القلب المظلم لرابطة دول جنوب شرق آسيا

القلب المظلم لرابطة دول جنوب شرق آسيا

580

التقى الرئيس الأميركي باراك أوباما في مؤتمر قمة بولاية كاليفورنيا قادة الدول العشر الأكثر أهمية في التجمعات الإقليمية بآسيا: رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان).

ويعتبر هذا الحدث هو الأول من نوعه الذي تعقده الولايات المتحدة ودول الآسيان على التراب الأميركي، وقد وصف كمؤشر لنمو مصلحة أميركا في جنوب شرق آسيا. وفي سياق دعوة جميع أعضاء دول الآسيان فإن السؤال المطروح هو ما إذا أصبحت مصالح الولايات المتحدة أولى من مبادئها.

وتعد القمة أحدث مظاهر “تحول” إستراتيجية إدارة أوباما نحو آسيا، وتتمثل في إستراتيجية الأمن القومي والتي تستلزم توجيه الموارد الاقتصادية والدبلوماسية الأميركية تجاه الدول المطلة على المحيط الهادئ، وفي جميع الحالات تعتبر هذه الخطوة نحو علاقات أوثق منطقية بشكل كبير.

في البداية، نلاحظ أن التوترات بين دول جنوب شرق آسيا والصين في ارتفاع، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الصين في عهد الرئيس شي جين بينغ -زعيم الصين الأكثر استبدادا منذ دنغ شياو بينغ- تتصرف بحزم على نحو متزايد بشأن المزاعم الإقليمية المتنازع عليها في مياه المنطقة.

وفي الآونة الأخيرة قررت الصين نقل منصة للنفط إلى المياه المطالب بها من قبل فيتنام، وأدى مثل هذا القرار قبل عامين إلى أعمال شغب مميتة مناهضة للصين في فيتنام.

ليست فيتنام وحدها من تشعر بالقلق، تحاول ماليزيا وسنغافورة والفلبين أيضا رفع مستوى القوات البحرية وخفر السواحل. وفي الحقيقة، بعد عقدين من طرد القوات الأميركية من القواعد المحلية الآن ترحب الفلبين بعودة القوات الأميركية كجزء من اتفاق تعاون عسكري جديد.

وحتى الدول التي تعتمد اقتصاداتها على الصين تعيش حالة قلق، فالصين أكبر مانح للمساعدات وأكبر شريك تجاري للاوس، لكن الحزب الشيوعي الحاكم في لاوس انتخب في الشهر الماضي قيادة جديدة قيل إنها تخلو من أي سياسيين مؤيدين للصين.

وفي ميانمار -التي تعتمد هي الأخرى اعتمادا كبيرا على المساعدة والتجارة الصينية- كان الخوف من أن تصبح تابعة للصين سببا رئيسا في تنازل المجلس العسكري عن السلطة لحكومة مدنية في أوائل سنة 2010.

وبصرف النظر عن التحديات الأمنية فإن لدى الولايات المتحدة مصلحة اقتصادية متنامية في جنوب شرق آسيا، وتعتبر مجموعة دول الآسيان رابع أكبر شريك تجاري لأميركا، فبعض الأدلة تشير إلى أن المجموعة الاقتصادية الجديدة للآسيان هي بمثابة إطار لاتفاق تجاري إقليمي حر يساعد على التخفيف من تأثير اضطراب الوضع الاقتصادي العالمي بشكل متزايد على دول جنوب شرق آسيا.

لكن هناك مشكلة خطيرة للغاية في قمة الولايات المتحدة ودول الآسيان، فمنذ بدء تحول موقف الولايات المتحدة تجاه آسيا في عام 2011 تراجعت الأنظمة السياسية عموما في جنوب شرق آسيا بشكل كبير، وعلى مدى السنوات القليلة الماضية انتقلت تايلاند من الديمقراطية المعيبة إلى الحكم العسكري الذي من شأنه أن يستمر خلال عام 2018 وبعده.

كما اتجهت ماليزيا نحو ديمقراطية ذات حزبين في عام 2011، أما اليوم فيوجد زعيم المعارضة أنور إبراهيم رهن الاعتقال بتهمة اللواط المشكوك فيها، وقد أصدرت الحكومة تشريعا يجيز اعتقال منتقديها إلى أجل غير مسمى، ولا يزال رئيس الوزراء نجيب رزاق متورط في فضائح اقتصادية وسياسية متعددة.

