البحرين: الوتر المشدود ما بين ضفتي الخليج

البحرين: الوتر المشدود ما بين ضفتي الخليج

20162186224384734_19

من يقف في منتصف الطريق بين طرفين متضادين يكون مكشوفًا، وعليه تحمُّل تبعات هذا الخيار؛ إذ سيكون كمن لا ظهر له ولا غطاء؛ ولكن ماذا عن مَنْ يكون قَدَره أن يكون في المنتصف جغرافيًّا، كمملكة البحرين؛ التي كان قدرها أن تكون جزيرة صغيرة دون عمق استراتيجي تستند إليه إلا باعتمادها على الدول العربية الأخرى في منظومة مجلس التعاون الخليجي. وكونها أقل الدول الست دخلاً، يصعِّب عليها الاعتماد على نفسها في أكثر من محطة بشكل كامل إلا بمساعدات “الأشقاء”، إضافة إلى تركيبتها السكانية ذات الأقليتين الكبيرتين من المكونين الشيعي والسني.

هذه العوامل جميعها -إضافة إلى صلات القرابة القبلية بين الأسر الحاكمة في الدول الخليجية- قادت البحرين إلى التماهي مع التوجهات الخليجية؛ خصوصًا تلك التوجهات المُعلنة من قِبَل الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية، وذلك كما حدث في قضية قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إيران، مباشرة بعد إعلان الرياض سحب سفيرها من طهران؛ وكذك بتقديم المساندة بجميع الطرق الدبلوماسية فيما يخصُّ مفهوم “نصرة الأخ”، لاسيما أن الطرف الآخر هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ الخطر المحدق والمهدِّد الأول لأمن البحرين والمنطقة وفق وجهة النظر الرسمية.

الفوز بالبحرين بالنسبة إلى إيران لا يعني استزادة مساحة أو مداخيل؛ ولكنها منصة استراتيجية مهمة في المغالبة اللا منتهية مع الضفة الغربية للخليج العربي، وهذه هي الأهمية الاستراتيجية للبحرين؛ والمنامة تعي هذا الأمر، كما تعيه عواصم دول الخليج الأخرى.

مقدمة

ما إن أُعْلِن عن إعدام رجل الدين الشيعي السعودي نمر باقر النمر -في 2 من يناير/كانون الثاني 2016- حتى انطلقت الاحتجاجات في بعض مناطق محافظة القطيف الواقعة في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، لاسيما في بلدة العوامية مسقط رأس نمر النمر، وفي عددٍ من الدول التي يُشَكِّل المكوِّن الشيعي فيها ثقلًا ديموغرافيًّا؛ وذلك كما في البحرين، وإيران، والعراق، ولبنان، وغيرها من الدول الواقعة في شبه القارة الهندية كباكستان وأفغانستان.

تلك الاحتجاجات التي شهدتها بعض المدن، وإن هدأت، إلا أنها لا تزال -حتى وقت إعداد هذه الورقة في الأسبوع الأول من شهر فبراير/شباط 2016- مستمرَّةً في أيام الجُمَع في البحرين؛ وذلك من خلال مسيرات في بعض القرى ذات الأغلبية الشيعية، تحت عناوين مختلفة؛ كتلك التي دعا إليها “ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير/شباط” يوم الجمعة الموافق 15 من يناير/كانون الثاني 2016؛ التي سُمِّيَتْ بـ “جمعة العمامة المذبوحة”.

هذه التحرُّكات لم تقتصر فقط على الشارع؛ حيث تحرَّك الجانب الرسمي -أيضًا- في اتجاه بلغ ذروته بقطع علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع إيران في الرابع من شهر يناير/كانون الثاني 2016، بعد يوم واحد من إعلان السعودية قطع علاقاتها مع إيران إثر قيام بعض المتظاهرين الإيرانيين الغاضبين باقتحام مقرِّ السفارة السعودية في طهران، والاعتداء على الممتلكات والوثائق بالإتلاف والحرق.

