لاسيما تجاه قضايا منطقة الشرق الأوسط لما لها من تأثير في أمن واستقرار النظام الدولي، وتلك التي تبحث فيما إذا كان للرئيس أوباما عقيدة في السياسة الخارجية بعد سنوات سبع من دخوله البيت الأبيض أم لا، وكيف أثرت سياسات الإدارة الأمريكية في مكانة الولايات المتحدة في النظام الدولي الذي يمر بمرحلة من التحول، بالإضافة إلي مؤلفات تقدم نصائح للرئيس الأمريكي القادم لكيفية استعادة الولايات المتحدة فاعليتها كقوة عظمي في النظام الدولي.
لسبر أغوار عقيدة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وسياساته الخارجية، صدر كتاب لأستاذ الشئون الدولية بجامعة جورج مايسن الأمريكية، كولن دوك، بعنوان “عقيدة أوباما: استراتيجية أمريكا الكبري اليوم”. يشير “دوك” في كتابه إلي أن عقيدة أوباما تقوم علي محورين رئيسيين، أولهما: تقليل الانخراط الأمريكي في الشئون الدولية، مقابل التركيز علي الداخل الأمريكي من أجل بناء الولايات المتحدة الأمريكية، وتمرير مشاريعها الليبرالية، انطلاقا من اقتناع بأن الحفاظ علي مكانتها العالمية، في ظل المتغيرات الدولية، وصعود قوي دولية جديدة تنافسها علي النفوذ علي الصعيد الدولي، ينطلق بالأساس من الداخل الأمريكي. ثانيهما: السعي لاحتواء الخصوم (الصين، وروسيا، وإيران)، وتقديم التنازلات لهم علي أمل تغيير سلوكهم المعادي للولايات المتحدة علي الصعيد الدولي.
وفي تقييم لعقيدة الرئيس الأمريكي، يري الكاتب أنها لم تحقق ما كان يصبو إليه باراك أوباما، بل إنها أوجدت من المشكلات أكثر من عملها علي حل الأزمات التي واجهتها الولايات المتحدة الأمريكية مع خصومها علي المسرح الدولي. حيث أدت سياسة تقديم التنازلات، واحتواء منافسي الولايات المتحدة إلي فقدان الولايات المتحدة عددا من حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط، وآسيا، ووسط أوروبا الشرقية. ويضيف “دوك” أن النهج الذي تبناه أوباما القائم علي تقليل الانخراط في الشئون الدولية، مقابل التركيز علي الداخل الأمريكي، جعل حلفاء الولايات المتحدة التقليديين علي اقتناع بأنها تتراجع عن دورها التقليدي، وهو الأمر الذي شجع علي اشتعال الصراعات، وتعقدها، وتأزمها، وفقد حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية التقليديين الثقة في أي التزامات أمريكية، والسعي لإعادة النظر في تحالفاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وهذا ما أكده نائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تيشيني، وابنته “ليز” في مؤلفهما “الاستثنائية: لماذا يحتاج العالم إلي أمريكا القوية”، حيث يخلصان في مؤلفهما إلي أن سياسات الرئيس أوباما أخفقت في الحفاظ علي الريادة الأمريكية للنظام الدولي التي تتمتع بها منذ نهاية الحرب الباردة بالانسحاب وغياب الدور القيادي من مناطق الأزمات، والتي أدت إلي تزايد المخاطر الدولية التي لم تعد بعيدة عن الولايات المتحدة. ولذا، دعا تشيني وابنته في نهاية مؤلفهما الرئيس الأمريكي القادم إلي أن يعمل علي استعادة قوة الولايات المتحدة الأمريكية وتحالفاتها، وتجديد قوتها وقيادتها للعالم مرة أخري، مع تركيز السياسة الأمريكية علي هزيمة الأعداء، والحفاظ علي أمن ومصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الخارج.
وفي المقابل، تذهب كتابات أخري إلي أن السياسة الخارجية للرئيس أوباما لم تختلف كثيرا عن سياسات الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، علي الرغم من أن أوباما قد أعلن مع بداية حملته الانتخابية في عام 2008، حتي بعد دخوله البيت الأبيض، عن سعيه لتبني سياسات (داخلية وخارجية) مغايرة لتلك التي تبتها إدارة بوش. ففي كتابه “حروب القوة: الإدارة الأمريكية برئاسة أوباما بعد هجمات 11 سبتمبر”، يري تشارلي سافاج، مراسل صحيفة نيويورك تايمز، أنه مع قرب مرور سبع سنوات علي إدارة أوباما، فإن العديد من سياسات إدارة بوش -وليس جميعها- لا تزال سارية المفعول. وهنا، يتحدث المؤلف عن استمرار فتح معتقل جوانتانامو، علي الرغم من أن أوباما تعهد مع بداية إدارته بإغلاقه في غضون عام، مع استمرار سياسات انتهاك خصوصيات المواطن الأمريكي. بل إن الكاتب يتحدث عن زيادة سياسات المراقبة والتجسس علي المواطنين الأمريكيين خلال إدارة أوباما عما كانت عليه إبان إدارة بوش الابن السابقة.