وبدا أن كمبوديا أيضا توصلت إلى انفراج سياسي بعد أن فاز ائتلاف المعارضة تقريبا في الانتخابات العامة عام 2013، لكن في العامين الماضيين أكد رئيس الوزراء الكمبودي هون سين هيمنته السياسية، وهرب زعيم المعارضة سام رينسي إلى المنفى خوفا من الاعتقال.

وبالنسبة لميانمار، فعلى الرغم من أن إدارة أوباما قد وصفت البلاد بالمثال الساطع للتغيير الديمقراطي لكن الديمقراطية الحقيقية لا تزال في الأفق، صحيح أن حزب الرابطة الوطنية للديمقراطية -الذي كان في المعارضة لمدة طويلة- قد فاز في الانتخابات العامة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لكن لا يزال الجيش يسيطر على العديد من الوزارات وربع مقاعد البرلمان، وعلاوة على ذلك، فإن الحروب الأهلية تنفجر على طول حدود ميانمار، وتقوم العصابات والجماعات المتطرفة الأخرى بذبح المسلمين غرب البلاد.

وتبقى لاوس وفيتنام وبروناي من بين الدول الأكثر قمعا في العالم مع عدم وجود مؤشر على أي انفتاح سياسي على الإطلاق، وعلى الرغم من أن الديمقراطية تقدمت في إندونيسيا فقد شهدت تقدما بطيئا في كل من الفلبين وسنغافورة، وفي هذه الأخيرة يستمر الحزب الحاكم بالهيمنة على النظام السياسي.

وهناك عوامل عدة وراء إضعاف الديمقراطية في جنوب شرق آسيا، لقد ثبت في أغلب الأحيان أن الجيل الأول من القادة المنتخبين في المنطقة -مثل رئيس الوزراء التايلاندي السابق تاكسين شيناواترا- كانوا مستبدين وقاموا باستخدام أغلبيتهم لسحق خصومهم وحظر التكنولوجيات التي كان من الممكن استعمالها كأدوات للتغيير.

وفي تايلاند -التي ارتفع فيها القمع عبر الإنترنت تحت المجلس العسكري- تم منع أكثر من مئة ألف موقع إلكتروني.

إن ضعف المؤسسات يعني النضال من أجل حل الأزمات السياسية بالنسبة للعديد من البلدان مثل ماليزيا، ففي تايلاند أصبحت عمليات استحواذ الجيش على السلطة نمط حياة، أضف إلى ذلك أن تأثير الصين -وهي بالكاد قوة من أجل التغيير الديمقراطي- والانحدار الديمقراطي في جنوب شرق آسيا ليسا صادمين إطلاقا.

إن الأمر المزعج هو أن إدارة أوباما تسير نحو تعزيز هذا الاتجاه الضار من خلال تقوية العلاقات مع الحكام المستبدين في جنوب شرق آسيا، فقد حافظ أوباما على علاقاته الوثيقة مع وزير ماليزيا الأول نجيب (يقال إنهما رفاق الغولف).

عندما زار أوباما ماليزيا في العام الماضي أشار بالكاد إلى سجن أنور، وغضت إدارته الطرف أيضا بشكل واضح عن الانتهاكات في بروناي ولاوس وفيتنام، ودعت رئيس الحزب الشيوعي الفيتنامي إلى زيارة واشنطن العاصمة في يوليو/تموز الماضي من أجل زيارة لامعة ودافئة.

في الأشهر الأخيرة قررت إدارة أوباما إعادة الروابط مع تايلاند التي وضعت على الجليد بعد انقلاب مايو/أيار 2014، بما في ذلك استئناف حوار إستراتيجي رفيع المستوى. لكن، وفقا لمنظمة حقوق الإنسان هيومن رايتس ووتش “شدد المجلس العسكري في تايلاند قبضته على السلطة وقمع الحقوق الأساسية بشدة” في العام الماضي، وحتى اليوم لم تظهر أي علامات على تغيير هذا النهج.

سوف تشمل قمة الولايات المتحدة ودول الآسيان قادة مثل هون سين الذي حكم كمبوديا لمدة 25 عاما والذي كان يعتبر في السابق قاسيا جدا واستبداديا للغاية، ولا يمكن دعوته من قبل الرئيس الأميركي لزيارة أميركا.

ويبدو أن الاعتبارات الأمنية والاقتصادية الآن قد اغتصبت الديمقراطية كمعيار رائد لمحددات السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة، وبالنسبة لشعوب جنوب شرق آسيا فإن هذا النهج قد يسبب المخاطر أكثر من الفوائد في النهاية.

جوشوا كورلانتزيك

نقلا عن الجزيرة نت