كانت البحرين قبل ذلك بثلاثة أشهر، وتحديدًا في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2015، قد أعلنت عن سحب سفيرها لدى إيران، واعتبار القائم بأعمال السفارة الإيرانية في المنامة شخصًا غير مرغوب فيه، وعليه مغادرة البلاد خلال 72 ساعة.

تقاطع المصالح البحرينية-السعودية

التآزر البحريني-السعودي ليس جديدًا ولا طارئًا، ولا يتعلق بالظروف الوقتية التي يمر بها أي من البلدين؛ فالعوامل التي تحكم هذه العلاقة لها أكثر من وتد يَشدُّ حبالها؛ منها وشائج الصلات القبلية التي تربط العائلتين الحاكمتين في كلٍّ من السعودية والبحرين (آل سعود وآل خليفة)؛ إذ تنحدر أصول أسرة “آل خليفة” من عمق المملكة العربية السعودية، إضافة إلى الروابط العرقية، والانتماء المذهبي، والسياج السياسي الموحَّد الذي يجمع البلدين والمتمثل في مجلس التعاون لدول الخليج العربية؛ الذي تمَّ تأسيسه في عام 1981، درءًا لما شعرت به دول المجلس حينها من وجود مخاطر متأتِّية من طرف الضفة الشرقية للخليج العربي، خصوصًا مع وجود عاملين في غاية الأهمية؛ هما: انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، والحماس الطاغي لهذه الثورة ومنتسبيها في عملية تعليب الثورة وتصديرها؛ وما تبع ذلك من اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية في سبتمبر/أيلول 1980.

وعلى الرغم من أن الأمن لم يكن هاجسًا ضاغطًا عندما كان “مجلس التعاون الخليجي” مجرَّد فكرة؛ ولكن بسبب العاملين المشار إليهما أعلاه، فقد أضحى “الأمن” في مقدمة الأولويات عشية إعلان تأسيس المجلس(1).

يبقى الجانب الاقتصادي حاضرًا في العلاقة الخاصة التي تربط المنامة بالرياض؛ إذ تُعَدُّ البحرين واحدة من ضمن تسع دولٍ عربية تتلقَّى مساعداتٍ مباشرة وغير مباشرة من المملكة العربية السعودية؛ فلقد تلقَّت البحرين ما بين عامي 2011 و2014 مساعداتٍ من الرياض وصل مجموعها إلى 2.8 مليار دولار أميركي(2)، هذا إضافة إلى حصة البحرين من حقل “أبو سعفة” البحري(3)، حيث يتقاسم البلدان إنتاجه مناصفةً، وتبلغ حصة البحرين منه حوالي 160 ألف برميل يوميًّا، فيما تنتج البحرين من حقلها البري أقل بقليل من 50 ألف برميل في اليوم(4). كما تجري عملية تكرير كمية من النفط السعودي في مصفاة شركة نفط البحرين (بابكو) من باب المساعدة في تشغيلها إلى الحدِّ الذي يضمن لها البقاء، ويضمن لمئات الأسر البحرينية العيش؛ إذ تصل طاقة المصفاة التكريرية إلى 260 ألف برميل في اليوم، خمسة أسداس هذه الكمية متأتية من النفط السعودي (حوالي 220 ألف برميل في اليوم)(5).

ماضٍ متوتر للعلاقات البحرينية-الإيرانية

شهدت العلاقات الإيرانية-البحرينية الكثير من التوتُّر على مرِّ التاريخ، وهذا التوتُّر ليس وليد اليوم، ولا وليد الثورة الإسلامية الإيرانية فحسب؛ بل يعود إلى ما قبل ذلك؛ منذ حقبة حكم الأسرة البهلوية، وكذلك قرار إيران في عام 1951 تأميم قطاع النفط، وشمل البحرين بهذا القرار(6).