وقد كانت السياسة الخارجية للرئيس أوباما محل انتقاد في مؤلفات المتنافسين الجمهوريين للفوز ببطاقة الحزب في الانتخابات الرئاسية القادمة. ويأتي في مقدمة تلك الكتب مؤلف رجل الأعمال الشهير دونالد ترامب، الذي تتقدم أسهمه كافة استطلاعات الرأي العام الأمريكي حاليا، والذي جاء بعنوان “حان وقت الحزم.. جعل أمريكا عظيمة مجددا!”. وهذا الكتاب من أكثر الكتب مبيعا داخل الولايات المتحدة، حسب تصنيف صحيفة نيويورك تايمز.
في كتابه، ينتقد ترامب، مثل باقي مرشحي حزبه، السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأمريكي، وطريقة تعاملها مع التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة خارجيا. ويري أن الولايات المتحدة، في ظل إدارة الرئيس أوباما، أضحت في وضع متأزم، حيث بدأ العد التنازلي لقيادتها للنظام الدولي، وقوتها كقوة عظمي مهيمنة علي نظام ما بعد الحرب الباردة. وانطلاقا من هذا، فقد ركز ترامب في مؤلفه علي كيفية استعادة الولايات المتحدة مكانتها عالميا كأمة عظيمة، وهو ما يتجلي في عنوان كتابه.
ولاستمرار المكانة والقوة الأمريكية عالميا، دعا ترامب في كتابه إلي ضرورة تعامل الرئيس الأمريكي القادم مع قضايا قد تكون في طبيعتها داخلية، إلا أن معالجتها ستحافظ علي النفوذ الأمريكي عالميا، وفي مقدمتها قضايا الدين العام، والعجز المالي، واستمرار الاعتماد الأمريكي علي النفط المستورد من الخارج، رغم ثورة النفط والغاز الصخري الأمريكي، وكذا قضية البطالة، وتوفير فرص العمل.
ومع تزايد إخفاقات السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وقرب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وتصدر ملف السياسة الخارجية أجندة النقاش والمناظرات بين المرشحين المحتملين، صدر كتاب إيان بريمر بعنوان “القوي العظمي: ثلاثة خيارات للدور الأمريكي في العالم”، الذي يطرح فيه ثلاثة خيارات محددة للسياسة الخارجية الأمريكية للرئيس الأمريكي القادم. يتمثل الخيار الأول في الانخراط الأمريكي في الشئون الدولية انطلاقا من مقولة “الاستثنائية الأمريكية”، التي يعني بها أنه لو تخلت الولايات المتحدة عن لعب دور شرطي العالم، فلن يستطيع أحد القيام بهذا الدور، ومن ثم يصبح العالم منطويا علي العديد من المخاطر، وأن الولايات المتحدة وحدها هي التي تستطيع الدفاع عن قيمها، والتي يعتمد عليها بشكل كبير الاستقرار العالمي. أما الخيار الثاني، فيقوم علي انتقائية التدخل الأمريكي في الشئون الدولية، لأن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تواجه كل التحديات الدولية وحدها، ومن ثم يجب أن تكون الأولوية للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة المهددة حول العالم. ويتمثل الخيار الأخير في الانسحاب الأمريكي من الشئون الدولية، والتركيز علي الداخل الأمريكي.
خلاصة القول: إن السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، القائمة علي تقليل الانخراط الأمريكي خارجيا، مع التركيز علي الداخل، أدت إلي تدهور المكانة والدور الأمريكي عالميا، وتزايد الأزمات الدولية، وفي مقدمتها التنظيمات الإرهابية التي لم يعد خطرها يقتصر علي الدول التي تنشط فيها، بل أضحي تهديدا عالميا تجلت ملامحه في الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها باريس في الثالث عشر من نوفمبر 2015. وبهذا، أصبحت السياسة الخارجية الأمريكية للرئيس أوباما محل انتقاد من قبل المؤلفات الأمريكية التي صدرت في عام 2015. ونظرت تلك المؤلفات إلي أن السياسة الخارجية لإدارة أوباما أصبحت غير شعبية، وهو ما دفع بعض تلك المؤلفات إلي تقديم بدائل للسياسة الخارجية لإدارة أوباما مع بداية الحملات الانتخابية للمرشحين في الانتخابات الرئاسية القادمة لتستعيد الولايات المتحدة مكانتها كفاعل محوري في التحولات والتطورات الدولية، بعد فترة من التراجع، وفقدان الهيمنة.
عمرو عبدالعاطي
مجلة السياسة الدولية