يسرع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخطى عبر سوريا لفرض ترتيب أوسع في منطقة أوروبا والبلقان وشرق البحر المتوسط من خلال حرب طويلة الأمد على أبواب أوروبا الجنوبية يلعب الأكراد السوريون فيها دور رأس الحربة.
وقرر بوتين الدخول في مبارزة دؤوبة مع تركيا من خلال الاعتماد على الأكراد السوريين الذين يشكلون محورا عسكريا فاعلا شمالي مدينة حلب المحاصرة، وتخشى أنقرة من سعيهم الجاد إلى إقامة دولة كردية على حدودها الجنوبية.
وتحاول موسكو في الوقت نفسه ممارسة ضغط سياسي هائل على الاتحاد الأوروبي عبر مواصلة سياسة التهجير المتعمد للآلاف من السوريين الهاربين من قصف الطائرات الروسية العنيف على حلب وريفها الشمالي، ومن ثم النفاذ عبر تركيا إلى أوروبا.
ويحاول الروس الإفلات من عقوبات اقتصادية واسعة فرضها الأوروبيون على بلادهم إثر إعلان روسيا ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى أراضيها، عبر الهروب إلى الأمام في تعميق أزمة المهاجرين التي باتت تهدد مكتسبات الاتحاد الأوروبي خاصة اتفاقية حرية الحركة بين الدول الأعضاء.
وشكل اللاجئون السوريون الكتلة الأكبر لأكثر من مليون مهاجر وصلوا إلى أوروبا خلال العام الماضي في أضخم موجة هجرة تشهدها أوروبا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، فيما تلوح في الأفق بوادر موجة جديدة تشكلت مع تصاعد القصف الروسي على مدينة حلب.
وتسبب القصف في انهيار اتفاق لوقف إطلاق النار تم التوصل إليه بين روسيا والولايات المتحدة في ميونيخ الأسبوع الماضي، من قبل أن يبدأ.
ويقول دبلوماسيون وسياسيون غربيون إن بوتين يعمل جاهدا على مفاقمة أزمة اللاجئين واستخدامها كسلاح لتقويض المشروع الأوروبي وتقسيم الحلف الأطلسي الذي تشكل الولايات المتحدة وأوروبا قوته الضاربة.
ويحاول بوتين، عبر تهجير عشرات الآلاف من السوريين إثر ضربات مكثفة استهدفت في حلب مخابز ومستشفيات ومنازل لسكان مدنيين، الفوز في سباق محتدم مع أوروبا حول الخروج من أزمات قاسية تعصف بالطرفين.
ويعاني الاقتصاد الروسي من عقوبات في قطاع النفط والقطاع الزراعي واستيراد المواد الغذائية من أوروبا منذ قرابة عامين. وتشير الأرقام المالية إلى أن الكثير من الديون الروسية ستبدأ بالاستحقاق مطلع العام القادم وأن بوتين يرى مخرجا في تقويض الاتحاد الأوروبي.
ويواجه الاتحاد الأوروبي في المقابل أزمات اقتصادية كادت تتسبب في خروج اليونان من الاتحاد، كما يشهد انقسامات حادة بين أعضائه حول “سياسة الأبواب المفتوحة” أمام اللاجئين التي تتبناها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ويعارضها غالبية الزعماء الأوروبيين.
وقال جون ماكين العضو النافذ في الكونغرس الأميركي خلال كلمة ألقاها في مؤتمر ميونيخ للأمن والسلام العالميين “هذه مدرسة روسيا في توظيف الدبلوماسية لخدمة تحركات عسكرية واسعة، وهي تؤتي ثمارها لأننا نتركها تؤتي ثمارها”.
وأضاف “ليست مصادفة أن بوتين وافق على وقف لإطلاق النار بعدما حصل على ما يريد. لقد شاهدنا هذا الفيلم من قبل في أوكرانيا”.
وقلبت الضربات الجوية الروسية المعززة لتحركات الجيش السوري ميزان القوى بشكل كبير لصالح نظام الرئيس بشار الأسد، وحولت مواقع المعارضة المسلحة في حلب إلى كنتونات منعزلة، فيما دعمت توسع الأكراد الذين باتوا يلقون الدعم من روسيا والولايات المتحدة ويواجهون عداء كبيرا من قبل تركيا.
وقال شيروان إبراهيم المحلل السياسي السوري الكردي “لا أثق في تحالف قوات سوريا الديمقراطية مع الروس الذين يمتلكون تاريخا أسود تجاه الأكراد. أعتقد أن هذا تحالف تكتيكي وقائم على ظروف مؤقتة”.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أيضا أن “الروس ومعهم النظام السوري يحاربون داعش والفصائل المتشددة الأخرى، والأكراد يقومون بالشيء نفسه، لذا لا أستبعد أن يكون هناك تنسيق غير مباشر بين الأكراد ونظام الأسد عبر روسيا”.
وتسعى موسكو إلى الانتقام من أنقرة التي أسقطت في نوفمبر الماضي طائرة مقاتلة روسية قالت إنها اخترقت مجالها الجوي، أثناء قيامها بشن هجمات على مواقع المعارضة في سوريا.
وإذا ما نجحت سيطرة الأكراد والجيش السوري على بلدات تل رفعت ومارع وأعزاز فستؤدي حتما إلى تدافع الآلاف من اللاجئين إلى حدود تركيا التي هدد رئيسها رجب طيب أردوغان في أكثر من مناسبة بإغراق أوروبا بهم إن لم تضغط على روسيا لوقف القصف.
وقال مصدر روسي لم يشأ الكشف عن هويته “بوتين ينتظر من أردوغان أن ينفذ تهديده، هذا سيكون من أسعد أيامنا”.
صحيفة العرب اللندنية