وليست المطالبات الإيرانية وحدها باسترجاع البحرين لتكون تحت سيطرتها -كما كانت إبان فترة الحكم الصفوي لإيران، عندما احتُلَّت البحرين لما يُقارب 181 عامًا؛ وذلك من عام 1602 حتى وصول أسرة آل خليفة وتمكُّنهم من السيطرة عليها في عام 1783- هي ما يُؤَرِّق المنامة ومِنْ ورائها دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى؛ ولكن -أيضًا- سلسلة الاحتجاجات البحرينية الرسمية لدى المنظمات الإقليمية والعربية والدولية، والشكوى من التدخُّل في الشؤون الداخلية للبلاد، من خلال التصريحات التي تعتبرها المنامة استفزازية، وأصابع الاتهام التي تُوَجِّهها إلى طهران المتعلقة بتدريبات عسكرية وتمويل وتسليح لمجموعات محلية، الهدف منها قلب نظام الحكم في البحرين؛ وذلك بدءًا من المحاولة الأشهر في عام 1981 حينما اتهمت البحرين إيران رسميًّا بالوقوف وراء هذه المحاولة، التي كان الاسم الأبرز فيها رجل الدين الشيعي هادي المدرسي. ومن هنا بدأت سلسلة من التوترات بين البلدين؛ التي تخللتها لحظات نادرة من الرخاء الهشِّ بين الطرفين، فيما يُعرف وفق المصطلحات الإعلامية المستخدمة خلال فترات الأزمات والحروب بـ “الهدوء الذي يشوبه الحذر”.

لقد وقفت دول مجلس التعاون الخليجي مع البحرين في الأزمة التي شهدتها في شهر فبراير/شباط 2011، عندما اندلعت الاحتجاجات في شوارع البحرين؛ فأرسلت الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية إلى البحرين قواتٍ من منظومة “درع الجزيرة” في 14 من مارس/آذار 2011؛ أي بعد قرابة الشهر من اندلاع الاحتجاجات؛ وذلك على الرغم من تواجد أجهزة الدولة البحرينية العسكرية الثلاثة: قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية، وقوات الجيش التي نزلت فعليًّا إلى الشارع منذ بداية الاحتجاجات، وقوات الحرس الوطني البحريني؛ ولكن كان التواجد العسكري الخليجي -الذي تمركز في مناطق بعيدة نسبيًّا عن خطوط التماس بين المتظاهرين وقوات الأمن البحرينية- إشارة ضمنية إلى المتهم الخارجي الأهم والأبرز في تأجيج تلك الاحتجاجات، وهو “إيران”.

وَرَدَ في الفقرة السادسة عشرة لملخص تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصِّي الحقائق؛ التي شكَّلها عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، للتوصل إلى حلٍّ للأزمة والخروج بـأقل الخسائر: “لم تكشف الأدلة المقدَّمة إلى اللجنة بشأن دور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الأحداث الداخلية في البحرين عن علاقة واضحة بين أحداث بعينها وقعت في البحرين في فبراير/شباط ومارس/آذار 2011 ودولة إيران”، وفق تقرير رئيس اللجنة محمود شريف بسيوني(7). غير أن العاهل البحريني في ردِّه على ذلك قال: “حين مددنا يد الأخوة الإسلامية إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، رأينا في المقابل هجمة إعلامية شرسة في القنوات الإعلامية الرسمية الإيرانية تحرِّض أبناء وطننا على التخريب وارتكاب أعمال العنف؛ مما أسهم في إذكاء نار الطائفية، وهو تدخُّل سافر لا يُحتمل في شؤوننا الداخلية؛ أدى إلى معاناة كبيرة لشعبنا ووطننا. وكما ذكرتَ بكل صواب، السيد رئيس اللجنة، فإن حكومة البحرين ليست في وضع يُمَكِّنها من تقديم أدلَّة على الصلات بين إيران وأحداث معينة في بلدنا هذا العام؛ ولكن هذه الهجمة الإعلامية -وهي حقيقة موضوعية يلاحظها كلُّ مَنْ يفهم اللغة العربية- تُشَكِّل تحدِّيًا مباشرًا ليس فقط لاستقرار وسيادة وطننا فحسب؛ بل تهديدًا لأمن واستقرار كافة دول مجلس التعاون”(8).

حاضر أكثرُ توترًا

تتحسَّس إيران جدار مجلس التعاون لدول الخليج العربية؛ وذلك في إطار مساعٍ من أجل اكتشاف المناطق الرخوة التي يمكنها أن تلج المجلس من أبوابه الخلفية، ومن خلال طرقٍ غير تقليدية. والبحرين واحدة من هذه المناطق التي تجد إيران أنه من الممكن أن تكون معبَرًا لها من أجل فرض هيمنتها ومدِّ نفوذها في المنطقة، ليست البحرين وحدها في هذا المسار؛ إذ تتواتر إشارات وتحذيرات من محاولات اختراق إيران المنطقة العربية من الشمال “الكويت”؛ لاسيما بعد أن أعلنت السلطات الكويتية في أغسطس/آب 2015 عن اكتشاف “خلية حزب الله” في الكويت، وكذلك من الجنوب “سلطنة عُمان”؛ التي تسعى إيران للتسلل إليها بنعومة بالغة؛ تارةً من باب المصالح الاقتصادية، وتارةً أخرى من باب تقاسم المصالح الجيوسياسية؛ أضف إلى ذلك الوسط “البحرين”، وإن كان الشأن الكويتي له تعقيداته الخاصة؛ فإن الشأن البحريني والعُماني لهما بعض السمات المشتركة، خصوصًا من الناحية الاقتصادية؛ إذ إنهما الحلقة الأضعف في اقتصادات منظومة مجلس التعاون الخليجي.

وغالبًا ما ينسحب هذا الضعف الاقتصادي على جملة من الأمور؛ التي من أهمها: الخدمات، والبنية التحتية، واستحداث الوظائف، التي تمثِّل معظم المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها المواطنون البحرينيون؛ التي شكَّلت وقودًا لاحتجاجات كثيرة ما فتئت أن تتكرَّر منذ تسعينات القرن الماضي. وعليه فقد تنبَّهت دول مجلس التعاون الخليجي لما يمكن أن تشكِّلَه إمكانية الاختراق لكلٍّ من البحرين وعُمان، وقرَّرت تزويدهما بعشرة مليارات دولار للسنوات العشر المقبلة فيما عُرف بـ”المارشال الخليجي”؛ الذي أُعْلِن عنه في قمَّة مجلس التعاون الخليجي لعام 2011(9)، إلا أن المال وحده -كما أثبتت الوقائع- ليس قادرًا على الحماية من الاختراق.

وإلى جانب العامل الاقتصادي يقف العامل المذهبي في هذا الشأن موقفه، فالبحرين -التي لا يمكن الجزم بالنسب الأدق للانتماءات المذهبية فيها- يتقاسمها المكوِّنان الشيعي والسني، مع زعمٍ -غير مدقَّق إحصائيًّا بما يكفي- بتفوُّق المكوِّن الشيعي فيها؛ فإنْ صحَّ ذلك فإنَّ أتباع المكوِّن السني أقلية كبرى تقارب نصف عدد المواطنين أو تكاد، ومع انتصار الثورة الإسلامية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية قبل قرابة الأربعة عقود، فإنه يبدو أن المواطنين الشيعة في منطقة الخليج عمومًا قد شعروا بعمقهم الروحي المتأتي من انتصار ثورة إسلامية بأركان مذهبية في المنطقة، فيما استشعر المواطنون السنة أن ما يمكن أن يعدل كفَّة الميزان هو الالتحام أكثر بدول الخليج المجاورة؛ التي يتقاسمون معها الانتماء المذهبي نفسه.

تسلسل انهيار العلاقات بين المنامة وطهران

قبل أن يتم الوصول إلى نقطة قطع العلاقات الدبلوماسية بين البحرين وإيران بمبادرة من الجانب البحريني كما ورد سابقًا، كانت الشهور التي سبقت قطع العلاقات قد شهدت الكثير من التوترات بين المنامة وطهران، ويمكن إيجاز ذلك في ما يلي:

في 25 من يوليو/تموز 2015: استدعت البحرين سفيرها في طهران للتشاور؛ وذلك بعد أن سلَّمت القائم بأعمال السفارة الإيرانية بالإنابة لدى المنامة مذكرةَ احتجاجٍ على تصريحات علي خامنئي -المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية- التي قال فيها: إن إيران لن تتخلى عن نصرة “الشعب المضطهد في البحرين”.
في 25 من يوليو/تموز 2015 أيضًا: صرَّحت وزارة الداخلية البحرينية أنها أحبطت “عملية تهريب متفجرات وأسلحة عن طريق البحر إلى البحرين مصدرها إيران، وقبضت على الجناة”(10).
في 26 من سبتمبر/أيلول 2015: استدعت الخارجية البحرينية القائم بأعمال سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى البحرين محمد رضا بابائي، وسلَّمته مذكرة احتجاج رسمية إثر التصريحات التي صدرت عن السيد علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية(11).
في 1 من أكتوبر/تشرين الأول 2015: سحبت البحرين سفيرها المعتمد لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية -راشد سعد الدوسري- واعتبرت القائم بأعمال سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى البحرين -محمد رضا بابائي- شخصًا غير مرغوب فيه، وطلبت منه مغادرة البلاد خلال 72 ساعة؛ وذلك بسبب “استمرار التدخل الإيراني في شؤون مملكة البحرين؛ دون رادع قانوني، أو حدٍّ أخلاقي، ومحاولاتها الآثمة وممارساتها لأجل خلق فتنة طائفية، وفرض سطوتها وسيطرتها وهيمنتها على المنطقة بأسرها من خلال أدوات ووسائل مذمومة، لا تتوقف عند حدود التصريحات المسيئة من كبار مسؤوليها؛ بل تتعداه إلى دعم التخريب والإرهاب، والتحريض على العنف عبر الحملات الإعلامية المضللة، ودعم الجماعات الإرهابية؛ وذلك من خلال المساعدة في تهريب الأسلحة والمتفجرات، وتدريب عناصرها، وإيواء المجرمين الفارِّين من وجه العدالة”(12).
• في 4 من يناير/كانون الثاني 2016: قطعت البحرين علاقتها الدبلوماسية مع إيران؛ وذلك “بعد الاعتداءات الآثمة الجبانة التي تعرَّضت لها سفارة المملكة العربية السعودية الشقيقة في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد”(13).

وفي هذه الأثناء، تواردت جملة من الأنباء عن تفكيك شبكات وخلايا، والعثور على مصانع للأسلحة تحت الأرض، وسط إعلان رسمي، وتشكيك من قِبَل بعض أطراف المعارضة السياسية البحرينية في الداخل والخارج؛ ولكن التقرير الذي أصدرته وكالة أنباء البحرين الرسمية في اليوم نفسه الذي أُعْلِن فيه قطع علاقات المنامة الدبلوماسية مع طهران، لم يكتفِ بما تمَّ الكشف عنه محليًّا؛ بل جرى ربط هذا التوجُّه باكتشاف خلية العبدلي في الكويت، والهجوم الإعلامي من قِبَل إيران على المملكة العربية السعودية إثر حادث التزاحم في منى في موسم حج عام 2015، وكذلك الاعتداء على مقرَّيِ السفارة والقنصلية السعودية في طهران ومشهد(14).

مستقبل البحرين في ظل التوتر

يمكن تشبيه البحرين بموقعها الجغرافي المتميز في المنطقة بين ضفتي الخليج العربي بـ”شبكة طاولة التنس”؛ حيث لا ينتصر أي فريق من الفرق المتنافسة إلا بتمرير الكرة من فوقها، ولا يمكن اعتبار المباراة قانونية وصحيحة إلا إن كانت الشبكة مشدودة، وتلك الشبكة لا تعني الكثير للاعبين؛ وإنما يعني الطرفان المساحة التي خلفها؛ وعليه تبدو البحرين في حال انشداد دائم على المستوى النفسي تجاه المخاطر التي تتهدَّدها من الجانب الشرقي لها في الأساس؛ وهذا دأب الدول الصغيرة التي غالبًا ما تكون متوجِّسة؛ وذلك لعدم امتلاكها عمق استراتيجي كبير يُمْكِنُها المناورة من خلاله، وهذا هو حال البحرين؛ التي طالما رددت أن المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، ودول مجلس التعاون الخليجي بشكلٍ عام، يُشَكِّلُون عمقها الاستراتيجي، وإن كان بشيءٍ من “المجاز”؛ ولكن هذا ما يجعل صانع القرار البحريني أكثر اطمئنانًا؛ خصوصًا مع التوجهات الأميركية نحو انسحابها الناعم من منطقة الخليج، والدروس التي تعلَّمَتْهَا منذ عملية عاصفة الصحراء؛ التي تَبِعَتْ غزو العراق للكويت في بدايات العقد الأخير من الألفية الماضية، وما تبع ذلك من إعلان الحرب في أفغانستان والعراق، وهذا ما يجعل دول مجلس التعاون الخليجي -وجُلُّها دول صغيرة- مدعوَّة إلى الأخذ إما بالحياد أو التكتُّل، ولكلا الخيارين عددٌ من الفرص والتحديات والمخاطر؛ وهذا ما دعا البحرين إلى أن تقف “مباشرة” مع المملكة العربية السعودية -الدولة الخليجية الأكبر- في جميع المنعطفات الحرجة، وتقديم المساندة والدعم للدول الخليجية الأخرى؛ لاسيما فيما يتعلَّق بالملف الإيراني.

كما نادت البحرين بشكل يُعَبِّر عن حاجاتها الذاتية -ربما أكثر من غيرها- بمسألة الاتحاد الخليجي، وكانت أُولى الدول التي أيَّدت الدعوة التي أطلقها العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز في افتتاح الدورة 32 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية؛ التي انعقدت في ديسمبر/كانون الأول 2011، خصوصًا بعد خروج المنامة من عنق زجاجة احتجاجات 14 من فبراير/شباط 2011؛ التي اتهمت إيران بالوقوف وراءها.

خاتمة

كثيرٌ من الدول المتوسطة والكبيرة تقضي سنوات طوال في البحث عن لعبِ دور خاص بها، من خلال تفعيل أدواتها من “القوة الناعمة”؛ وذلك بالتوازي مع تطوير قدراتها من “القوة الخشنة”، بالاستعداد العسكري؛ غير أن خيارات البحرين كخيارات أي دولة مصنَّفة على أنها دولة صغيرة -حيث تتموضع البحرين في المرتبة 20 من ضمن 24 دولة في العالم مصنَّفة كدول صغيرة من حيث الحجم (المساحة الجغرافية)؛ حيث تقل مساحتها الإجمالية عن 1000 كيلو متر مربع(15)- هو الاستناد إلى عمود فقري يوفِّر لها طمأنينة القوة والْمَنَعة؛ حيث يُعَدُّ المحيط العربي بمنزلة العمود الفقري، والعمق الاستراتيجي، والدعم الدبلوماسي، والرافعة الاقتصادية للبحرين.
___________________________
غسان الشهابي: كاتب وباحث من البحرين.

المصادر والحواشي
(1) الحسن، عمر، مجلس التعاون الخليجي: دواعي التأسيس من وجهة النظر الرسمية، مركز الجزيرة للدراسات، http://studies.aljazeera.net/files/gccpath/2014/10/2014101491936106853.htm ، (تاريخ الدخول: 2 من فبراير/شباط 2016).
(2) 2.8 مليار دولار حصة البحرين من مساعدات السعودية، صحيفة “الوسط”، 29 من سبتمبر/أيلول 2014، http://www.alwasatnews.com/news/924494.html ، (تاريخ الدخول: 3 من فبراير/شباط 2016).
(3) حقل نفطي مشترك بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية تم اكتشافه في عام 1963، في حين بدأ إنتاج الحقل الفعلي في عام 1966، يقع الحقل تحت إدارة شركة أرامكو السعودية النفطية، وتبلغ طاقة الحقل الإنتاجية 300 ألف برميل يوميًّا من الزيت العربي المتوسط، ويكيبيديا، (تاريخ الدخول: 5 من فبراير/شباط 2016).
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D9%82%D9%84_%D8%A3%D8%A8%D9%88_%D8%B3%D8%B9%D9%81%D8%A9
(4) ارتفاع حصة البحرين من حقل “أبو سعفة” إلى 160 ألف برميل يوميًّا، صحيفة “الوسط”، 9 من فبراير/شباط 2015، http://www.alwasatnews.com/news/959868.html ، (تاريخ الدخول: 9 من فبراير/شباط 2016).
(5) شركة نفط البحرين، الهيئة الوطنية للنفط والغاز، http://www.noga.gov.bh/arabic/index.php?page=860 ، (تاريخ الدخول: 1 من فبراير/شباط 2016).
(6) الشهابي، غسان، المسافة بين البحرين وإيران: استنشاق التوتر، مركز الجزيرة للدراسات، http://studies.aljazeera.net/reports/2014/08/20148269273403263.htm ، (تاريخ الدخول 31 من يناير/كانون الثاني 2016).
(7) تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، http://www.bici.org.bh/indexde75.html?news=%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D8%B0-%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF-%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D9%81-%D8%A8%D8%B3%D9%8A%D9%88%D9%86&lang=ar ، (تاريخ الدخول: 17 من فبراير/شباط 2016).
(8) آل خليفة، حمد بن عيسى، كلمة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في 23 من نوفمبر/تشرين الثاني، اللجنة البحرينية المستقلَّة لتقصِّي الحقائق، http://www.bici.org.bh/index8a54.html?news=speech-of-hm-king-hamad-bin-isa-al-khalifa-on-23rd-november&lang=ar (تاريخ الدخول: 3 من فبراير/شباط 2016).
(9) الإمارات تمنح البحرين 2.5 مليار دولار ضمن “المارشال الخليجي”، http://www.alwasatnews.com/news/740212.html ، (تاريخ الدخول: 17 من فبراير/شباط 2016).
(10) وزارة الداخلية تحبط عملية تهريب متفجرات وأسلحة عن طريق البحر إلى البحرين مصدرها إيران وتقبض على الجناة، وكالة أنباء البحرين، http://bna.bh/portal/news/678796 ، (تاريخ الدخول: 2 من فبراير/شباط 2016).
(11) وزارة الخارجية تُسَلِّم القائم بأعمال سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية مذكرة احتجاج على تصريحات خامنئي، وكالة أنباء البحرين، http://www.bna.bh/portal/news/688463 ، (تاريخ الدخول: 2 من فبراير/شباط 2016).
(12) البحرين تسحب سفيرها في طهران وتطلب مغادرة القائم بالأعمال، وكالة أنباء البحرين، http://www.bna.bh/portal/news/689294 ، (تاريخ الدخول: 2 من فبراير/شباط 2016).
(13) مملكة البحرين تُعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وكالة أنباء البحرين، http://bna.bh/portal/news/704480 ، (تاريخ الدخول: 2 من فبراير/شباط 2016).
(14) قرار مملكة البحرين قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران.. لقد بلغ السيل الزبى، وكالة أنباء البحرين، http://www.bna.bh/portal/news/704562 ، (تاريخ الدخول: 2 من فبراير/شباط 2016).
(15) دولة صغيرة، ويكيبيديا:
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9_%D8%B5%D8%BA%D9%8A%D8%B1%D8%A9 ، (تاريخ الدخول: 3 من فبراير/شباط 2016).